فوائد حديث : ( ... عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية (( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود )) قال فكان الرجل إذا أراد الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأسود والخيط الأبيض فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رأيهما فأنزل الله بعد ذلك من الفجر فعلموا إنما يعني بذلك الليل والنهار ) . حفظ
الشيخ : أما الأحاديث الأخرى ففيها دليل على أن من تأول القرآن جاهلاً بما يراد به فإنه لا شيء عليه ، لأن الصحابة رضي الله عنهم فعلوا مثل فعل عدي لكنهم فعلوا ذلك قبل أن ينزل قوله تعالى : (( من الفجر )) .
وفيه أيضاً من فوائد الحديث الثاني الذي ذكره المؤلف ، أن القرآن ينزل من عند الله شيئاً فشيئاً ، وهل الله يتكلم به شيئاً فشيئاً ؟ .
الجواب نعم ، لأن كلام الله سبحانه وتعالى يكون شيئاً فشيئاً ، كل حرف مسبوق بما قبله، وليس الكلام أعني كلام الله هو المعنى القائم بنفسه ، لأننا إذا فسرنا الكلام بالمعنى القائم بالنفس، لم نعدُ أن نفسره بالعلم والإرادة ، إذ أنه متى لم يسمع فليس بكلام، وليس في اللغة العربية شيء يقال له كلام أو قول إلا وهو مسموع ، ولهذا لما أراد الله عز وجل أن ينسب القول إلى غير المسموع قال : (( ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول )) .
وفيه أيضاً : ( فأنزل الله ) دليل على علو الله سبحانه وتعالى، علو الله وأنه فوق كل شيء ، ووجه الدلالة أن القرآن كلام الله ، وأخبر الصحابة أنه أنزل فدل ذلك على علو الله تبارك وتعالى ، وهو كذلك فإن الله سبحانه وتعالى هو العلي العظيم فوق كل شيء.
وهناك علو خاص دون العلو العام وهو الاستواء على العرش ، والعرش هو سقف المخلوقات كلها ، فهنا علوان : علو خاص وعلوا عام .
العلو العام من الصفات الذاتية ، لأن الله لم يزل ولا يزال عالياً ، والعلو الخاص من الصفات الفعلية وهو الاستواء على العرش ، العلو العام دليله أثري ونظري ، لأن العقل اهتدى إلى علو الله عز وجل، والعلو الخاص وهو الاستواء على العرش دليله أثري فقط، هذا هو الذي دلت عليه الأدلة ، وهي والحمد لله ظاهرة .نعم.
أيضاً فيه كلمة : ( إنما يعني )، يعني : بمعنى يريد ، وفي هذا دليل على التوسع في صفات الأفعال ، وأن الله تعالى ينسب إليه الفعل باللفظ وإن لم يرد نصاً في القرآن والسنة ، لأن أفعال الله لا يحاط بها ، فالصحابة قالوا : ( إنما يعني ).
لو قال قائل : هل هذه الصفة من صفات الله ، هل جاءت في الكتاب والسنة ؟.
قلنا ما جاءت ، لكن أفعال الله عز وجل ما لها حصر ، فنقول : إنما أراد الله ، إنما عنى الله، توسع الله في كذا وكذا، صرح الله في كذا وكذ، ولا يضر ، لأن هذا من أفراد جنس عام وهو الفعل.