فوائد حفظ
الشيخ : وهذا كان في المدينة ، فدل على جواز الرهن في الحضر ، كما يجوز في السفر وأما من قال إنه لا يجوز إلا في السفر فيقال : إن الله تعالى يقول : (( وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبًا فرهان مقبوضة )) بين لعباده أنه إذا تعذر التوثقة بالكتابة فهناك طريق آخر ، وهو الرهن فيكون قوله : (( إن كنتم على سفر )) بيان لواقع الحال ، وليس يعني أنه لا يحل إلا في السفر ، وإلا لقلنا إنه لا يحل إلا إذا عدم الكاتب ، ولا يحل أيضًا إلا إذا قبض الرهن فالصواب أنه جائز في الحضر والسفر ، ولكن الآية ذكرت أقصى ما يكون من عدم التوثقة ، وذكر الله عز وجل أنه إذا كان على سفر ولم يجد كاتبًا يشهد بالحق فليرهن رهنًا ويقبضه.
وفي هذا الحديث : ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من قلة ذات اليد ، مع أن هذا كان في آخر حياته ، لأنه صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند هذا اليهودي.
وفيه أيضًا دليل على أن الرهن يقبضه المرتهن ، لأنه لا تتم التوثقة إلا بذلك ، لكن هل القبض شرط للزوم؟ في ذلك قولان للعلماء : القول الأول : أنه شرط للزوم ، وأنه إذا رهنه شيئًا ولم يقبضه إياه صار الرهن جائزًا ، لو شاء لفسخه الراهن ، لكن هذا القول ضعيف ، والصواب أن القبض ليس شرطًا للزوم ، وعمل الناس عليه قديمًا وحديثًا.
الآن يرهن الإنسان السيارة وهو يستعملها ، يرهن البيت وهو ساكنه ، وما زال قضاتنا يعملون بهذا القول وهو القول الراجح ، أن القبض ليس بشرط للزوم الرهن.
وفيه أيضًا دليل على جواز معاملة اليهود ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عامل هذا اليهودي.
وفيه : دليل على أن من كانت يظن أن في ماله محرمًا أو علمنا فلا بأس بمعاملته ما دامت المعاملة التي بيننا وبينه على طريق صواب فلا بأس.
وفيه أيضًا : جواز رهن العدو ما كان من آلة الحرب لكن بشرط الأمان لأن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه هذا اليهودي ، واليهود أهل غدر وخيانة ، لكن إذا أمنا فلا بأس.
وفيه أيضًا : دليل على جواز التحرز من المؤذي ، وأن ذلك لا ينافي التوكل لأن الدرع التي رهنها الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبسها في الحرب ، فتوقي المؤذي لا ينافي التوكل ، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد لبس درعين اثنين.
وفيه أيضًا : دليل على جواز الأخذ بالدين ، يعني أن يشتري بالدين ، وأن يستقرض وما أشبه ذلك.
ولكن لا يفعل إلا عند الحاجة والضرورة وإذا فعل فليرهن ، حتى إذا مات رجع صاحب الحق على الرهن.