وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن أبي عمر قالوا حدثنا سفيان عن الزهري بهذا الإسناد حفظ
القارئ : وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن أبي عمر قالوا : حدثنا سفيان عن الزهري بهذا الإسناد .
الشيخ : نعم ، نتكلم على هذا الحديث وإن كان عادتنا إذا انتهت الأحاديث ..
عمر رضي الله عنه قال : ( وهو جالس على المنبر ) ويحتمل أن المراد بالجلوس هنا الوقوف لأنه يخطب الناس .
يقول : ( إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق ) أي بالصدق في الأخبار والعدل في الأحكام ، فبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم مشتملة على هذا ، الحق وهو الصدق في الأخبار ، والعدل في الأحكام .
يقول : ( وأنزل عليه الكتاب ) يعني القرآن ( فكان مما أُنزل عليه آية الرجم ) يعني الآية التي فيها الرجم ، وذكر شروطه رضي الله عنه في آخر الخطبة ، ( قرأناها ووعيناها وعقلناها ، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده )، رضي الله عن عمر ، يقول قرأناها لفظا ، ووعيناها فهما ، وعقلناها نظرا وحكمة ، يعني تبين لنا ما الحكمة في ذلك ، فرجم النبي صلى الله عليه وسلم هذا تطبيقا ، ورجمنا بعد تحقيقا لكون الحكم لم ينسخ ، وأنه بقي حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجم الخلفاء من بعده .
( فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله )، لأننا إذا قرأنا القرآن من أوله إلى آخره لم نجد الرجم ، فيقول قائل الرجم غير موجود في القرآن فلا نعمل به ، ولكن هو موجود نزل فقرئ ، ووعي وعقل ، لكن نسخ لفظه وبقي حكمه .
والحكمة والله أعلم أو من الحكمة والله أعلم بيان فضل هذه الأمة على من سبقها ، الذين سبقوها حاولوا أن يكتموا آية الرجم مع وجودها نصا في التوراة ، وهذه الأمة عملت بها مع أنها غير موجودة في الكتاب لفظا ، ولا شك أن هذا يدل على شرف هذه الأمة وتنفيذها لحكم الله عز وجل كما قال تعالى : (( كنتم خير أمة أخرجت للناس )) .
لكن ما هذه الآية ؟ . المشهور عند المفسرين والأصوليين أنها بهذا اللفظ : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ، هذا لفظها الذي يتناقله كثير من المفسرين والأصوليين ، ولكنك إذا تأملت هذا اللفظ وجدته غير مناسب للحكم ، غير مطابق للحكم ، لأن حكم الرجم منوط بالثيوبة لا بالشيخوخة ، والمعلق بوصف لا يمكن أن يتغير ، فالشيخ مثلا قد يكون شيخا ولكنه بكر ، أليس كذلك ؟ أجيبوا ؟ .
نعم ، وقد يكون ثيبا وهو صغير ، فلما اختلف الحكم الذي قرره عمر رضي الله عنه من الآية المنسوخة علمنا أن لفظها ليس هو ما اشتهر عند المفسرين أو الأصوليين ، بل هو الآن مجهول لنا ، لكن المعنى معلوم أو غير معلوم ؟ . معلوم ، الحمد لله .
يقول : ( فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله )، وإنما خشي عمر ذلك لبعدهم أي لبعد الناس عن عهد النبوة ، ولخروجهم عن دائرة الخيرية في قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) ولا ندري فلعل عمر سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يوشك أحدكم أن يكون متكيءً على أريكته يأتيه الأمر من أمري ، فيقول : لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) شوف سوء الصورة ، متكئ على أريكته ، وهذا يدل على الكبرياء والغطرسة ( يقول ما ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) يعني وما لم نجد لا نتبعه ( ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه )، فإن كان عمر رضي الله عنه سمع هذا من النبي صلى الله عليه وسلم فخشيته ظاهرة ، وإن لم يكن سمعه فخشيته يعرفها رضي الله عنه من المعنى ، وهو تقادم عهد النبوة وخروج الناس عن دائرة الخيرية ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) .
( إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله )، فريضة وهي إقامة الحد ، حد الرجم فريضة أنزلها الله تبارك وتعالى .
( وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء وقامت البينة )، اشترط رضي الله عنه شرطين : الإحصان ، وثبوت الزنا ، الإحصان من قوله : ( إذا أحصن )، وثبوت الزنا من قوله : ( إذا قامت البينة أو كان الحبل ) يعني الحمل ( أو الإعتراف ) يعني الإقرار ، فجعل رضي الله عنه البينة الموجبة للحد هي الشهود الأربعة الذين ذكرهم الله في القرآن أو الحبل يعني حمل المرأة أو الإعتراف يعني الإقرار .
لكن من هو المحصن ؟ .
المحصن يقول العلماء هو الذي جامع زوجته في نكاح صحيح وهما بالغان عاقلان حران ، جامع زوجته في نكاح صحيح ، فإن جامع غير زوجته فليس بمحصن حتى ولو كانت سرية فليس بمحصن ، الثاني في نكاح صحيح ، فإن جامعها بنكاح فاسد كنكاح بلا ولي أو نكاح تبين أنها أخته أي الزوجة أو ما أشبه ذلك فليس بمحصن ، وهما بالغان ، فلو جامعها وهي صغيرة لم تبلغ فليس بمحصن ، ولو كان هو صغيرا فجامعها وهو لم يبلغ ثم طلقها فليس بمحصن ، عاقلان فإن جامعها وهي مجنونة أو جامعها وهو مجنون ثم عقل ولم يجامعها بعد العقل فهو ليس بمحصن ، حران فإن جامعها وهو رقيق ثم بعد ذلك عتق ولم يجامعها بعد الحرية فليس بمحصن ، هذا ما ذكره الفقهاء رحمهم الله من الحنابلة : " أن يكون جامع زوجته في نكاح صحيح وهما بالغان عاقلان حران ".
يقول رضي الله عنه : ( إذا قامت البينة )، البينة هي أربعة شهود رجال ، فلو شهد ثلاثة وتوقف الرابع فلا حد ، ويجلد الثلاثة الذين شهدوا لأنهم رموه بالزنا وهم عند الله كاذبون كما قال تعالى : (( لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإن لم يأتوا بالشهداء فأولائك عند الله هم الكاذبون )) فيجلد كل واحد ثمانين جلدة ، كل هذا من أجل التحري أن لا يقدم أحد على تدنيس أعراض المسلمين ، شف لو كانوا أربعة شاهدوه زانيا بها ثم عند أداء الشهادة توقف أحدهم يجلد الثلاثة والثاني لا يجلد ، لأن الثلاثة صرحوا بالقذف والثالث توقف .
( أو كان الحبل ) يعني الحمل ، حملت امرأة ليس لها زوج ولا سيد من أين أتاها ؟ . من زنا ، فيقام عليها الحد ، لكن لو إدعت أنها مكرهة فإنه لا يقام عليها الحد ، لأن هذه الدعوى ممكنة ، فإذا وجدنا امرأة حملت وأتت بولد ليس لها زوج ولا سيد وقربناها لنقيم عليها الحد ، فقالت إنها مكرهة ، فإنه لا يجوز أن نحدها لأن هذه الدعوى ممكنة ، وإذا كانت ممكنة فإننا نرفع عنها الحد .
( أو الإعتراف ) يعني أو كان الإعتراف ممن زنا سواء امرأة أو رجل ، إذا اعترف بأنه زنا أقيم عليه الحد .
ولكن هل يشترط تكرار الإقرار أو يكفي مرة واحدة ؟ .
الصحيح أنه يكفي مرة واحدة ، إلا إذا شككنا في هذا المقر شكننا في حاله أو علمه ، شككنا في حاله بأن يحتمل أنه سكران وجاء يقول أنه زنا أو أنه اعتقد أن التقبيل والضم والمباشرة دون الفرج زنا أو ما أشبه ذلك ، فهنا نطلب الزيادة من الإقرار ، أو شككنا في أنه مجنون أو سكران أو ما أشبه ذلك ، فإننا لا نقيم عليه الحد ، لاحتمال أن يكون زنا في حال لا يقام عليه الحد فيها أو أنه ظن أن هذا زنا وهو ليس بزنا ، هذا هو الصحيح أن الاعتراف مرة كافي ، لأنه كفى بالإنسان ثبوت الحد عليه إذا أقر على نفسه ، وقد قال الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم )) فإذا اعترف رجمناه إن كان ثيبا .
فإن رجع فقيل إنه يقبل رجوعه ، وقيل لا يقبل وهو الصواب ، أنه لا يقبل ، لأنه إذا أقر عند القاضي إقرارا شرعيا تاما ثم رجع فإن هذا من باب التلاعب بالحكام والضحك عليهم ، ما الذي جعله بالأمس يثبت أنه زنا ثم اليوم يقول لا ما زنا ، تلاعب ، ونحن قد أخذنا منه الإقرار على وجه تام ، قلنا له هل أحد أكرهك ؟. هل أنت كذا هل أنت كذا ؟. حتى أقر وقال أُقر بدون إكراه .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كلام له في الفتاوي أنه لو قبل الرجوع عن الإقرار لم يُقم في الدنيا حد ، يعني حد يثبت بالإقرار ، لأن كل إنسان يقر ثم قال تعال يا رجل تدري وش بسوون بك ليش تقول زنيت ؟. قال وش بسوون بي ؟ قال يا أبوي يرجمونك بالحجارة أنت ثيب ، قال صحيح ؟ قال نعم . يلا للقاضي ، يا قاضي ترى هونت رجعت عن الإقرار ، هذا يقع ، نعم لأنه قد يقر بناء على أن الأمر سهل ، يظن أنه كفارة أو أسواط يسيرة ، ثم إذا بين له أنكر ، هو طبعا لا ينكر الإقرار ، لكن يرجع ، لأنه لو أنكر الإقرار ما قبل ، لأن الإقرار ثابت عند المحكمة ، لكن رجع عن إقراره ، قال نعم أنا أقريت بالأمس لكني هونت ، نعم ، فيقال سبحان الله كيف يقر ويهون ، لا سيما إذا كان في سرقة ، ووصف السرقة ، ووصف المسروق ، ثم رجع بعد أن قُرر قطع يده رجع ، ما يمكن ترجع ، حق الآدمي على كل حال لا يمكن الرجوع فيه لا بد أن يغرم فيه ، لكن حق الله .
فالصواب أنه لا يقبل رجوع المقر في أي حد من الحدود ، لأنه ما في دليل ، والله تعالى قد جعل الإقرار شهادة ، أي نعم .