فوائد حفظ
الشيخ : فيستفاد منه جواز إقرار الإنسان على نفسه بالزنا ، وهل الأفضل أن يقر أو الأفضل أن يستر نفسه ؟ .
الأفضل أن يستر نفسه ، لكن لا بأس أن يقر .
فإذا قال قائل : إقراره يؤدي إلى هلاكه ، أفلا يعارض قول الله عز وجل : (( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )) ؟.
قلنا لا ، لا يعرضه لأن هذه تهلكة بحق ، يريد بها المقر أن يطهر من دنس هذا الذنب .
ومن فوائد هذا الحديث التصريح بلفظ الزنا عند الإقرار ، فلا يكفي أن يقول أتيت فاحشة أو أتيت الفاحشة ، أو استحللت من المرأة ما يستحل الرجل من امرأته أو ما أشبه ذلك ، لا بد أن يصرح بأنه زنا ، وإذا كان عندها شك في إقراره فلنستفصل .
ومن فوائد هذا الحديث أن الزاني المحصن يرجم بالحجارة ، قال العلماء وتكون حجارة لا صغيرة ولا كبيرة ، لأن الكبيرة تقضي عليه سريعا والصغيرة يتعب قبل أن تخرج روحه ، فصار الحجارة متوسطة ، قالوا ولا يضربه في المقاتل لأنه إذا ضربه في المقاتل هلك بأول ضربة ، ولم نستفد من الرجم شيئا .
ومن فوائد هذا الحديث جواز التوكيل في إقامة الحد ، لأن ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشارك لكن أمر الصحابة أن ينفذوا الحد فيه وهو كذلك ، أي أعني أنه يجوز أن يوكل الإمام أو من يقوم مقامه في تنفيذ الحدود .
أما قصة الغامدية فإنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، أيش عندكم قال فجاءت أيش ؟ الغامدية ؟ .
جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلبت منه أن يطهرها ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ردها ، ولا نعلم لماذا ردها ، لأن هذه قضية عين ، قد يكون ردها لأنها حامل أو لغير ذلك ، فلما كانت من الغد جاءت وقالت : ( فيم تردني لعلك أن تردني كما رددت ماعزا فوالله إني لحبلى )، فهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم ردد ماعزا لأنه شك في أمره ، وهذه أرادت أن تؤكد الأمر فقالت : ( والله إني لحبلى ) أي حامل يعني من الزنا ، فأمرها النبي عليه الصلاة والسلام أن تذهب حتى تلد .
فيستفاد منه جواز إقرار المرأة على نفسها بالزنا وأنه لا يُحتاج أن يُسأل هل هي ذات زوج أو لا ؟ ، ولا أن يُسأل هل علم بها أبوها أو لا ؟، لأنها بالغة عاقلة فإقرارها مقبول .
ومن فوائد هذا الحديث مشروعية تأكيد الأمر بالواقع حيث قالت إنها حبلى ، وهل يقام الحد على المرأة الحامل إذا لم تكن ذات زوج أو سيد ؟ .
الجواب : نعم يقام الحد على المرأة إذا حملت وليس لها زوج ولا سيد إلا إذا ادّعت شبهة بأنها مكرهة أو جاهلة بالتحريم ، وهي مما يمكن أن تجهله وما أشبه ذلك .
ومنها أنه لا تجوز إقامة الحد على الحامل حتى تضع ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تذهب حتى تلد .
ومن فوائده أنه إذا حملت المرأة التي وجب عليها الحد تنظر أيضا حتى ترضع الولد اللبأ ، واللبأ هو أول حليب يكون في المرأة ، هذا الحليب قال العلماء إنه بمنزلة الدباغ للمعدة ، فالمعدة تحتاج إليه فتسقيه اللبأ ، ثم إن وجد من يرضعه دفعناه إلى من يرضعه ، وإن لم يوجد أمهلنا المرأة حتى تفطم الولد .
ومنها أيضا عقل هذه المرأة ، وأنها كلما جاءت بشيء أتت بالبرهان عليه ، يعني كلما قالت شيئا أتت ببرهان عليه ، لما أمرها أن تذهب حتى تفطمه وفطمته ، لم تأت وتقول فطمته بل أتت بالولد وفي يده كسرة خبز ، حتى يتيقن النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه .
وفيه أيضا دليل على ما دل عليه الحديث : ( ليس الخبر كالمعاينة ) .
ومن فوائد هذا الحديث دفع الصبي إلى من يحضنه ، ولكن بشرط أن يكون المدفوع إليه ثقة في دينه وأمانته ورعايته ، يعني أن يكون أهلا للحضانة من حيث الأمانة والقوة ، وإلا فلا يدفع إليه .
ومن فوائد هذا الحديث أن ولد الزنا لا يلحق بالزاني ، يعني لو زنا رجل بامرأة وأتت منه بولد فإنه لا يلحق به ولا ينسب إليه ، لأنه وإن كان ولده قدرا فليس ولد شرعا ، وجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل عن الزاني حتى يدفع إليه الولد لكونه أبا له ، بل دفعه إلى رجل من المسلمين .
فإن قال قائل : لو أراد الزاني أن يستلحق الولد وينسبه إليه ولا معارض له ؟، فنقول هذه مسألة لها وجهان :
الوجه الأول : أن يكون له معارض ، والمعارض هو صاحب الفراش ، من زوج أو سيد ، فإذا أراد الزاني أن يستلحق ولد امرأةٍ ذات زوج أو سيد ، ولكن زوجها أو سيدها أبى ذلك ، فلمن يكون الولد ؟ .
للزوج أو السيد ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) .
فإن لم يدّعي زوج أو سيد ، فهل يلحق بالزاني ؟ .
هذا فيه خلاف بين العلماء ، وكذلك لو لم يكن لها زوج أو سيد ، فمن العلماء من قال إن له أن يستلحقه ويكون ولدا له ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) عند النزاع .
وأما إذا لم يكن فراش أو كان ولم ينازع فإنه إذا استلحقه الزاني لحقه ، وعللوا ذلك بأن هذا الولد ولدٌ للزاني قدرا ، أليس كذلك ؟ . يعني من حيث القدر هو ولده لأنه خلق من مائه بلا شك ، فإذا لم ينازع القدرَ الشرعُ عملنا بالقدر ، وقلنا ما دام الرجل استلحقه وليس له أحد أو له من يمكن أن يلحق به ولكن لم يدّعه ، فإن إلحاقه بالزاني خير من كونه لا نسب له ويضيع بين الناس ، وهذا القول ...
المهم أن العلماء اختلفوا في هذا ، في هذه المسألة ، فصار الزاني إذا استلحق الولد فإن كانت المرأة ليس لها زوج ولا سيد ففي لحوقه به خلاف ، والجمهور على أنه لا يلحقه مستدلين بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يلحقه ، وقالوا إن هذا الولد لم يكن على فراش .
وأما إذا كانت ذات فراش المزني بها ، فإن أبى صاحب الفراش أن يلحق بالزاني فهو له ولا إشكال في هذا ، وإن قال صاحب الفراش ليس لي واستلحقه الزاني أتى فيه الخلاف الذي سبق .
والراجح عندي أنه يلحقه نظرا ، ولكننا لا نفتي به ، لأنه يحدث به مشاكل ، ويصير كل إنسان لا يخاف الله إذا اشتهى ولدا زنا بامرأة ثم استلحق الولد ، فلذلك هو نظرا أصح ، ولكن إفتاءً لا ، لا يفتى به ، لأن الإفتاء به يفتح باب شر كبير .
ومن فوائد هذا الحديث أنه يحفر للمرأة عند الرجم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهذه المرأة أن يحفر لها .
ومن فوائد هذا الحديث أنه لا يجوز أن يُسب من أقيم عليه الحد ، لأن هذا فعل مضى ، وجاء مَن فعله تائبا إلى الله عز وجل ، وشرعت الملة القيمة تطهيره بهذا الحد ، فسبه اعتداء فلا يجوز أن يسب .
ومن فوائد هذا الحديث أن المرجوم يصلى عليه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على هذه المرأة .
ومن فوائده عظم المكس ، والمكس هو الضرائب التي تكون على الأموال إذا تاجر بها الناس ، لأن هذا ظلم والعياذ بالله ، إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ) وهذا ما يؤيده القرآن في قول الله تبارك وتعالى : (( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم )) ، ودليل عظم المكس أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ) .
ومن فوائد هذا الحديث أن توبة صاحب المكس صحيحة ، وأنه إذا تاب غفر الله له ، والحديث في هذا صريح ، ولكن كيف يتوب صاحب المكس ؟ .
يتوب بالرجوع إلى الله عز وجل والانتهاء عن المكس ، وما أخذه من المكس إن كان يعرف صاحبه رده عليه ، وإن كان لا يعرفه جعله في بيت المال .
أما الحديث الثاني فهو في امرأة من جهينة أصابها مثل ما أصاب الغامدية ، وهي أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا ، وطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم عليها الحد .
فيستفاد منه جواز إقرار المرأة بالزنا وقبوله وأنه لا يحتاج إلى موافقة الولي ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا وليها وأمره أن يحسن إليها .
ومن فوائده أن المرأة إذا وجب عليها الحد وهي حبلى فإنه لا يقام عليها إذا كان يؤدي إلى الهلاك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجل إقامة الحد على هذه الجهنية حتى تضع .
ومن فوائد الحديث رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته حيث دفع هذه المرأة إلى وليها وأمره أن يحسن إليها .
ومن فوائده أن من تاب من المعصية فإنه يحسن إليه كمن لم يفعلها .
ومن فوائد هذا الحديث أنه يجوز رجم المرأة الحامل بالزنا إذا وضعت وإن لم تفطمه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن ترجم هذه المرأة الجهنية دون أن ينتظر بها إلى أن تفطم الولد ، ولكن هذا فيه تفصيل ، والتفصيل أنه إن وجد من يرضعه أقيم عليها الحد ، وإن لم يوجد فإنه يجب الإنتظار حتى يفطم لئلا يهلك .
ومن فوائد هذا الحديث أنه إذا أريد رجم المرأة فإن ثيابها تلف عليها لئلا تتحرك وتضطرب عند الرجم ويبدو منها ما لا يجوز النظر إليه .
ومن فوائد هذا الحديث جواز الصلاة على من مات بحد لفعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه صلى على هذه المرأة وراجعه فيها عمر بن الخطاب .
ومن فوائد هذا الحديث ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على هذه المرأة التي جادت بنفسها لله ، هي تعلم أنها سترجم ، لكن أقرت بما يقتضي ذلك لله عز وجل .
ومن فوائد هذا الحديث فضل إقرار الإنسان على نفسه بما يوجب الحد وطلب إقامته ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى )، نعم .