فوائد حديث :( إن الحلال بينٌ وإن الحرام بينٌ وبينهما مشتبهاتٌ لا يعلمهن كثيرٌ من الناس ... ). حفظ
الشيخ : أما فوائده ففيه :
أولاً: أنه ينبغي لحامل الخبر أن يؤكده بالمؤكدات التي تقنع السامع، من أين تؤخذ؟
من قوله: ( أهوى النعمان بأصبعيه إلى أذنيه )، ومثل ذلك: حديث أبي شريح الخزاعي حيث قال: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم قام فينا خطيباً الغداة من الفتح -فتح مكة- فحدثنا حديثاً سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به )، كل هذا تأكيد لإيش؟
للسماع، فينبغي للإنسان أن يؤكد خبره بما يفيد تأكده، لاسيما عند الشك فيه إما لغرابته أو لكون المخبر غير ثقة عند السائل فيؤكده بأنواع المؤكدات.
ومن فوائد هذا الحديث: أن المحرمات والمحللات تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
قسم حِله بيِّن، وقسم تحريمه بين، وقسم مشتبه:
أما ما حله بين وتحريمه بين فأمره واضح ، الحلال حلال، والحرام حرام.
وأما المشتبه فما موقف الإنسان منه؟
موقفه: أن يتقيه، لأنه إن فعله فهو بين الإثم والسلامة، وإن تركه سقط عنه احتمال الإثم وتأكد السلامة، ومعلوم أنه إذا تأكد الإنسان السلامة من الإثم فهو خير له.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الناس يختلفون في العلم لقوله: ( لا يعلمهن كثير من الناس ) وهل يختلفون في الفهم؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم، يختلفون في الفهم اختلافاً عظيماً، أما العلم فمعناه الاطلاع على الأدلة الشرعية وعلى أقوال العلماء، وما أشبه ذلك.
وأما الفهم فهو غريزة يجعلها الله عز وجل في الإنسان، وقد تكون مكتسبة فتزيد من التمرن وهذا أمر مشاهد، الإنسان كلما تمرن على تدبر النصوص وتفهمها، ازداد فهماً، وكم من إنسان أخذ من نصٍ واحد عدة مسائل، وآخر لم يأخذ منه إلا مسألة واحدة، ففضل الله يؤتيه من يشاء، وقد سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " هل عهد إليكم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً يؤتيه الله تعالى أحداً في كتابه "، فقال: " إلا فهماً " فدل ذلك على أن الإنسان قد يدرك بفهمه ما لا يدركه غيره.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يحرص على معرفة المشتبه حتى يكون على يقين مِن أمره، فإن دام الاشتباه ولم يصل إلى نتيجة فالورع إيش؟ ترك المشتبه.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يستبرئ لدينه وعِرضه، فلا يقع في المشتبهات، ولا يصاحب مَن يُشتبه فيه، ولا يتعرض لما يُدنس عرضه، لقوله: ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ).
لا يتكل الإنسان على ثقة الناس به، فإن الأعداء كثيرون، قد يكون الإنسان يُحس بنفسه أنه محل ثقة عند الناس في دينه وعلمه وخلقه، لكن كلُّ إنسان له أعداء، ربما يشيع عنه الأعداء ما كان كذباَ فينحط قدره عند الناس، ولهذا يجب على الإنسان أن يستبرئ لدينه وعِرضه حتى يسلم مِن الشر، لا يقول: أبداً الناس لا يظنون بي إلا خيراً، لا، يجب أن يبين، ولقد رأى رجلان من الأنصار رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في الليل ومعه مَن؟
الطالب : صفية .
الشيخ : صفية، فأسرعا خجلاً من الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: ( على رسلكما إنها صفية بنت حيي ، فقالا: سبحان الله! قال لهما: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خَشيت أن يقذف في قلوبكما شراً أو قال شيئاً ) ، مع أننا نعلم علم اليقين أن الصحابيين لا يخطر ببالهما شيء مما يظن، لكن الإنسان يدرأ عن نفسه ما يُبرئ به دينه وعرضه.
ومِن فوائد هذا الحديث: سَدُّ الذرائع، لقوله: ( ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام )، فكل ذريعة توصل إلى محرم فالواجب إيش؟
اجتنابها وسدها.
ومِن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم بضرب الأمثال المحسوسة ليُتوصل بها إلى فهم المعاني المعقولة، تؤخذ من أين ؟ أيها المتكئ على العمود ، المتكئ ؟
الطالب : في ثلاثة .
الشيخ : أنت بين ثلاثة أنت المتكئ تماماً .
الطالب : أنا ؟
الشيخ : إي نعم أنت .
الطالب : الله أعلم .
الشيخ : إي تمام ، هل سرحت؟
الطالب : نعم .
الشيخ : ليش تسرح يا أخي ؟! السرح إنما يكون في أيام الربيع في البر ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، نعم الي جنبه ، الذي تكلم أولاً.
الطالب : تمثيل النبي عليه الصلاة والسلام بالراعي يرعى حول الحمى.
الشيخ : أحسنت ، طيب لتمثيل الرسول عليه الصلاة والسلام هذه المعاني المعقولة وهو أن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، بالراعي، الراعي كلنا يعرف أنه إذا رعى حول الحمى فإنه يوشك أن يقع فيه.
ومِن فوائد الحديث: جواز الحمى في البر، أن يحمي الإنسان لنفسه مكاناً يرعى فيه إبله وغنمه وبقره وما أشبه ذلك ، انتبهوا !!!
الطالب : قلنا يا شيخ ما يصير .
الشيخ : هل يمكن أن يستدل به على ذلك؟ لا، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام مثَّل بأمرٍ واقع، أما هل يجوز أو لا يجوز فهذا شيء آخر يؤخذ من نصوص أخرى، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الأمور الواقعة أحياناً لا لإقرارها ولكن لبيان أنها ستقع، طيب إذن هل يجوز أن يتخذ الإنسان له مكاناً يحميه من المراعي الطيبة أو لا ؟
نقول: أما إذا كان ذلك لخاصة نفسه فهذا لا يجوز، ( لأن الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار )، وأما إذا كان لمصالح المسلمين العامة فلا بأس، لأنه لم يتخذه لنفسه، فإذا قُدر أن هذا الأمير حَمى أرضاً مخصِبة جيدة لإبل الصدقة مثلاً أو لغنم الصدقة أو لبقر الصدقة فهذا ؟
الطالب : جائز .
الشيخ : هذا جائز، ولكن أيضاً بشرط ألا يضر المسلمين الآخرين ، يعني: بأن تكون المراعي واسعة، أما إذا كان يضرهم مثل ألا يوجد في مراعي البلد إلا هذه القطعة، فإنه لا يجوز أن يحميها ولو لإبل المسلمين، وذلك لأن المصالح العامَّة لا يمكن أن تقضيَ قضاءً مبرماً على المصالح الخاصة، لأننا لو قلنا لك أن تحمي إبل الصدقة، أو نحوها، بقيت إبل الناس تموت جوعاً، فإذا كان يضرهم فهو ممنوع حتى وإن كان للمصالح العامة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن حمى الله محارمه، يعني: أن المحارم جعلها الله تعالى بمنزلة الحمى لا تقرب، ولهذا قال العلماء: إذا قال الله تعالى: (( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا )) فالمراد بالحدود؟
الطالب : المحرمات.
الشيخ : المحرمات، وإذا قال: (( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوها )). فالمراد بها: الواجبات، لأن الله عز وجل جعل حدوداً محرمات لحفظ النفوس، وحدودا واجبات لتزكية النفوس، لأن النفوس محتاجة إلى تزكية وحماية.
مِن فوائد هذا الحديث: أنَّ القلب هو المدبِّر للجسد لقوله: ( إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسدَ الجسد كله إلا وهي القلب ).
ومن فوائده: الرد على من قال: إن المراد بالقلب هو العقل الذي محله في الدماغ على زعمه، فنقول: إن الرسول قال: ( في الجسد مضغة ) وهي القلب، وهذا ليس معقولاً، بل هو شيء محسوس، ومن ثَم وقع النزاع بين علماء الشريعة وعلماء الطبيعة والفلسفة هل العقل في الدماغ أو العقل في القلب؟ وطال النزاع مِن قديم الزمان، قال الإمام أحمد: " العقل في القلب وله اتصال في الدماغ "، وهذا هو ما دل عليه القرآن، قال الله تعالى: (( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ )) إيش؟
(( يَعْقِلُونَ بِهَا )) وأين القلوب، هل هي في الدماغ ؟
لا، في الصدور، قال الله تعالى: (( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )): فالقرآن والسنة كلاهما يدل على أن محل العقل وتدبير البدن هو القلب ، وهذا هو الذي دلت عليه النصوص.
فإن قال قائل: أليس الرجل إذا اختلَّ دماغه اختل عقله؟
أجيبوا ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : بلى، لكن لا مانع من أن يكون أصل العقل في القلب، ثم يُصدر الأوامر إلى المخ مِن أجل أن تدبر هذه المملكة العظيمة، لأن جسد الإنسان مملكة عظيمة فيها مِن جميع الآلات، وأظن سامي العَقيلي يعرف أن في بدنه حديداً، في حديد؟ وفي أحجار؟ ما في تراب؟
كل المواد موجودة في البدن، وكل المعادن موجودة في البدن، ولهذا قال الله تعالى: (( وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ )) : هذه الدولة في الوقاع الجسد دولة لابد للمَلِك الذي يدبره من جنود، فالمدبر الملك هو القلب، والجنود الدماغ والأعضاء، وما أشبه ذلك، فأقرب ما يقال في تصور المسألة أن أصل التدبير في القلب والمخ مساعد.
طيب فإذا قال الإنسان: التصور الآن ، المعروف أن التصور يكون في الرأس يكاد الإنسان يلمسه لمساً !!؟
فيقال: نعم، سكرتير الملك يعمل المعاملات ويمحِّصها ويدققها، ثم يبعث بها إلى الملك مِن أجل التوقيع فيوقع، ومن ينفذ؟
الجنود، فالمسألة تصورها في المحسوس أمر ظاهر.
ونحن وإن لم ندرك الشيء بتصويره في الأمر الظاهر المحسوس يكفينا قول الله ورسوله: (( فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا )) ، (( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور ِ)).
وحدثنا شيخنا عبد الرحمن السعدي أنه في معركة الخلاف بين الناس كان فيه أحد المعتزلة أظنه قال: إنَّ العقل في القلب، وخصومه يقولون: العقل في الدماغ، المهم: أنه قُضي عليه بالإعدام، فقال: إذا قصصتم رأسي إن كان عقلي في قلبي فأنا سأشير بأصبعي، وإن كان في رأسي فلا أستطيع ، ليش ؟
لأن الرأس راح، فلما قطع رأسه أشار بأصبعه مما يدلُ على أن العقل في القلب. والله أعلم .
السائل : شيخ الأسئلة !
الشيخ : والله ما في ، أخاف أننا قلنا قضاء .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم :
نقل الصنف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تعس عبد الدينار، والدرهم، والقطيفة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض ) أخرجه البخاري.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( أخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمنكبيَّ، فقال: كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل.
وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك ) أخرجه البخاري " :
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
سبق لنا الكلام على حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه وهو حديث عظيم كما أسلفنا ، وقد تكلم عليه ابن رجب -رحمه الله- *في شرح الأربعين النووية كلاماً ينبغي لكل طالب علم أن يقرأه ، وهممت أن آتي به هنا ليُقرأ حتى نستفيد من الفوائد الجمة التي لا تكاد تجدها في غيره لكن خفت أن يعيقنا من التقدم ولعلنا إن شاء الله لنا عودة إليه فيما بعد.
أولاً: أنه ينبغي لحامل الخبر أن يؤكده بالمؤكدات التي تقنع السامع، من أين تؤخذ؟
من قوله: ( أهوى النعمان بأصبعيه إلى أذنيه )، ومثل ذلك: حديث أبي شريح الخزاعي حيث قال: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم قام فينا خطيباً الغداة من الفتح -فتح مكة- فحدثنا حديثاً سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به )، كل هذا تأكيد لإيش؟
للسماع، فينبغي للإنسان أن يؤكد خبره بما يفيد تأكده، لاسيما عند الشك فيه إما لغرابته أو لكون المخبر غير ثقة عند السائل فيؤكده بأنواع المؤكدات.
ومن فوائد هذا الحديث: أن المحرمات والمحللات تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
قسم حِله بيِّن، وقسم تحريمه بين، وقسم مشتبه:
أما ما حله بين وتحريمه بين فأمره واضح ، الحلال حلال، والحرام حرام.
وأما المشتبه فما موقف الإنسان منه؟
موقفه: أن يتقيه، لأنه إن فعله فهو بين الإثم والسلامة، وإن تركه سقط عنه احتمال الإثم وتأكد السلامة، ومعلوم أنه إذا تأكد الإنسان السلامة من الإثم فهو خير له.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الناس يختلفون في العلم لقوله: ( لا يعلمهن كثير من الناس ) وهل يختلفون في الفهم؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم، يختلفون في الفهم اختلافاً عظيماً، أما العلم فمعناه الاطلاع على الأدلة الشرعية وعلى أقوال العلماء، وما أشبه ذلك.
وأما الفهم فهو غريزة يجعلها الله عز وجل في الإنسان، وقد تكون مكتسبة فتزيد من التمرن وهذا أمر مشاهد، الإنسان كلما تمرن على تدبر النصوص وتفهمها، ازداد فهماً، وكم من إنسان أخذ من نصٍ واحد عدة مسائل، وآخر لم يأخذ منه إلا مسألة واحدة، ففضل الله يؤتيه من يشاء، وقد سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " هل عهد إليكم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً يؤتيه الله تعالى أحداً في كتابه "، فقال: " إلا فهماً " فدل ذلك على أن الإنسان قد يدرك بفهمه ما لا يدركه غيره.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يحرص على معرفة المشتبه حتى يكون على يقين مِن أمره، فإن دام الاشتباه ولم يصل إلى نتيجة فالورع إيش؟ ترك المشتبه.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يستبرئ لدينه وعِرضه، فلا يقع في المشتبهات، ولا يصاحب مَن يُشتبه فيه، ولا يتعرض لما يُدنس عرضه، لقوله: ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ).
لا يتكل الإنسان على ثقة الناس به، فإن الأعداء كثيرون، قد يكون الإنسان يُحس بنفسه أنه محل ثقة عند الناس في دينه وعلمه وخلقه، لكن كلُّ إنسان له أعداء، ربما يشيع عنه الأعداء ما كان كذباَ فينحط قدره عند الناس، ولهذا يجب على الإنسان أن يستبرئ لدينه وعِرضه حتى يسلم مِن الشر، لا يقول: أبداً الناس لا يظنون بي إلا خيراً، لا، يجب أن يبين، ولقد رأى رجلان من الأنصار رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في الليل ومعه مَن؟
الطالب : صفية .
الشيخ : صفية، فأسرعا خجلاً من الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: ( على رسلكما إنها صفية بنت حيي ، فقالا: سبحان الله! قال لهما: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خَشيت أن يقذف في قلوبكما شراً أو قال شيئاً ) ، مع أننا نعلم علم اليقين أن الصحابيين لا يخطر ببالهما شيء مما يظن، لكن الإنسان يدرأ عن نفسه ما يُبرئ به دينه وعرضه.
ومِن فوائد هذا الحديث: سَدُّ الذرائع، لقوله: ( ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام )، فكل ذريعة توصل إلى محرم فالواجب إيش؟
اجتنابها وسدها.
ومِن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم بضرب الأمثال المحسوسة ليُتوصل بها إلى فهم المعاني المعقولة، تؤخذ من أين ؟ أيها المتكئ على العمود ، المتكئ ؟
الطالب : في ثلاثة .
الشيخ : أنت بين ثلاثة أنت المتكئ تماماً .
الطالب : أنا ؟
الشيخ : إي نعم أنت .
الطالب : الله أعلم .
الشيخ : إي تمام ، هل سرحت؟
الطالب : نعم .
الشيخ : ليش تسرح يا أخي ؟! السرح إنما يكون في أيام الربيع في البر ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، نعم الي جنبه ، الذي تكلم أولاً.
الطالب : تمثيل النبي عليه الصلاة والسلام بالراعي يرعى حول الحمى.
الشيخ : أحسنت ، طيب لتمثيل الرسول عليه الصلاة والسلام هذه المعاني المعقولة وهو أن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، بالراعي، الراعي كلنا يعرف أنه إذا رعى حول الحمى فإنه يوشك أن يقع فيه.
ومِن فوائد الحديث: جواز الحمى في البر، أن يحمي الإنسان لنفسه مكاناً يرعى فيه إبله وغنمه وبقره وما أشبه ذلك ، انتبهوا !!!
الطالب : قلنا يا شيخ ما يصير .
الشيخ : هل يمكن أن يستدل به على ذلك؟ لا، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام مثَّل بأمرٍ واقع، أما هل يجوز أو لا يجوز فهذا شيء آخر يؤخذ من نصوص أخرى، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الأمور الواقعة أحياناً لا لإقرارها ولكن لبيان أنها ستقع، طيب إذن هل يجوز أن يتخذ الإنسان له مكاناً يحميه من المراعي الطيبة أو لا ؟
نقول: أما إذا كان ذلك لخاصة نفسه فهذا لا يجوز، ( لأن الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار )، وأما إذا كان لمصالح المسلمين العامة فلا بأس، لأنه لم يتخذه لنفسه، فإذا قُدر أن هذا الأمير حَمى أرضاً مخصِبة جيدة لإبل الصدقة مثلاً أو لغنم الصدقة أو لبقر الصدقة فهذا ؟
الطالب : جائز .
الشيخ : هذا جائز، ولكن أيضاً بشرط ألا يضر المسلمين الآخرين ، يعني: بأن تكون المراعي واسعة، أما إذا كان يضرهم مثل ألا يوجد في مراعي البلد إلا هذه القطعة، فإنه لا يجوز أن يحميها ولو لإبل المسلمين، وذلك لأن المصالح العامَّة لا يمكن أن تقضيَ قضاءً مبرماً على المصالح الخاصة، لأننا لو قلنا لك أن تحمي إبل الصدقة، أو نحوها، بقيت إبل الناس تموت جوعاً، فإذا كان يضرهم فهو ممنوع حتى وإن كان للمصالح العامة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن حمى الله محارمه، يعني: أن المحارم جعلها الله تعالى بمنزلة الحمى لا تقرب، ولهذا قال العلماء: إذا قال الله تعالى: (( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا )) فالمراد بالحدود؟
الطالب : المحرمات.
الشيخ : المحرمات، وإذا قال: (( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوها )). فالمراد بها: الواجبات، لأن الله عز وجل جعل حدوداً محرمات لحفظ النفوس، وحدودا واجبات لتزكية النفوس، لأن النفوس محتاجة إلى تزكية وحماية.
مِن فوائد هذا الحديث: أنَّ القلب هو المدبِّر للجسد لقوله: ( إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسدَ الجسد كله إلا وهي القلب ).
ومن فوائده: الرد على من قال: إن المراد بالقلب هو العقل الذي محله في الدماغ على زعمه، فنقول: إن الرسول قال: ( في الجسد مضغة ) وهي القلب، وهذا ليس معقولاً، بل هو شيء محسوس، ومن ثَم وقع النزاع بين علماء الشريعة وعلماء الطبيعة والفلسفة هل العقل في الدماغ أو العقل في القلب؟ وطال النزاع مِن قديم الزمان، قال الإمام أحمد: " العقل في القلب وله اتصال في الدماغ "، وهذا هو ما دل عليه القرآن، قال الله تعالى: (( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ )) إيش؟
(( يَعْقِلُونَ بِهَا )) وأين القلوب، هل هي في الدماغ ؟
لا، في الصدور، قال الله تعالى: (( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )): فالقرآن والسنة كلاهما يدل على أن محل العقل وتدبير البدن هو القلب ، وهذا هو الذي دلت عليه النصوص.
فإن قال قائل: أليس الرجل إذا اختلَّ دماغه اختل عقله؟
أجيبوا ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : بلى، لكن لا مانع من أن يكون أصل العقل في القلب، ثم يُصدر الأوامر إلى المخ مِن أجل أن تدبر هذه المملكة العظيمة، لأن جسد الإنسان مملكة عظيمة فيها مِن جميع الآلات، وأظن سامي العَقيلي يعرف أن في بدنه حديداً، في حديد؟ وفي أحجار؟ ما في تراب؟
كل المواد موجودة في البدن، وكل المعادن موجودة في البدن، ولهذا قال الله تعالى: (( وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ )) : هذه الدولة في الوقاع الجسد دولة لابد للمَلِك الذي يدبره من جنود، فالمدبر الملك هو القلب، والجنود الدماغ والأعضاء، وما أشبه ذلك، فأقرب ما يقال في تصور المسألة أن أصل التدبير في القلب والمخ مساعد.
طيب فإذا قال الإنسان: التصور الآن ، المعروف أن التصور يكون في الرأس يكاد الإنسان يلمسه لمساً !!؟
فيقال: نعم، سكرتير الملك يعمل المعاملات ويمحِّصها ويدققها، ثم يبعث بها إلى الملك مِن أجل التوقيع فيوقع، ومن ينفذ؟
الجنود، فالمسألة تصورها في المحسوس أمر ظاهر.
ونحن وإن لم ندرك الشيء بتصويره في الأمر الظاهر المحسوس يكفينا قول الله ورسوله: (( فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا )) ، (( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور ِ)).
وحدثنا شيخنا عبد الرحمن السعدي أنه في معركة الخلاف بين الناس كان فيه أحد المعتزلة أظنه قال: إنَّ العقل في القلب، وخصومه يقولون: العقل في الدماغ، المهم: أنه قُضي عليه بالإعدام، فقال: إذا قصصتم رأسي إن كان عقلي في قلبي فأنا سأشير بأصبعي، وإن كان في رأسي فلا أستطيع ، ليش ؟
لأن الرأس راح، فلما قطع رأسه أشار بأصبعه مما يدلُ على أن العقل في القلب. والله أعلم .
السائل : شيخ الأسئلة !
الشيخ : والله ما في ، أخاف أننا قلنا قضاء .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم :
نقل الصنف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تعس عبد الدينار، والدرهم، والقطيفة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض ) أخرجه البخاري.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( أخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمنكبيَّ، فقال: كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل.
وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك ) أخرجه البخاري " :
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
سبق لنا الكلام على حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه وهو حديث عظيم كما أسلفنا ، وقد تكلم عليه ابن رجب -رحمه الله- *في شرح الأربعين النووية كلاماً ينبغي لكل طالب علم أن يقرأه ، وهممت أن آتي به هنا ليُقرأ حتى نستفيد من الفوائد الجمة التي لا تكاد تجدها في غيره لكن خفت أن يعيقنا من التقدم ولعلنا إن شاء الله لنا عودة إليه فيما بعد.