فوائد حديث : ( أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج ... ). حفظ
الشيخ : أما ما يتعلق بالفوائد :
فهو أولاً : قوله : ( أن امرأة من جهينة ) : هذه مجهولة ولكن جهالتها لا تضر لأن ذلك لا يؤثر في الحكم شيئا ، فإن المرأة التي جاءت تستفتي سواء كانت كبيرة أم صغيرة وطويلة أم قصيرة ما يهم .
ومن وفوائده أيضا، من فوائد الحديث : أن صوت المرأة ليس بعورة ، لأنها جاءت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يسمعون .
ومن فوائد الحديث : جواز النذر ، وجه الدلالة ؟
الطالب : اقضوا الله !
الشيخ : لكن قد يقول قائل : الرسول عليه الصلاة والسلام ما أقر الناذرة ، تخبر عن امرأة نذرت ، فلو أنها قالت : إني نذرت لكنا نقول : إن في الحديث دليل على جواز النذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليها ، لكن هي تخبر عن فعل غيرها وأيضا هذا الغير قد مات ، فكيف ينهى ؟
فالجواب عن ذلك : أن ترتيب الحكم على هذا قد يشعر بالجواز ، لأن هذه السائلة سوف تفهم إذا لم يقل الرسول عليه الصلاة والسلام : لماذا نذرت سوف تفهم أن النذر جائز ، ولكن نقول : هذا الحديث وإن دل على جواز النذر والدلالة كما ترون ليست بالواضحة ، فإن هناك أدلةً صريحة بالنهي عن النذر ، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه نهى عن النذر وقال: إنه لا يأت بخير ) .
ومعلوم من القواعد التي تمرّنا كثيرا أن ما كان محكما لا اشتباه فيه فهو قاض على المشتبه فنقول هنا إن النذر مكروه ونأخذه من دليل آخر غير هذا الحديث .
طيب ومن فوائد الحديث : أن الإنسان إذا نذر الحج لزمه ، وجه الدلالة تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم له بالدَين ، والدَين يجب على المرء قضاؤه .
ومن فوائد الحديث : وهو محل تأمل بيننا : أن من نذر الحج ومات قبل زمنه لزم قضاؤه عنه ، ها ؟ نعم ؟
الطالب : معلق ، نذر معلق !
الشيخ : لا لا هي نذرت أن تحج ما فيه نذرت أن تحج رأسًا ما فيه تعليق ، فهل نقول : إن الإنسان إذا نذر الحج ومات قبل إدراك زمنه يسقط عنه لأنه ما فرّط ، لم يفرّط ، أو نقول : لما ألزم نفسه بذلك لزمه ؟
الحديث في الواقع يحتمل هذا وهذا ، ولكن الذي تقتضيه الأدلة الأخرى أنه إذا مات قبل إدراك زمنه فلا شيء عليه ، وذلك لأنه وإن لم يشترطه بلفظه فقد اشترطه بحاله ، فإن الرجل مثلا إذا قال في رجب : لله علي نذر أن أحج معلوم إنه متى يكون هذا الحج؟ في ذي الحجة ، لا يمكن أن يكون المراد أن يحج في رجب ، وكأنه قال : إذا جاء شهر ذي الحجة فلله علي نذر أن أحج ، فيكون هذا المعلوم كالمشروط ، وعليه فنقول : إن الإنسان إذا نذر زمنا معينا ومات قبل إدراكه فإنه لا شيء عليه ، واضح ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : سواء كان معين بالتعيين بالزمن مثل أن يقول : لله علي نذر أن أصوم الشهر الفلاني فيموت قبل إدراكه ، أو يقول : أن أحج فيموت قبل زمن الحج فهذا لا يجب عليه .
طيب ومن فوائد الحديث : أنه لا يجب قضاء النذر على الفور !
الطالب : ... لأنه يقيد .
الشيخ : إي ، نقول : لأن هذا السؤال نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت فيه احتمال أنه قد مر عليها زمن الحج فلم تحج ، وفي احتمال أنه لم يمر ، فعلى الاحتمال الأول قد يكون فيه دليل على أن النذر لا يجب على الفور ، وأما الاحتمال الثاني فليس فيه دليل ، ولكن نقول : إن حكم هذه المسألة أن النذر يجب قضاؤه على الفور ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) : والفاء رابطة للجواب ، والجواب مرتبط بالشرط ، والأصل في الواجبات كلها أن تفعل على الفور .
فالصحيح أن النذر يجب قضاؤه على الفور ما لم يقيَّد، فإن قُيد فعلى ما قُيد به.
ومن فوائد الحديث : حرص الصحابة رضي الله عنهم على السؤال ، لأن هذه المرأة جاءت تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الطالب : شيخ !
الشيخ : نعم ؟
الطالب : فيه فائدة !
الشيخ : ما هو ؟ بعد ما جاء وقت الفوائد ما كملناه .
ومن فوائد الحديث : أنه يجوز أن يعاد السؤال مع الحرف المفيد له ، المفيد للجواب ، لقوله : ( نعم حجي عنها ) .
طيب ومن فوائد الحديث : إثبات القياس ، حيث قاس النبي صلى الله عليه وسلم نذرها على الدين الذي يقضى .
ومنها حُسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك بضرب المثل ، المثل بحيث يبيّن المعقول بالمحسوس .
ومن الفوائد : أنه ينبغي للإنسان أن يسلك هذا المسلك في تعليم الناس ، لأن من الناس من لا يستطيع أن يفهم المعنى إلا بضرب المثل .
ومنها : أن لله تعالى على خلقه واجبًا لقوله : ( اقضوا الله ) ، ولا شك أن لله على خلقه واجباً ، ( حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا ) ، أن يعبدوه لابد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا .
طيب ومن فوائد الحديث : أنه إذا تزاحم حق الله وحق الآدمي قُدّم حق لله لقوله : ( فالله أحق بالوفاء ) .
وأحق : اسم تفضيل ، ولكن قد ينازع في هذا الحكم والاستدلال له ، أما في الحكم فينازع بأن يقال : كيف نقدّم حق الله على حق الآدمي ، والمعروف أن حق الآدمي مبني على المشاحَّة وعدم السماح والعفو ، وحق الله سبحانه وتعالى مبني على العفو والمسامحة ، فكيف نقول: إن حق الله أولى أن يقضى ؟!كذا ؟
وأما المنازعة في الاستدلال فنقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذا من باب قياس الأولى ، بمعنى أنه إذا جاز هذا فهذا أولى يعني إذا جاز وفاء دين المخلوق فوفاء دين الله من باب أولى ، وهذا لا يقتضي أنهما إذا اجتمعا قدّم حق الله !!
واضح ؟
فإن قلت: كيف يمكن اجتماعهما ؟
فالجواب : يمكن ، هذا رجل توفي وخلّف ألف درهم وكان عليه لزيد ألف دينا وعليه لله ألف زكاة ، كم الذي عليه ؟
الطالب : ألفان .
الشيخ : ألفان ، والرجل خلّف ألفا ، إن قضينا دين الآدمي أهملنا الزكاة ، وإن قضينا الزكاة أهملنا دين الآدمي ، فماذا نصنع ؟
نقول يتحاصان بالسوية ، وكيفية المحاصة أن نقول : أنسب الموجود إلى المطلوب ، كم الموجود ؟
ألف ، والمطلوب ألفان ، صح نسبة الألف إلى الألفين النصف فنعطي الزكاة خمسمئة ودين الآدمي خمسمئة .
طيب فإن أسقط الآدمي حقه ؟
الطالب : تكون للزكاة .
الشيخ : تكون للزكاة ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : ولا يقول الورثة : لنا نحن ؟
الطالب : لا.
الشيخ : ها؟
الطالب : الدين مقدم .
الشيخ : نقول : إذا أسقطه صار للزكاة ، أما إذا أخذه ثم أعطاه الورثة فهو للورثة ، أو إذا قال : تنازلت عنه للورثة ، فإنه يكون للورثة ، أما إذا قال : تنازلت عنه فمعناه أنه أبرأ الميت منه ويكون للزكاة ، هذا هو الظاهر ، لأن الاشتراك هنا اشتراك تزاحم ، انتبهوا الاشتراك هنا اشتراك تزاحم يعني : اشتراك الزكاة وصاحب الحق بالألف اشتراك تزاحم ، فإذا زال الزحام بقي الثاني منفردا ولا قد يقول قائل :
إن المال قد انتقل إلى الورثة فإذا انتقل للورثة صار لهم الألف ثم توفى الزكاة خمسمئة لأنه نصيبها ، وإذا أسقط الطالب حقه رجع للورثة لكن نقول : لا هذا من باب اشتراك التزاحم فإذا زال الزحام ثبت للواحد ، نعم ؟