شرح قرة عيون الموحدين-52
الشيخ صالح الفوزان
قرة عيون الموحدين
الحجم ( 4.46 ميغابايت )
التنزيل ( 693 )
الإستماع ( 120 )


8 - " قال في - البدائع - : السلام اسم مصدر، وهو من ألفاظ الدعاء، يتضمن الإنشاء والإخبار ، فجهة الخبرية فيه لا تناقض الجهة الإنشائية، وهو معنى السلام المطلوب عند التحية ، وفيه قولان مشهوران : الأول : أن السلام هنا هو الله عز وجل، ومعنى الكلام : نزلت ببركته عليكم، ونحو هذا، فاختار في هذا المعنى من أسمائه عز وجل اسم السلام دون غيره من الأسماء . الثاني : أن السلام مصدر السلامة، وهو المطلوب المدعو به عند التحية ، ومن حجة أصحاب هذا القول : أنه يأتي منكرا فيقول المسلم : سلام عليكم، ولو كان اسما من أسماء الله تعالى لم يستعمل كذا . ومن حجتهم : أنه ليس المقصود من السلام هذا المعنى، وإنما المقصود منه الإيذان بالسلامة خبرا أو دعاء " أستمع حفظ

9 - " قال ابن القيم رحمه الله تعالى : وفصل الخطاب أن يقال : الحق في مجموع القولين ، فكل منهما معه بعض الحق، والصواب في مجموعهما، وإنما يتبين ذلك بقاعدة ، وهي : أن حق من دعا الله بأسمائه الحسنى أن يتوسل في كل مطلب ويسأل بالاسم المقتضي لذلك المطلوب المناسب لحصوله ، حتى إن الداعي متشفع إلى الله تعالى، متوسل به إليه، فإذا قال : رب اغفر لي وتب علي إنك التواب الغفور فقد سأله بأمرين، وتوسل إليه باسمين من أسمائه، مقتضيين لحصول مطلوبه . فالمقام لما كان مقام طلب السلامة - التي هي أهم عند الرجل - أتى في لفظها بصيغة اسم من أسماء الله، وهو السلام الذي تطلب منه السلامة، وهو مقصود المسلم، فقد تضمن (( سلام عليكم )) اسما من أسماء الله تعالى، وطلب السلامة منه، فتأمل هذه القاعدة " أستمع حفظ

10 - " وحقيقته : البراءة والخلاص والنجاة من الشر والعيوب، وعلى هذا المعنى تدور تصاريفه، فمن ذلك قولك : سلمك الله، ومنه : دعاء المؤمنين على الصراط : اللهم سلم سلم . ومنه : سلم الشيء لفلان، أي : خلص له وحده ، كما قال تعالى (( ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجلٍ)) أي : خالصا له وحده، لا يملكه معه غيره . ومنه : السلم ضد الحرب ، لأن كل واحد من المتحاربين يخلص ويسلم من أذى الآخر، ولهذا بني فيه على المفاعلة، فيقال : المسالمة، مثل المشاركة . ومنه : القلب السليم، وهو النقي من الدغل والعيب، وحقيقته : الذي قد سلم لله وحده، فخلص من دغل الشرك وغله، ودغل الذنوب والمخالفات، بل هو المستقيم على صدق حبه وحسن معاملته وهذا هو الذي ضمن له النجاة من عذابه، والفوز بكرامته . ومنه أخذ الإسلام، فإنه من هذه المادة ، لأنه الاستسلام والانقياد له، والتخلص من شوائب الشرك فسلم لربه وخلص له، كالعبد الذي سلم لمولاه، ليس له فيه شركاء متشاكسون . ولهذا ضرب سبحانه هذين المثلين للمسلم الخالص لربه، وللمشرك به " أستمع حفظ

20 - " قوله : ( لا يقل أحدكم : اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإن الله لا مكره له ) : بخلاف العبد، فإنه قد يعطي السائل مسألته لحاجته إليه، أو لخوفه أو رجائه، فيعطيه مسألته وهو كاره . فاللائق بالسائل للمخلوق أن يعلق حصول مسألته على مشيئة المسؤول، مخافة أن يعطيه وهو كاره، بخلاف رب العالمين ، فإنه يعطي عبده ما أراده بفضله وكرمه وإحسانه " فالأدب مع الله : أن لا يعلق مسألته لربه بشيء ، لسعة فضله وإحسانه، وجوده وكرمه " أستمع حفظ

30 - " باب لا يقال : عبدي وأمتي : في - الصحيح - عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يقل أحدكم : أطعم ربك، وضئ ربك، وليقل : سيدي، ومولاي . ولا يقل أحدكم : عبدي وأمتي، وليقل : فتاي، وفتاتي، وغلامي ) . هذه الألفاظ المنهي عنها، وإن كانت تطلق لغة، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها تحقيقا للتوحيد وسدا لذرائع الشرك ، لما فيها من التشريك في اللفظ ، لأن الله هو رب العباد جميعهم، فإذا أطلق على غيره ما يطلق عليه تعالى وقع الشبه في اللفظ . فينبغي أن يجتنب هذا اللفظ في حق المخلوق من ذلك، فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى ما يقوم مقام هذا اللفظ، وهو قوله : ( سيدي ومولاي ) وكذلك قوله : ( ولا يقل أحدكم : عبدي وأمتي ) لأن العبيد عبيد الله، والإماء إماء الله ، قال تعالى (( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً )) الآية " أستمع حفظ