شرح حديث حذيفة ابن اليمان في الفتن ( كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير و كنت أسأله على الشر مخافة أن يدركني .... ) . حفظ
الشيخ : وإن مما يحسن التنبيه عليه إلحاقا بما سبق الكلام فيه حول التكتل الحزبي والعمل السياسي أن الذين يقررون التكتلات والتحزبات القائمة اليوم في المجتمع الإسلامي أنهم جميعا لا يدندنون لا من قريب ولا من بعيد حول الحديث الصحيح باتفاق العلماء ألا وهو حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه الذي جاء في صحيح البخاري وصحيح مسلم من قوله : ( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت : يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم ، قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير .؟ قال : نعم وفيه دخن ، قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يهدون بغير هدي تعرف منهم وتنكر ، قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ، قلت : يا رسول الله صفهم لنا ، قال : هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ) .
أقول فإن في هذا الحديث تصريحا واضحا جدا يتعلق بواقع المسلمين اليوم ، حيث أنه ليس لهم جماعة قائمة ولهم إمام مبايع ، وإنما هناك كما ذكرت آنفا أحزاب مختلفة اختلافات فكريا ونظريا أيضا ، ففي هذا الحديث أن المسلم إذا أدرك مثل هذا الوضع فعليه حينذاك أن لا يتحزب ، وأن لا يتكتل مع أي جماعة أو مع أي فرقة مادام أنه لم توجد الجماعة التي عليها إمام مبايع من المسلمين .
ولذلك فقد نص بعض المحدثين والحفاظ المتقدمين على ما يؤكد هذا الذي يدل عليه هذا الحديث وعلى ما بينته سابقا ، كما نقل الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في شرحه لهذا الحديث عن الإمام الطبري رحمه الله أنه قال : " وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحدا في الفرقة ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر " .
فحينئذ يجب على السلفيين عامة أن يظلوا على دعوتهم في تفهم الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح يدعون كل الجماعات وكل الأحزاب إلى دعوتهم الحق هذه ، ولا يتحزبون هم كحزب ، ولا يقررون الأحزاب الأخرى ، كما قد قرأنا من بعض السلفيين أنهم يقررون هذه التكتلات وهذه التحزبات خلافا لحديث حذيفة هذا المذكور آنفا ، ونحن حينما نقرر هذا الحقيقة نعتقد جازمين أن الذي ذكرناه آنفا شيء ، وأننا لا نضلل ولا نكفر أي حزب أو أي جماعة يخالفوننا في بعض المسائل الفكرية أو في منهجنا في الدعوة ، فذلك لأننا نريد أن ينضم كل المسلمين إلى هذه الدعوة الحق التي لا بديل لها ، لأنه هو الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وسار عليه المسلمون طيلة هذه القرون التي مضت ، ولذلك فنحن نقول :
" وكل خير في إتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف "
لا نريد لإخواننا السلفيين أن ينسوا خطهم المستقيم الذي كانوا يمشون عليه من قديم الزمان متأثرين بالحزبيات الأخرى ، فنحن فوق الحزبيات ، والله عزوجل معنا مادمنا مع كتابه وحديث نبيه صلى الله عليه وآله وسلم .