تتمة فوائد قوله تعالى : (( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين )) . حفظ
حيث حصَر الوحي بالتوحيد (( يُوحَى إلي أنما إلهكم )) مع أنه يوحى إليه أشياء أخرى كالصلاة والزكاة وغير ذلك، لكن لَمَّا كان أهمَّ ما جاء به صلى الله عليه وسلم التوحِيد حُصِر الوحي به (( أنما إلهكم إله واحد )) وإني أقول لكم: متى حقَّقَ الإنسان التوحيد فلا بدَّ أن يقوم بشرائع الإسلام عرفتم؟ لأنه إذا وحَّدَ الله بالقصد وجعله هو حياتَه فلا بد أن يتَّجِهَ إليه وفيما يتجِهُ إليه؟ بالطريق الذي شرعَه موصلًا إليه ولهذا نقول: إن حديث عِتبان: ( إنَّ الله حرَّمَ على النار مَن قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) هو على ظاهرِه فمَن قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله فإنه محرَّم على النار ومقتَضَى تحريمه على النار ألَّا يعمَلَ كبيرة تُوجِب دخولَه النار أو تقتضي دخوله النار، كلُّ مَن قال لا إله إلا الله يبتغي وجهَ الله فلن يعملَ ما يُغضِبُ الله، كيف ترِيد وجهَه ثم تعمل ما يغضِبُه؟ هل عمَلُ ما يغضِبُه يصدُّك عن الوصول إلى وجهه أو لا؟ نعم يصُدُّك، إذا كان يصدُّك وأنت تبتغي وجهَه فلا بد أن تعدِل عنه إما بالانكفاف مطلقًا وإمَّا بالتوبة منه إن وقعْتَ فيه، انتبهوا لهذه النقطة، لأن بعض الناس يقول لنا: أنتم تكَفِّرُون تارك الصلاة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله حرم على النار مَن قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجهَ الله ) ولم يذكر الصلاة قلنا له: بل ذكَرَ الصلاة وذكر ما دون الصلاة أيضًا، في أي شيء؟ في قوله: ( يبتغي بذلك وجه الله ) ونحن نقول لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن يكون رجل يقول: لا إله إلا الله يبتغِي بذلك وجهَ الله أن يحافِظَ على ترك الصلاة أبدًا، مَن حاول أن يجمَعَ بين ذلك وبين ترك الصلاة فقد حاول أن يجمع بين الماء والنار، وهذا أمر ظاهِر، الآن ولله المثل الأعلى سأضرِب لكم مثلًا لو كنت تريد أن تصِل إلى شخص من الناس وتسعى بكل وسيلة أن تصِلَ إليه هل تفعل ما يحُول بينك وبين الوصول إليه من معصيته؟ أبدًا بل تنظُر ماذا يحِبّ فتفعلُه مِن أجل أن تصِل إليه ومِن أجل أن يكون مُستقبِلًا لك بالترحيب، أما تقول: والله أنا أحب فلانا أحبّ أن أصِلَ إليه وفلان يقول لا تمشِ مع هذا الطريق فتقول: والله أنا أحِبُّ هذا الرجل وهذا الطريق ما شاء الله ماشٍ معه الطريق المخالف، ويقول مثلًا: إذا أردت أن تأتي إليه ايته مع الطريق الأيمن قلت: والله أنا أحِب فلان وأحب الوصول إليه بسم الله مع أي طريق؟ مع الطريق الأيسر وماشي مع الطريق الأيسر وأنت تقول: والله إني أحب هذا وأعظِّمُه وهو أحبُّ إلي من نفسي هذا صدق ولَّا كذب؟ كذِب لا شك إذًا كلُّ مَن قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله فإنه سوف يتحَاشى المعاصيَ ولو صغيرة، ولهذا جاء حصرُ الوحي في هذه الآية بايش؟ بالتوحيد (( يُوحَى إلي أنما إلهكم إله واحد )) وهو الله عز وجل.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة وجوبُ الإخلاص لله والاستقامة على دينه
الطالب: الإخلاص من قوله تعالى: (( إلهٌ واحد )) والاستقامة (( فاستقيموا ))
الشيخ : لا لا (( استقِيمُوا إليه )) (استقِيمُوا) هذا العمل و(إليه) الإخلاص.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة تهديد المشركين لقوله: (( وويلٌ للمشركين )) وهذا النوع من التهديد يكون فيما هو شرك ويكون فيما هو دون ذلك فقد قال الله تعالى: (( ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون )) وهؤلاء ليسوا بمشركين يعني أنَّ عملَهم هذا لا يوصِل إلى الشرك وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ويلٌ لمن حدَّث فكذَب لِيُضْحِكَ به القوم ويلٌ له ثم ويلٌ له ) وهذا أيضًا ليس من الشرك، وعلى هذا فلا يقال: إنَّ كل وعيدٍ كان بهذه الكلمة يفِيد أنَّ الفعل شرك بل قد يكون شركًا أو ما دونه.
ومن فوائد الآية الكريمة أنَّ التوحيد تزكِيَةٌ للنفس لقوله: (( الذين لا يؤتون الزَّكَاة )) ولا شكَّ أنَّ التوحيد تزكية للنفس، لأنك تقطَعُ العلائق مع غير الله إلَّا فيما يُحِبُّ الله، الموَحِّد حقيقة قلبُه دائمًا مع الله عز وجل دائمًا يتقلَّب في قضائِه الكوني راضيًا به كما يتقلَّب في قضائِه الشرعِي راضيًا به، ولهذا تجدُه إذا أصابَتْه سرَّاء شكر ولم يبطَر، وإذا أصابته ضراء صبَر ولم يتسَخَّط، فهو دائمًا مع الله يقول لنفسه: أنا عبدُ الله يفعلُ بي ما شاء، أنا عبد الله إن أصابَني بالسراء شكرْت فكان خيرًا لي وإن أصابني بالضراء صبرت فكان خيرًا لي، أنا عبد الله لا يمكن أن أعارِضَ قضاءَ الله يقضِي علي اليوم بالسرور فأُسَرّ وغدًا بالسوء فأسْتَاء ويمشي مع الله مع قضائِه وقدرِه، وهذا هو الذي يجد الراحةَ تمامًا، ولهذا مِن ثمرات الإيمان بالقدر أنَّ الإنسان يكون دائمًا مطمئِنًّا ليس فيه قلق ولا حزن وإن كان ربما في الصدمة الأولى يجِد الإنسان الُحزْن لكن بالتصبير تصبيرِ نفسه ومشاهدَة القدر يسهُل عليه الأمر، وإلا فمن المعلوم أنَّ الإنسان ليس حديدًا أو حجارَة لا يتأَثَّر لكنه عندما يُصَبِّر نفسه ويُحَمِّلُها يصبِر فيطمئن، فالمهم أنَّ التوحيد كله خير وكله زكاة تزكية للنفس وتطهير لها.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ المشركين لا يؤمنون بالآخرة ولهذا إذا قيل له: وحِّدِ الله تَنْجُ من عذابِه قال: ما في عذاب. يكفرُون بالآخرة.
ومن فوائد الآية الكريمة أنَّ الإيمان بالآخرة يدعو إلى التوحيد وتحقيقِه وهذا حقّ وواقع، كلُّ إنسان يؤمِن بأنه سوف يُحشَر يوم القيامة في أرض قاعٍ صَفْصَف لا يرى فيها عِوَجًا ولا أمْتًا وأنه سيُجازى على عملِه كلُّ إنسان عاقل سوف يستعِدّ لهذا اليوم، ولذلك ينبغي لنا مع كونِ قلوبِنا مع الله عز وجل أن نتذَكَّر الساعة وقيامَ الناس، وهل بين الإنسان وبين هذه الحال وقتٌ محدد معلوم؟ لا أبدًا، يصِلُ إلى هذا إذا مات، ومتى يموت؟ لا يُعلَم قد يخرُج الإنسان من بيتِه ولا يرْجِع إليه، قد ينامُ على فراشه ويُحمَل ميِّتًا، قد يركب سيارته ولا ينزِل منها، فإذًا تذَكَّر يا أخي عندما تستَولي على قلبك الغفْلة تذَكَّر هذا اليوم الذي تُحشَرُ فيه أنت وسائرُ الخلق خافِيًا عارِيًا أغْرَل ليس عندك مال ولا بنون ولا أحد يحمِيك، تذَكَّر هذا فإذا تذَكَّرْتَه فسوف تعمَل لهذا اليوم، إخوانُك أولادك آبائك أمهاتك الذين فقدتهم في الحياة متى تجتمع بهم؟ في هذا اليوم، ما في اجتماع إلا في هذا اليوم، إذًا استعد لهذا اليوم اعمل صالحًا لا يفوتُك الركب كُنْ في مقدمته واجعل الدنيا وراءَ ظهرِك اجعلها تابعة لك ولا تجعل نفسك تابعًا لها حتى تنجو، فكلُّ إنسان يؤْمِن بالآخرة فإنَّه إذا تذَكَّرَها سوف يعمَلُ لها لقول الله: (( لمثل هذا فليعمل العاملون )) أسأَلُ الله تعالى أن يجعَلني وإياكم مِن المتقين الذين يؤمِنُون بالآخرة ويعمَلُون لها. نعم
الطالب: ... (( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفر لهم الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيمًا )) ....