ما حكم من يخوض بغير علم في الأسماء والصفات .؟ حفظ
الحلبي : يقول السائل باب توحيد الأسماء والصفات من الأبواب الدقيقة التي غاصت فيها أفهام عقول كثير من الناس قديما وحديثا ، فترى كثير من الناس يتكلم فيه بغير علم ، وقليلا منهم من يتكلم فيه بعلم ، ومن هؤلاء الذين يتكلمون فيه بغير علم من يقولون بأن آيات الأسماء والصفات من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، فما هو قولكم في هذا نرجوا التوضيح جزاكم الله خيرا .
الشيخ : مصنفات كثيرة منا نحن أهل السنة والجماعة ، ومن المخالفين لأهل السنة والجماعة ، فليس من الممكن الإجابة عن مثل هذا السؤال في دقائق معدودات ولكني أقول إن التأويل المنفي بنص القرآن الكريم : (( لا يعلم تأويله إلا الله )) ليس المقصود به مطلقا والبتة لا يعلم معناه إلا الله ، وهنا يظهر خطأ الذين ينتحون ناحية التفويض في آيات الصفات وأحاديث الصفات ويقولون نكل معانيها إلى الله عزوجل ولا نخوض فيها ، ليس لهم حجة في مثل هذه الآية ولا حجة لهم سواها ، فإذا كانت حجتهم هي هذه فكما تسمعون ربنا يقول : (( لا يعلم تأويلها )) ولم يقل لا يعلم معانيها إلا الله ، وتأويل الشيء هو معرفة عاقبة أمره وحقيقة أمره
السائل : وما يؤول إليه
الشيخ : وما يؤول إليه وينتهي إليه ، نعم ، فنحن حينما نقرأ بعض آيات الصفات أو أحاديث الصفات لاشك ولاريب نفهم معانيها كمثل قوله تبارك وتعالى في الآية المذكورة في أماكن عديدة : (( الرحمن على العرش استوى )) كما نفهم حديثه عليه السلام المتواتر عنه : (( ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا )) فنفهم معنى الاستواء ونفهم معنى النزول ولكن حقيقة ذاك الاستواء وذاك النزول لا يعلمه إلا الله ، هذا هو المقصود بهذه الآية وليس المقصود ما يزعم أهل التفويض أننا لا نعرف معاني هذه الآيات ، كيف يكون ذلك معقولا فضلا عن أن يكون مشروعا وربنا عز وجل كما قال في القرآن الكريم : (( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها )) فأسماؤه الحسنى قسم كبير جدا مذكور في القرآن الكريم وقسم آخر مذكور في أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهذه الأسماء بلا شك في الوقت الذي هي أسماء لله ، هي صفات له ، فإذا قلنا هذه إن الأسماء كصفات لا يمكن أن نفهم منها شيئا لأن الله يقول : (( وما يعلم تأويله إلا الله )) معناه عطلنا أسماء الله ، عطلنا صفاته تبارك وتعالى ، وحينما ندعوه بأسمائه الحسنى ندعوه بأشياء لا نعرف معانيها (( الله لا إله إلا هو الحي )) أيش معنى الحي ؟ ما ندري ، القيوم ؟ ما ندري ، عدد الأسماء التسعة والتسعين وزيادة فمعنى ما سبق طرحه كسؤال أنهم لا يفقهون شيئا من معاني هذه الأسماء الكريمة فهل يقول مسلم بأن الله عزوجل تعرف إلى عباده بأسماء وصفات لا معاني لها مفهومة عندنا ؟ حاشا لله تبارك وتعالى ، هذا هو التعطيل بعينه الذي صرح عنه الإمام بحق ابن القيم الجوزية رحمه الله حينما قال " المجسم يعبد صنما والمعطل يعبد عدما " المعطل يعبد عدما فعلا (( الله لا إله إلا هو الحي القيوم )) أيش هذه الأسماء معانيها ما ندري ، إما أن ندري وإما أن لا ندري ، إن كنا ندري فما معنى لا يعلم تأويله ؟ أي لا يعلم حقائقها لأننا نعتقد في ذات الله ما نعتقده في صفات الله إثباتا ونفيا ، فحينما نثبت وجود الله نثبت له وجودا حقيقا واجب الوجود كما يقول علماء الكلام وحينما نثبت له تلك الصفات أيضا نثبتها له ونحن نفرق في المعنى بين صفة وأخرى (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) فنفهم أن السميع غير البصير ، والبصير غير القدير إلى آخر ما هناك من صفة ، إذن هذه الصفات كلها مفهومة والحمد لله ولكن حقائقها مجهولة لدينا كالذات ، هل نعرف ذات الله حقيقتها ؟ حاشا لله لكننا نعلم يقينا أن ذات الله هي التي أوجدت هذه الكائنات وهي متصفة بكل صفات الكمال ومنزهة عن كل صفات النقص ، من أجل ذلك صح عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه حينما جاءه ذاك السائل فقال له " يا مالك (( الرحمن على العرش استوى )) ما استوى ايش المعنى ؟ " قال : " الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه ـ أي عن الكيف ـ بدعة ، أخرجوا الرجل فإنه مبتدع " فإذن الاستواء معلوم وهو الاستعلاء كما ثبت ذلك عن السلف لكن كيف الاستواء مجهول كما نجهل حقائق الذات والصفات كلها كما ذكرنا ، فجهلنا بحقيقة الذات وبحقيقة الصفة لا يحملنا على أن ندعي أننا لا نفهم شيئا ، وعلى قول إخواننا في حلب طاول ، طاول ، ما نفهم شيئا لهذه الأسماء إطلاقا هذا هو الجهل بعينه والمكابرة ، لأن الله عز وجل حينما يقول لنا : (( ليس كمثله شيء )) ماذا يعني ؟ ألا يعني أن نعتقد ما يصف به نفسه ؟ لاشك في ذلك ، وهل يمكن أن نعتقد في الله ما وصف به نفسه بالجهل أم بالعلم ؟ لاشك أن الجواب بالعلم وليس بالجهل ، تمام الآية (( وهو السميع البصير )) ربنا وصف نفسه بأنه سميع وبصير ، هل نستطيع أن نفهم الله بأن نقول لا ندري ، ما معنى سميع وما معنى بصير ؟ ذلك هو الجهل ، ذلك هو التعطيل الذي سمعتموه آنفا من ابن القيم " المجسم يعبد صنما والمعطل يعبد عدما " لقد وصل الأمر بهؤلاء المعطلة إلى أن يقولوا فعلا لا وجود لله ، هذا الله الذي تعبدونه لا وجود له ، لماذا ؟ لأن كل موجود لابد إما أن يكون داخل العالم ، أو أن يكون خارج العالم ، وهم قد وصفوا ربهم بهذه الصفات السلبية الآتية ، قالوا وأنا سمعتها من أحد مشايخي على المنبر يوم الجمعة يضلل الناس بالرد على السلفيين الذين يقولون (( الرحمن على العرش استوى )) ، استعلى كما قال الإمام مالك وكما قال كل السلف ، فهم يقولون الله ، هكذا يقولون وبئس ما يقولون " الله لا فوق ، ولا تحت ، ولا يمين ، ولا يسار ، ولا أمام ، ولا خلف ، لا داخل العالم ولا خارجه " زاد الفلاسفة بعض ما سمعته من شيخي ، أنا بريء من قوله ، ما سمعت هذا الوصف الأخير ، قالوا " لا متصل به ولا منفصلا عنه " ... .
الحلبي : ما قالوا لا خالق ولا مخلوق ؟
الشيخ : ها ، أنا قلت مرة لبعضهم لو قيل لأفصح العرب بيانا صف لنا المعدوم الذي لا وجود له لما استطاع أن يصف هذا المعدوم بأكثر مما وصف أولئك معبودهم حين قالوا " الله لا فوق و لاتحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف ، لا داخل العالم ولا خارجه " ، قالت الفلاسفة " لا متصلا به ولا مفصولا عنه " هذا هو العدم ، إذن لا تستغربوا قول ابن القيم " المعطل يعبد عدما " لأن هذا قولهم ، وهذا يذكرني بموقف ابن تيمية بالنسبة لمشايخ علماء الكلام لما أقاموا الدعوة عليه أمام أمير دمشق يومئذ فجمعهم مع ابن تيمية وتناقشوا بينهم ، كان الملك عاقلا لم يكن عالما لكنه كان عاقلا ، كان ذكيا ، فسمع مثل هذه العبارات قد تكون هي عينها لأن الخلف ورثوا عن خلفهم هذه الكلمات وقد يكون معانيها ، المهم ابن تيمية رحمه الله شرح هناك عقيدة السلف بطبيعة الحال بأحسن مما ذكرنا لكم آنفا ، وشرح أولئك عقيدة الخلف ، وطبعا أقول بأسوأ مما ذكرنا آنفا ، أينعم ، فقال الأمير الكيس الذكي الفطن : " هؤلاء قوم أضاعوا ربهم " - يضحك الشيخ والطلبة حفظهم الله - الحقيقة أنا أعجبت بهذا الكلام تماما مع أنه ليس بعالم لكن لما يسمع العامي الذي فطرته سليمة الله لا فوق ولا تحت ، لا يمين ولا يسار ، لا أمام ولا خلف ، لا داخل العالم ولا خارجه ، والله هؤلاء قوم أضاعوا ربهم ، أين وصف هذا الرب ؟ ما عارفينه ، غيره يا سيدي .