تنبيه على قول بعضهم: قال الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. حفظ
الشيخ : قبل الإجابة عن هذا السؤال أرى لزاما عليّ أن أنبّه على خطأ شائع من كثير من طلاب العلم وغيرهم ألا وهو أنهم إذا كانوا في مجلس علم وأراد أحدهم أن ينزع بآية وأن يستدل بها أو أراد أن يسأل عن دلالتها أو عن ما ينبغي التوفيق بينها وبين حديث ما يقول السائل قال الله عز وجل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( فإذا قرئ القرآن )) مثلا أو قال قال الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ونحو ذلك من الأقوال فهذا خطأ محض فيه نسبة شيء إلى الله لا يقصده القائل ولكنه يدان بلفظه فيقع في مخالفة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( إياك وما يعتذر منه ) فنحن حينما نستدرك على بعض الناس فنقول لهم أين قال الله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( فإذا قرئ القرآن فاستمعوا له )) لا يوجد شيء من هذا إطلاقا لكني أدري كما يدري كل فرد منكم إن هذا القارئ أو هذا المستدل أو هذا السائل إنما يقول هذه الكلمة ويذكر هذه الاستعاذة بين يدي الآية إعمالا منه أو تطبيقا منه لقوله تعالى (( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله )) هكذا يقولون حينما نعترض عليهم مذكرا لهم بأن هذا لا ينبغي أن يكون كذلك لأنك قولك قال الله بعد كذا يعني أن الله قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( فإذا قرئ القرآن فاستمعوا )) وبخاصة إذا قيل قال الله بعد أعوذ بالله هذه البعدية إنما تتعلق به ولا تتعلق بالله تبارك وتعالى وعلى ذلك فينبغي لكل من ساق آية يريد الاستدلال بها أو يريد السؤال عنها أن يتلوها مباشرة ولا يقول قال الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( فإذا قرئ القرآن )) ولا يقول قال الله بعد أعوذ بالله وإنما رأسا يذكرها فيقول ما التوفيق بين قوله تعالى (( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله )) وبين حديث كذا هكذا يجب أن تنتبهوا حتى لا تقعوا في مؤاخذة مخالفة قول الرسول عليه السلام ( إياك وما يعتذر منه لا تكلمنّ بكلام تعتذر به عند الناس ) دائما الناس يقولون والله أنا قصدت كذا يا أخي قصدك في قلبك لا يعرفه إلا ربك لكن أحسن التعبير عن قصدك بلفظك ألم تسمعوا إنكار الرسول عليه السلام الشديد على ذلك الصحابي الذي سمع موعظة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقام ليظهر خضوعه واتباعه وإطاعته للنبي بقوله ما شاء الله وشئت يا رسول الله فماذا كان موقفه عليه السلام قال هل جعلتني لله ندا قل ما شاء الله وحده أترون بأن هذا الصحابي قصد بقوله مخاطبا لنبيه ما شاء الله وشئت أن يجعله شريكا مع الله ما آمن برسول الله يقينا إلا فرارا من الشرك إذا لماذا بالغ الرسول عليه السلام في الإنكار عليه بهذه العبارة الشديدة ( أجعلتني لله ندا قل ما شاء الله وحده ) إذا لا ينبغي أن تسوغوا أخطاءكم اللفظية بصوابكم القلبي هذا لا يسوغ ذاك فعلينا إذا تكلمنا بكلام أن يكون كلامنا مطابقا لحسن قصدنا وألا يكون كلامنا سيئا وقصدنا حسنا بل يجب أن يطابق اللفظ ما في القلب هذه تذكرة وهذه تنفع المؤمنين إن شاء الله والبحث الذي سأل عنه السائل طويل الذيل متشعب الجوانب فلا مجال الآن للإفاضة في مثل هذا السؤال جوابا عليه ولكني أقول قوله عليه السلام ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) عام يشمل كل صلاة ويشمل كل مصل سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا سواء كان أدرك الركوع أو لم يدرك الركوع ولم يقرأ الفاتحة فلا صلاة له فهل هذا العموم لا يزال باقيا على عمومه كمثل عموم الآية التي سأل عنها السائل (( فإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون )) لا شك ولا ريب أن الآية لا تزال على عمومها فلا لمسلم في أي حالة كان إلا أن ينصت أن يسكت وأن ينصت لتلاوة القرآن الكريم أما الحديث فقد دخله تخصيص لابد منه عند جماهير العلماء وبالحديث الصحيح حيث أن جماهير العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين ومن بعدهم قالوا إذا دخل المسلم إلى المسجد فوجد الإمام راكعا فشاركه في الركوع فقد أدرك هذه الركعة مع أنه لم يقرأ فاتحة الكتاب وهذا له أدلته ولست الآن في صددها لما أشرت أنني ذكرت ذلك في مجلس آخر فماذا يكون حكم هذا الحديث بالنسبة لعمومه هل عمومه لا يزال قائما أم قد دخله التخصيص الجواب بالإيجاب صار معنى الحديث لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب إلا لمن أدرك الإمام راكعا ولم يتمكن من قراءة الفاتحة فسقط وجوب قراءة الفاتحة عنه وأدرك الركعة بإدراكه للركوع وراء الإمام هذا العموم لا صلاة أصبح مقيدا بمن أدرك الركوع فلم يبقى هذا العموم شاملا إذا لاحظنا هذه النقطة فقط حينئذ ننصب الخلاف بين الآية وبين الحديث على الصور التالي لا خلاف بين الآية والحديث لأنهما ينبعان من مشكاة واحدة وإنما الخلاف بين العمومين عموم الآية وعموم الحديث فالآ، إذا تعارض عمومان فكيف التوفيق بينهما لقد ذكر الحافظ العراقي في شرحه على مقدمة المصطلح بأن العلماء قد ذكروا أكثر من مائة وجه من وجوه التوفيق بين الأحاديث المختلفة ومن تلك الوجوه إذا تعارض عامان أحدهما عام مطلق والآخر عام مقيد صرف العام المطلق على العام المقيد لأن العام المطلق أقوى في دلالته بعمومه عموم المقيد ، ملاحظة هذه القاعدة يفتح لطلاب العلم بابا من العلم رائع جدا من ذلك ما طبقه شيخ الإسلام ابن تيمية وما رأيت ذلك لغيره وإن كان الحافظ العراقي قد أشار إلى ذلك ولعله أقتبسه من ابن تيمية رحمه الله الآن نعرض لكم عمومين من حديث الرسول متعارضان وكثيرا ما يشكل الأمر على بعض أهل العلم فضلا عن طلاب العلم قال عليه الصلاة والسلام ( لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ) هذا نص عام قال عليه السلام ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ) عمومان تعارضا ذاك يقول لا تصلي وهذا يقول لا تجلس حتى تصلي كيف التوفيق قال ابن تيمية حديث لا صلاة بعد الفجر ولا صلاة بعد العصر عام مخصص بكثير من الأدلة وأنا أقول بأن هناك كتابا هاما جدا لأحد علماء الحديث في الهند ألا وهو شمس الدين العظيم الأبادي في الكتاب الذي ألفه هو إعلام أهل العصر بأحكام ركعتي سنة الفجر لقد ذكر في هذا الكتاب المخصصات الكثيرة للحديث الأول لا صلاة بعد الفجر ولا صلاة بعد العصر من ذلك مثلا قوله عليه الصلاة والسلام ( من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها حين يذكرها ) إنسان تذكر صلاة ما بعد أن صلى الفجر فعليه أن يصليها وقت التذكر ماذا فعلنا بقوله لا صلاة بعد العصر خصصناه بهذا الحديث رجل دخل المسجد فوجد الإمام داخلا في الصلاة وهو لم يكن قد صلى بعد سنة الفجر فإذا سلم مع الإمام قام وجاء بركعتي سنة الفجر بعد الفجر هذا خلاف قوله عليه السلام بعمومه ( لا صلاة بعد الفجر ... ) رجل كان قد صلى الفجر الفرض في مسجد ثم أتى مسجدا آخر فوجدهم يصلون فعليه أن يصلي فيه تكرار لفريضة وهو قوله عليه السلام ( لا صلاة في يوم مرتين ) هذا عام خُصّصَ وهكذا يجري إعمال العام مع الخاص فإذا خصص عموم ما ضعف دلالته من حيث عمومه وحينئذ يتسلط عليه بالتخصيص العام الذي لم يقع عليه تخصيص طيب فيما يتعلق بتحية المسجد بهذا الجمع أجاب ابن تيمية رحمه الله فقال قوله عليه السلام لا صلاة بعد العصر أو بعد الفجر عام قد خصص بكثير من المخصصات وأشرت إلى بعضها آنفا فحينما يأتي حديث عام آخر يخالف هذا العام المطلق ألا وهو قوله عليه السلام ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ) وفي الرواية الأخرى ( فليصل ركعتين ثم ليجلس ) يقول ابن تيمية هذا الحديث يخصص حديث لا صلاة بعد الفجر وبعد الفجر لأن هذا لم يخصص بل بقي على عمومه وشموله من ناحيتين الناحية الأولى أنه لم يجر عليه تخصيص بتسليط حديث عام عليه والناحية الأخرى وهي هامة جدا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد لفت نظر المسلمين إلى بقاء هذا العموم على عمومه حينما يكون الخطيب يخطب يوم الجمعة حيث لا يجوز والخطيب يخطب أن يأمر الجالس يسمع خطبته بمعروف أو ينهى عن منكر مع ذلك فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله ( إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليصل ركعتين وليتجوز فيهما ) لقد أمر عليه السلام بهاتين الركعتين تحية المسجد والخطيب يخطب في الوقت الذي لا يجوز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو واجب والخطيب يخطب لا يجوز فإذ أمر بتحية المسجد والخطيب يخطب ونهى عن أن تقول لمن يتكلم والخطيب يخطب وقال فقد لغوت فإذا هذا يؤكد أن قوله عليه السلام ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ) أو في الرواية الأخرى ( فليصلي ركعتين ثم ليجلس ) دليل على أن هذا العموم لا يزال على شموله وإطلاقه حين ذاك يسلط هذا العموم على العموم المخصص وهو لا صلاة بعد الفجر لا صلاة بعد العصر هذه قاعدة مهمة جدا تزيل العقبات والإشكالات أمام التوفيق بين بعض الأحاديث التي يبدو عليها التعارض على هذا المنوال يوفق بين قوله تعالى (( فإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون )) نص عام مطلق لم يدخله تخصيص وبين قوله عليه السلام ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) فقد دخله التخصيص بإجماع علماء الجمهور لا أقول علماء المسلمين قاطبة لكن مع الجمهور أدلة من السنة لو كان الجمهور مخالفا لهذه الأدلة لما التفتنا إلى مخالفتهم لأن الحديث صريح وصحيح خلافا لمن يظن ضعفه أن من جاء المسجد فوجد الإمام راكعا فوجده راكعا فقد أدرك الركعة بخلاف ما إذا لم يدرك الركوع وإنما أدرك الإمام ساجدا فلم يدرك الركعة فهذا يخصص مع آثار سلفية صحيحة بدأ من أبي بكر رضي الله عنه وانتهاء إلى ابن عمر أنهم قالوا من أدرك الركوع مع الإمام فقد أدرك الركعة فحينئذ نخصص عموم قوله عليه السلام ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) بعموم قوله تعالى (( فإذا قرئ القرآن )) وتكون الحصيلة وتكون النتيجة كما يأتي لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب إلا من أدرك الإمام راكعا فله صلاة لماذا لأننا رأينا الأدلة المثبة لصحة هذه الصلاة وأيضا لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب إلا لمن سمعها من الإمام لماذا لأنه تعالى يقول (( فأنصتوا )) ولأن الرسول عليه السلام يقول ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا ) بعض العلماء يقولون نحن نعكس القضية فنقول نخصص الآية بالحديث والحصيلة عندهم كالتالي لكنه خطأ قال تعالى (( فإذا قرئ القرآن فاستمعوا )) إلا في قراءة الفاتحة فلابد من قراءتها ولو لم ينصت ولو لم يستمع أي يخصصون الآية في الحديث على خلاف ما ذكرنا آنفا لكن هذا قلب لما ذكرنا آنفا مما تبين لعلماء الحديث والفقه أن النص العام إذا خصص لا يجوز أن يخصص به النص العام الذي لم يخصص ولذلك فالصواب ما ذكرناه آنفا من تخصيص الحديث بالآية وليس تخصيص الآية بالحديث وبهذا القدر كفاية بالنسبة لهذه المسألة تفضل .