تتمة فوائد الآية : (( إن هـذا لهو القصص الحق وما من إلـهٍ إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم )) . حفظ
ولهذا يذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( من بورك له في شيء فليلزمه )، أي شيء بارك لك فيه وتشوف إنك مطمئن فيه، سيارة، بيت، زوجة، صاحب، أي شيء فالزمه فإنه خير من أن تتلقى، بعض الناس يقول والله اليوم زاد المستقني وباكر والمنتهى بعده الإقناع وبعده المهذب وبعهد المدونة لمالك كل يوم له كتاب، هذا يروح عليه الوقت ما يضيع شيء، لماذا؟ لأن الهدف لم يتحد، هؤلاء المشركون أيضا يعبدون اللات إذا لم تنفع راح إلى العزى إذا لم تنفع المنات، إذا لم تنفع منا أحجار ثلاثة يجعلها للقدر وواحد الرابع يجعله إله يعبده، إذا لم ينفع عجن عبري من التمر وجعله إله، إذا لم ينفع راح إلى الشمس والقمر، على كل حال إذا كانت العقدية السلمية بأن لا يتجه الإنسان إلا إلى الله ولا يعبد إلا الله فإنه يجد الراحة التامة، ولهذا قال: (( وما من إله إلا الله )) وفي هذا رد على النصارى الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، لأنه قال: (( ما من إله إلا الله )) والعجيب أن من سفه النصارى وضلالهم يقولون: الآلهة ثلاثة لكنها واحد، كيف ثلاثة واحد ؟ هل يمكن الثلاثة واحد ؟ إذا جعلت الثلاثة واحد صار ثلث، صاروا إله ثلث، وإله الثاني ثلث، وإله الثالث ثلث، أما أن يكون كل واحد مستقلا ثم تقول هم واحد هذا مكابرة للمعقول، إذا في الآية الكريمة (( وما من إله إلا الله )) رد على من؟ النصارى، على النصارى الذين يقولون إن المسيح عيسى بن مريم إله . وفي الآية الكريمة من الفوائد: إثبات العزة، بل تمام العزة لله، لقوله: (( وهو العزيز )) وأل هنا تفيد الاستغراق أي جميع أنواع العزة ثابتة لله سبحنه وتعالى . وفيها إثبات الحكمة لله في قوله: (( الحكيم )) وإثبات الحكم أيضا . فيتفرع على هذا أنه لا حاكم إلا الله، الحكومة السلطانية القدرية والحكومة الشرعية هي لله وحده، فمن سيطر على الخلق بالحكم السلطاني ولم يراقب الرب فقد شارك الله أو فقد جعل نفسه شريكا لله في هذا الحكم، ومن شرع للناس قوانين مخالفا لشرعه فقد جعل نفسه شريكا مع الله، واتخذ لنفسه منصبا لا يستحقه، لأن الذي يشرع ويحكم هو الله عز وجل (( وإن الله لهو )) لا سواء (( العزيز الحكيم )) . ويتفرع على هذا أيضا: أن واجبنا نحو أحكام الله الكونية والشرعية التسليم والرضاء والقناعة وأن لا نطلب سواه، لأن نعلم أنها مبنية على الحكمة، ولهذا كان السلف الصالح رضي الله عنهم إذا قضى الله، بل كل مؤمن ما هو السلف الصالح فقط ـ كل مؤمن إذا قضى الله ورسوله أمرا لم يكن لهم الخيرة من أمره، حتى إنهم يجيبون إذا سئل عن الحكمة يجيبون بقال الله وقال الرسول، عائشة لما سألتها المرأة: ( ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ فقالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة )، والمؤمن حقا العابد حقا هو الذي يقتنع بما لا يعرف حكمته كما يقتنع بما يعرف حكمته، هذا المؤمن حقا، أما لا يقتنع بحكم الله إلا إذا عرف حكمته فهو في الحقيقة ليس عبادا لله على وجه الكمال، بل عابد لهواه، إن تبين له الحكمة اقتنع وإن لم تتبين لم يقتنع، ولهذا نرى أن في إيجاب رمي الجمرات وهي الحصا في مكان معين نرى أن فيها مع إقامة ذكر الله عز وجل الذي نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أيش؟ تمام العبودية، تمام العبودية وكمالها، لأن كون الإنسان يحمل حصا يرميها في مكان معين تعبدا لله هذا من كمال العبودية، كون الإنسان مثلا يصلي أو يتجنب الزنا خوفا من الله ورجاء للثواب في الصلاة واضح الحكمة فيها، لكن كونه يرمي الحجرات الحصاة في مكان معين قد لا تتبع الحكمة لو لا أن الرسول أخبرنا بأنها لإقامة ذكر الله وفيها تمام العبودية، فالمهم أنك متى آمنت بأن الله له الحكمة في حكمه الكوني والشرعي ازددت القناعة والرضا بما حكم به، أما الحكم الكوني فسترضى أو سينفذ عليك رضيت أو ما رضيت ، لكن الشأن كل الشأن في الحكم الشرعي هو الذي باختيارك، أما الكوني فليس باختيارك سيكون عليك مهما كان الأمر .