فوائد حفظ
الشيخ : وفي هذا الحديث دليل على أن عيادة المريض سنة ، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي من حق المسلم على أخيه ، وهي واجبة على القول الراجح ، لكنها فرض كفاية ، إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين والمريض الذي يعاد هو الذي انقطع عن الخروج ، أما المريض الذي مرضه يسير يمشي في الناس ، كوجع الضرس ووجع العين ووجع الرأس اليسير فهذا لا يعاد ، إنما يعاد من غاب.
ثم إن السنة في عيادة المريض أن تكون بحسب الحاجة ، يعني : ألا يطيل المقام عنده ، إلا أن يرى أنه يسر بذلك لأن المريض مشغول بنفسه ، وربما لا يحب أن أحدًا يأتي إليه ، يود أن يكون أهله عنده ، وما أشبه ذلك.
فالنفس ضيقة ، والصدر ضيق ، فإذا أبطأت عنده ضيقت عليه ، لكن إذا علمت أنه يسر بذلك فإن إدخال السرور على أخيك المسلم ولا سيما المريض من أفضل الأعمال.
ثم ينبغي للعائد للمريض أن يسأله عن حاله أولًا ، وعن عبادته : كيف تصلى ، كيف تطهر حتى يكون ذلك من بركتك لأن بعض المرضى إذا جاز لهم الجمع ظنوا أن القصر جائز ، وقد وقع ذلك عليّ ، زرت أحد المرضى فسألته عن حاله كيف صلاتك؟ قال : لي خمسة عشر يومًا أجمع وأقصر وهو في البلد ، يظن أنه من لازم الجمع القصر وهذا يخفى على كثير من الناس ، وكذلك تسأله عن الوضوء كيف يتوضأ كيف يتيمم، وكذلك تذكره باغتنام الوقت ، تقول : أنت الآن فارغ لا عندك شغل لا في الدكان ولا في البيت ولا في السوق ، وما أشبه ذلك ، اغتنم هذه الفرصة بكثرة العمل الصالح ، كالذكر وقراءة القرآن ، وما أشبه ذلك.
وكذلك أيضًا إذا كان ممن يداخل الناس كثيرًا في البيع والشراء والأخذ والإعطاء ، تذكره فتقول : لا حرج عليك أن تذكر ما لك وما عليك ، لأنك لا تدري كم من إنسان مات وهو على فراشه صحيحًا ، فتذكره التوبة والوصية.
وتنفس له في الأجل ، لا تقل : والله مرض كذا مرض خطير! فلان مرض هذا المرض وقعد يومين ومات! وما أشبه ذلك ، لأن بعض الناس يفعل هذا مسكين هذا غلط نفس له في الأجل قل : أنت اليوم خير من أمس ، وأنت صادق ، هو اليوم خير من أمس إذا كان صابرًا، لأنه يزداد أجرًا وخيرًا عند الله عز وجل.
وأيضًا إذا كان أحد قد أصيب مثل مرضه وشفي تذكر له ، أو بغير مرضه تقول : كم من إنسان أتوا له بالحنوط ، ووعدوا الغاسل وحفروا القبر ثم بقي سنين من أجل أن تدخل عليه السرور
وهل تزوره كل يوم؟ الجواب : هذا يختلف بحسب الناس ، بحسب قربه منك وصلته بك ، وبحسب رغبته في فترة الزيارة ، قد يكون بعض الناس له حق عليك ، إن لم تكن عنده كل زمن فلا أقل من الصباح والمساء ، وقد يكون أيضًا بعض الناس يرغب أن تزوره في الصباح والمساء ، فالمهم أن مثل هذه الأمور ترجع إلى حال الشخص.
وفي هذا الحديث : دليل على ملازمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه قلّ أن يوجد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ومعه أبو بكر مما يدل على كمال صداقته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومحبته له وأنه كما قال عليه الصلاة والسلام : "لو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر".
وقد يؤخذ منه أيضًا : استحباب العيادة ماشيًا وقد لا يؤخذ لأنك لا تستطيع أن تجزم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك تعبدًا وتقربًا إلى الله ، إذ لم يكون قد تيسّر له مركوب في ذلك الوقت ، وقد يكون المدى قصيرًا لا يحتاج إلى ركوب وما أشبه ذلك.
وفيه أيضًا من فوائده : أن الرسول صلى الله عليه وسلم مبارك ، فإنه لما أغمي على جابر رضي الله عنه توضأ وصب عليه من وضوئه ، والظاهر أن المراد وضوئه الذي يتناثر منه لا الذي في الإناء، لأن الذي يتناثر منه أكثر مساسًا لجسد النبي صلى الله عليه وسلم مما يغترف منه إذ أن الذي يغترف منه لا يمس من جسده إلا الكفان.
ومن فوائد هذا الحديث : استشارة أهل العلم والإيمان والثقة ، لأن جابر رضي الله عنه استشار النبي صلى الله عليه وسلم في ماله ماذا يقضي به.
ومن فوائده : توقف الإنسان في الجواب عما لا يعلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد على جابر شيئًا ، وهو أعلم الخلق بشريعة الله ، ومع ذلك لم يرد شيئًا، حتى نزلت الآية وهذا -أعني التوقف فيما ليس لك به علم- واجب ، لقول الله تعالى : (( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون )) وهذه الآية كما ترون انتقال من الأدنى إلى الأعلى ، ولهذا قال العلماء : إن القول على الله بلا علم أعظم من الشرك، لأن المشرك لا يتعدى ظلمه نفسه ، لكن القائل على الله بلا علم فيه جنايات :
أولًا : التعدي في حق الله عز وجل ، حيث قال عليه ما لم يقل وما لم يعلم.
الثاني : إضلال الخلق ، فإن إضلال الخلق من أعظم الأمور.
الثالث : التعدي على الشريعة ، لأنه سيقول : هذا حلال وهذا حرام ، أو هذا واجب في شريعة الله وهو لم يعلم عن ذلك.
فكان القول على الله بغير علم أعظم من الشرك، وذلك لسوء آثاره.
ومن فوائد هذا الحديث : أن القرآن نزل منجمًا لم ينزل دفعة واحدة ، وقد اعترض المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا ، (( وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة )) كما أنزلت الكتب السابقة ، فرد الله عليهم بقوله : (( كذلك )) يعني أنزلناه كذلك (( لنثبت به فؤادك )).
وفائدة أخرى ذكرها الله تعالى في سورة الإسراء : (( وقرآنًا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا )).
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : الإخبار عن الله تعالى بأنه مفتي ، (( قل الله يفتيكم )) وهو سبحانه وتعالى المفتي الذي نقض لفتواه ولا معقب لحكمه لأن الحكم لله عز وجل : (( إن الحكم إلا لله )).
وذلك أن الأفعال- أفعال الله تعالى - لا منتهى لها ، فكل ما يمكن أن يفعله الله عز وجل فإنه يمكن أن تصفه به على أنه فعل من أفعاله يفعله متى شاء.
ومن فوائدها : حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم ، لقوله : (( يستفتونك )) يعني الصحابة يستفتون النبي صلى الله عليه وسلم وهذا دأبهم رضي الله عنهم ، أنهم يستفتون النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما لم يحيطوا به علمًا.