فوائد حفظ
الشيخ : وفي هذا الحديث ذم السجع إذا قصد به رد الحق ، لأن حمل بن نابغة أتى بهذا الكلام الرائع الذي لبيانه يسحر السامع ، قال : كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ، ولا نطق ولا استهل ، هذا ما له قيمة ، فمثل ذلك يطل ، يعني يهدر ويترك ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن هذا من إخوان الكهان ) ، يعني من أشكالهم وأضرابهم ، لأن الكهان هم الذين يأتون بمثل هذه الأسجاع من أجل أن يسحروا الناس ببيانهم .
ولا شك أن قول الرسول عليه الصلاة والسلام هذا ليس من باب الإعجاب بالقول لكنه من باب الذم والتحذير من السجع الذي يراد به رد الحق .
وعلى هذا فنقول بالنسبة للسجع إن كان يراد به رد الحق فهو مذموم بكل حال .
وإن كان لا يراد به رد الحق لكنه متكلف بحيث تختل البلاغة من أجله بتقديم أو تأخير أو الإتيان بألفاظ غريبة فهو أيضا مذموم .
وإن كان بمقتضى الطبيعة أتى بدون تكلف ، فهذا محمود ، وإذا كان القصد به نصر الحق وإبطال الباطل صار أبلغ حمدًا ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمل السجع أحيانا ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( قضاء الله أحق ، وشرط الله أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتق ) ومثل قوله في دعائه : ( اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أعلنت وما أسررت ) وما أشبه ذلك .
فالرسول عليه الصلاة والسلام يستعمل السجع لكن السجع غير متكلف تأتي به الطبيعة ، ثم إن سجعه أحيانا يريد بذلك إثبات الحق ، وأحيانا يريد بذلك تنشيط النفس ، فالسجع بمثل الذكر والدعاء هذا لتنشيط النفس ، لأن النفس تنشط معه .
وقوله عليه الصلاة والسلام : ( قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق ) هذا من أجل تثبيت الحق ، لأن الأسماع تطرب لمثل السجع ، نعم .