فوائد حفظ
الشيخ : في هذا الحديث دليل على رحمة الله عز وجل بالقضاة ، وكذلك بالمفتين أنهم إنما يكلفون بما يسمعون وما يفهمون من الخطاب ، وما وراء ذلك لا يكلفوا به ، وعليه فقد يختصم اثنان أحدهما أقوى في التعبير وأبين وأفصح فيحكم القاضي حسب ما سمع ، فهنا لو أخطأ القاضي في الحكم فإنه ينفذ الحكم ولا إثم عليه ، لأن الإنسان لا يعلم الغيب ولا يعلم أن هذا مخطيء الذي كان ألحن بحجته من الآخر أو غير مخطيء ، وهذا من رحمة الله عز وجل بالحكام والمفتين ، أن لهم الظاهر .
وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه لا يعلم الغيب ، لأنه لو كان يعلم الغيب لعرف المحق من المبطل ، ولو كان المبطل ألحن بحجته من الآخر ، ولكنه لا يعلم الغيب .
ففيه رد على أولائك الغلاة في حق الرسول صلى الله عليه وسلم الذين يدّعون أنهم يحبونه ويدعون أنه يعلم الغيب ، فنقول كذبوا وكذّبوا الرسول هم أيضا ، كذّبوا الرسول لأن الرسول يقول : لا أعلم الغيب ، ويقول : لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ، وهم يقولون إنه يعلم الغيب ، فهم في الحقيقة كذّبوا الرسول عليه الصلاة والسلام من حيث يدّعون أنهم يحبونه .
وفيه أيضا دليل على أنه ينبغي للإنسان إذا كان غير جيد في الحجة أن يوكّل من يدافع عنه ، وهذا ما يعرف عند الناس اليوم بالمحاماة ، فهل المحاماة مهنة شريفة أو وضيعة ؟ .
هذا ينظر ، إن كان المحامي يريد أن يدافع عن من ظُلموا فهذا جيد وهي شريفة ، ويحمد على هذا ، وإن كان سيأخذ عوضا .
أما إذا كان يريد أن يدافع عن من وكله بحق أو بباطل فهذه والعياذ بالله من أكبر المظالم ولا تحل .
والمتأمل لحجج المحامين يرى أن أكثرها باطل أكثرها باطل ، تجده يكتب الاعتراض ثم ينقل من كل كتاب سواء صواب أو خطأ من أجل أن يثبت ما يدعيه ، لكنّ إنسانا عرف شخصا ضعيفا في الحجة ويعرف أنه محق ويريد أن يدافع عنه لإثبات الحق فهذا خير ويحمد عليه .
وفيه أيضا الوعيد الشديد على من قضى له القاضي بباطل يعلمه ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شبه ذلك ، بل جعل ذلك قطعة من نار ، قطعة من نار ، متى يدرك حرها ؟ .
يوم القيامة ، الآن قد لا تكون قطعة من النار بل تكون فسحة له في المال لكن بئس ما اكتسب تكون له قطعة من نار يوم القيامة .
وفي هذا الحديث فيه نكتة بالغة وهو أن السلف يعلّمون أولادهم السنة ، لأن زينب بنت أبي سلمة روت عن أمها أم سلمة ، وهو يدل على أن السلف كانوا يعلمون أولادهم ، إما ما رووا من الأخبار أو ما علموا من الأحكام وهذا خير ، ليتنا نستعمل هذا في أهلنا نعلمهم ما يجهلون من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أحكام ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .
وفيه أيضا دليل على أنه يجب على القاضي الحكم بما يسمع لا بما يعلم ، بما يسمع لا بما يعلم .