قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... فالحاصل أن الدور ثلاثة: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار. وقد جعل الله لكل دار أحكاما تخصها، وركب هذا الإنسان من بدن ونفس، وجعل أحكام الدنيا على الأبدان، والأرواح تبعا لها، وجعل أحكام البرزخ على الأرواح، والأبدان تبعا لها، فإذا جاء يوم حشر الأجساد وقيام الناس من قبورهم - صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد جميعا. فإذا تأملت هذا المعنى حق التأمل، ظهر لك أن كون القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار - مطابق للعقل، وأنه حق لا مرية فيه، وبذلك يتميز المؤمنون بالغيب من غيرهم. ويجب أن يعلم أن النار التي في القبر والنعيم، ليست من جنس نار الدنيا ولا نعيمها، وإن كان الله تعالى يحمي عليه التراب والحجارة التي فوقه وتحته حتى تكون أعظم حرا من جمر الدنيا، ولو مسها أهل الدنيا لم يحسوا بها. بل أعجب من هذا أن الرجلين يدفن أحدهما إلى جنب صاحبه، وهذا في حفرة من النار، وهذا في روضة من رياض الجنة، لا يصل من هذا إلى جاره شيء من حر ناره، ولا من هذا إلى جاره شيء من نعيمه. وقدرة الله أوسع من ذلك وأعجب، ولكن النفوس مولعة بالتكذيب بما لم تحط به علما. وقد أرانا الله في هذه الدار من عجائب قدرته ما هو أبلغ من هذا بكثير. وإذا شاء الله أن يطلع على ذلك بعض عباده أطلعه وغيبه عن غيره، ولو أطلع الله على ذلك العباد كلهم لزالت حكمة لتكليف والإيمان بالغيب، ولما تدافن الناس، كما في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: ( لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع ) . ولما كانت هذه الحكمة منتفية في حق البهائم سمعت وأدركت. حفظ