فوائد حديث : ( عمر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام؟ ... ). حفظ
الشيخ : فمن فوائد هذا الحديث: أن تخصيص النذر بالمسجد الحرام يجب أن يقضى فيه لقوله: ( أوف بنذرك ) ولم يأذن له أن يوفي بنذره في المدينة ولا غيرها، ومن فوائد هذا الحديث: انعقاد النذر من الكافر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عمر على ذلك، ومن فوائده: فيما يظهر أنه لو أوفى الكافر نذره في حال الكفر سقط عنه، لأن الظاهر أن الذين أسلموا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ما كانوا يسألونه عن اعتكافاتهم التي نذروها، بل كان يقرهم على ماهم عليه، وهذا هو الأقرب أن الكافر لو نذر أن يعتكف في أي مسجد كان واعتكف فإنه يسقط عنه الاعتكاف، ومن فوائد هذا الحديث: جواز الاعتكاف بدون صيام لقوله: " أن أعتكف ليلة " والليل ليس محلًّا للصيام، وهذه مسألة مختلف فيها، فمن العلماء من يقول: إنه لا اعتكاف إلا بصوم، ومنهم من يقول: إنه يصح الاعتكاف بلا صوم، لأن كلًّا منهما عبادة منفردة عن الأخرى فيصح أن يعتكف بلا صوم وأن يصوم بلا اعتكاف، والثاني محل إجماع أنه يصح أن يصوم بلا اعتكاف، وأما أن يعتكف بلا صوم فموضع خلاف ولكن الراجح أنه ليس بشرط، وأن الإنسان يجوز أن يعتكف بلا صوم، ومن فوائد هذا الحديث: جواز الاعتكاف في غير رمضان لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( أوف بنذرك ) ولم يقل إذا أتى رمضان وهو كذلك، يجوز الاعتكاف؟ في غير رمضان وفي غير صوم، لكن لو قال قائل: هل هذا من السنة قلنا لا ليس من السنة أن يعتكف في غير رمضان، لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن أصحابه أنهم كانوا يعتكفون في غير رمضان، ولأن الحكمة من الاعتكاف أو العلة فيه هو تحري ليلة القدر، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول ثم الأوسط تحريًا ليلة القدر، ثم قيل له إنها في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر، ومعلوم أن هذا لا يكون في غير رمضان، إذ أن ليلة القدر قطعًا في رمضان وفي العشر الأواخر منه، وهذا هو الصحيح أننا لا نأمر الإنسان ولا نقول يسن لك أن تعتكف في غير رمضان، وبناء عليه يتبين ضعف قول من قال من العلماء يسن لمن أتى المسجد أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه، فإنه يقال من أين ذلك أين شريعته أليس النبي صلى الله عليه وسلم يتردد على المسجد كل يوم خمس مرات على الأقل وفي الصحابة كذلك، هل قال لأحد منهم إذا أتيت من المسجد فانو الاعتكاف؟ أبدًا وهل كان جاهلًا بهذه السنة؟ لا، هل كان عالمًا بأنها سنة وكتمها؟ لا، كل ذلك لم يكن وعلى هذا فالصحيح أنه لا يسن للإنسان أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه في المسجد وأن الاعتكاف المسنون المطلوب ما كان في العشر الأواخر، فإن قال قائل كيف يقر النبي صلى الله عليه وسلم عمر على أن يعتكف في هذه المدة وليس بمشروع نقول هذا جرت فيه العادة من الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد أقر سعد بن عبادة أن يتصدق لأمه بمخلاف بعد موتها، وأقر الرسول الذي قال: " يا رسول الله إني أمي افتلتت نفسها ولو تكلمت تصدقت أفأتصدق عنها " قال: ( نعم ) وأقر الرجل الذي كان في سرية يقتضي أصحابه ويختم بقل هو الله أحد، ومع ذلك لم يشرع هذا لأمته، لم يقل أيها الناس تصدقوا لأمهاتكم بعد موتهم ولم يقل أيها الناس اختموا القراءة بقل هو الله أحد ولم يكن هو يفعله ما كان يختم قراءته بقل هو الله أحد، فدل هذا على أن من الأشياء ما يقر عليه الإنسان ولا يقال إنه مبتدع، ولكنه لا يطلب منه فعل ذلك وأظن أن بين المرتبتين فرقًا واضحًا، لأننا إذا قلنا إنه سنة دعونا الناس إليه وأمرناهم به، وإذا قلنا إنه من القسم المباح الذي إذا أراده الإنسان لم يمنع منه صار من الأمور المباحة، ولكنه ليس من الأمور المشروعة، نعم ثم.