وعن أبي هريرة رضي الله عنه مثله، أخرجه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان. حفظ
الشيخ : وعن أبي هريرة رضي الله عنه مثله أخرجه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان.
قضى بشاهد واحد ويمين، قضى بمعنى حكم، والقضاء هنا قضاء شرعي.
وقوله: ( بشاهد ) ( يمين وشاهد ) بيمين ممن من المدعي وشاهد على ما ادعاه، شاهد أي شاهد واحد، وهذا يقتضي أن يكون ذكرًا لأن شاهد اسم فاعل مذكّر، فيكون الرسول عليه الصلاة والسلام قضى بيمين ورجل واحد.
وهذا الحديث اختلف العلماء في تخريجه أما صحته فصحيح لأنه أخرجه مسلم وجوده النسائي فهو صحيح، لكن حكمه فقال بعض أهل العلم إنه غير مقبول لأنه خبر آحاد والقرآن ظاهره يعارضه لقوله تعالى: (( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان )) ولم يقل: رجل ويمين رجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، وعلى هذا فيكون غير مقبول لمعارضته للقرآن، ولكن الصحيح أن الحديث صحيح السند والمتن وأنه يجب العمل به وأن هذا القضاء موافق للقياس تمامًا، وذلك لأنه إذا شهد مع المدعي شاهد واحد قوي جانبه قوي جانبه بلا شك، لكن الشاهد الواحد لا يقوى على قوة الحكم، فأكد ذلك بيمين المدعي واليمين إنما تكون في جانب أقوى المتداعيين، ليست على المدعى عليه دائمًا بل قد تكون في جانب المدعي إذا قوي جانبه، وهذا المدعي الذي أقام شاهدًا قوي جانبه أو لا؟ قوي جانبه فلما قوي جانبه بدعواه أكّدت هذه القوة باليمين، كما أن المدعى عليه فيما لو ادعى شخص على آخر بشيء وأنكره فإننا نحكم ببراءة المدعى عليه بماذا؟ بيمين، وذلك لأن جانبه أقوى حيث إن الأصل عدم ثبوت ما ادعاه المدعي، فيكون هذا الحديث موافقًا تمامًا للقياس.
وأما إذا أقام المدعي شاهدين فإنا نحكم له بذلك وإن لم يحلف، لأنه لا يحتاج إلى اليمين لما تم النصاب.
وخلاصة القول أن هذا الحكم مطابق للأصول تمامًا، وجه المطابقة أن المدعي لما أقام الشاهد قوي جانبه، والقياس أن اليمين تكون في جانب أقوى المتداعيين سواء كان هو المدعي أو المدعى عليه، واضح؟ ولهذا جعل النبي عليه الصلاة والسلام اليمين على المنكر إذا لم يقم المدعي به، لماذا؟ لقوة جانبه بالأصل، فإن الأصل عدم صحة ما ادعي عليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الأيمان في القسامة في جانب من في جانب المدعيين، لأن جانبهم قوي للعداوة التي كانت بينهم وبين المدعى عليه والقسامة مرت علينا أظن.
الطالب : نعم.
الشيخ : مرت علينا أن يدعي قوم على قبيلة أخرى أنهم قتلوا صاحبهم، وبين القبيلتين عداوة فهنا إذا حلف خمسون من المدعين على عين المدعى عليه حكم بشهادتهم، حكم بأيمانهم بدون أن يقيموا أدنى بينة.
فإذا قال قائل: كيف نجيب عن الآية؟ نقول: إن الآية ليست في الحكم الآية في الاستشهاد، فالمطلوب من الإنسان إذا استشهد أن يستشهد برجلين فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان حتى لا يحتاج فيما بعد إلى اليمين، لأنه لو استشهد واحدًا احتاج إلى أن يحلف معه ليثبت ما ادعاه، لكن إذا استشهد اثنين لم يحتج إلى يمين، فالآية في الابتداء أي في الاستشهاد وليست في الأداء أي بأداء الشهادة، ولما انفكت الجهة انفك التعارض فلم يكن بين الآية وبين الحديث أي تعارض، لأن كل واحد منهما إيش؟ له جهة فالإنسان عند إثبات الحقوق نقول له اختر أعلى المراتب وهي أن تستشهد شاهدين، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتين.
ألم تروا إلى الرهن إذا كان الإنسان في السفر ولم يجد كافلًا وأراد أن يأخذ رهنًا يوثّق دَينه، قال الله تعالى: (( فرهان مقبوضة )) لأنه لا يتم توثيق الدَّين إلا إذا قبض الرهن، فلذلك أرشد الله تعالى إلى أعلى الحالين وهي الرهن المقبوض مع أن الرهن يثبت ويلزم وإن لم يقبض على القول الراجح.