عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناسٌ دماء رجالٍ وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه ) متفقٌ عليه، وللبيهقي بإسناد صحيح ( البينة على المدعي واليمين على من أنكر ). حفظ
الشيخ : يقول المؤلف رحمه الله: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ) يعني: لو أن الإنسان كلما ادعى شيئًا أعطي ما ادعاه، لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، دماء رجال بأن يقول فلان قتل ابني من أجل إيش؟ أن يُقتل، وأموالهم بأن يقول فلان سرق مني كذا وكذا أو استعار مني كذا وجحده أو ما أشبه ذلك، هذه الأموال وكذلك الحقوق، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدماء والأموال لأنها الأصل والحقوق تابعة.
وقوله: ( لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال أموالهم ) قال: ( ولكن اليمين على المدعى عليه ) والمدعي؟ بيّنه بالحديث الذي بعده وهو بإسناد صحيح: ( البينة على المدعي واليمين على من أنكر ).
وقوله: ( لو يعطى الناس بدعواهم ) اعلم أن الدعوى تنقسم إلى قسمين: دعوى مستحيل يعني دعوى شيء مستحيل، وهذه لا تسمع أصلًا ولا يلتفت لها القاضي ويصرف المدعي فورًا دون أن يطالبه ببينة أو غيرها، وهو أن يدّعي شيئًا مستحيلًا مثل أن يدّعي أن هذا ابنه، والمدعي له عشرون سنة والمدعى به له خمسة عشرة، فهنا إيش؟ لا تسمع الدعوى أصلًا ولا يشكل القاضي لها جلسة ولا يلتفت إليها.
والقسم الثاني: دعوى شيء ممكن لكن الأصل عدمه هذا هو الذي أراده النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا ادعى شخص على آخر دمًا أو مالًا أو حقًّا من الحقوق فإننا نقول للمدعى عليه أولًا هل تقر بهذا؟ إن قال نعم فلا إشكال، وإن قال لا قلنا للمدعي ألك بينة؟ إن قال نعم قلنا أحضرها وإن قال لا قلنا للمدعى عليه إيش؟ احلف فإذا حلف انتهت القضية انتهت القضية، ولكن ليس معنى هذا الحلف أنه لو تبين فيما بعد أن هناك بينة فإنه لا يحمّل المدعى عليه بل إن اليمين لقطع الخصومة الحاضرة فقط، فلا يكون للمدعي دعوى على من أنكر إذا حلف لكن لو تبين فيما بعد أن الحق مع المدعي ببينة أو غير ذلك فإن اليمين لا تكون مزيلة للحق، إذن نرتب الدعوى حضر رجلان إلى القاضي فقال أحدهما إنني أطالب هذا الرجل بألف ريال هذا مدعي، ماذا يعمل القاضي؟
الطالب : ...
الشيخ : لا، يسأل المدعى عليه يقول أتقر بهذا؟ إن قال نعم انتهت القضية وحكم بإقراره، لكن هذا في الغالب لا يكون في الغالب لا يكون إلاحيلة لشيء ما مثل أن يكون المدعي عليه ديون لبعض الناس عليه ديون فيريد أن يتفق مع صاحب له ويقول أنا سأدعي عليك بدين وأقرّ به أنت لأجل أن يزاحم من الغرماء الآخرين وإلا ليس من المعقول أن يحضر مدعٍ ومدعى عليه، ثم بمجرد ما يقول أطلبه مئة درهم يقول نعم صدق هذا بعيد جدًّا، لكن في الغالب ربما تكون حيلة لكن على كل حال إذا أقر انتهت القضية وحكم بالدعوى أو بالإقرار يحكم بالإقرار نعم، وإن قال لا ليس بصادق ولا حق له عندي رجعنا للمدعي وقلنا ألك بينة؟ إن قال لا رددنا بلا المدعى عليه وقلنا له احلف أن فلانًا ليس له حق عليك، فإذا حلف برئ وخلي سبيله، طيب إن أقام المدعي بينة بعد ذلك فهل تقبل؟
الطالب : نعم.
الشيخ : لا، نعم.
الطالب : تقبل.
الشيخ : ما تقبل، نقول إن كان قد قال لا أعلم لي بينة ثم أقامها تقبل يا إخواني تقبل، إذا قال لا أعلم فهل لك بينة عليه قال لا أعلم لي بينة فإنها تقبل إذا أقامها بعد، لأنه من الجائز أن تكون البيّنة شهدت وهو لا يعلم أو شهدت بإقرار المدعى عليه وهو لا يعلم بذلك أو كان نفيه، المهم أنه إذا نفى العلم وانتبهوا لهذا إذا نفى العلم بالبينة ثم أقامها بعد تقبل، لأنه لا منافاة بين نفي العلم وبين إقامة البينة، وأما إذا قال ليس لي بينة ثم أقام بعد ذلك بينة فإنها لا تقبل، وعلل الفقهاء ذلك بأن إقامتها بعد نفيها تناقض فيكون كلامه الثاني مكذبًا لكلامه الأول فلا يقبل، ولكن هذا القول متوجه فيما إذا كان المدعي يعرف الفرق بين قوله لا أعلم وبين قوله ليس لي بينة، وغالب العامة لا يفرقون بين قولهم لا أعلم لي بينة وقولهم إيش ليس لي بينة وكونه له بينة لا يعلمها يكون كثيرًا هذا يرد كثيرًا إما أن تكون البينة تسمع إقرار هذا المدعى عليه وهم لا يعلمون بها أو تكون شهدت على إقراره بغير حضور المدعي أو ما أشبه ذلك.
طيب وقوله: ( اليمين على المدعى عليه ) ظاهر الحديث أن ذلك في كل دعوى يعني بمعنى أننا نوجه اليمين على كل مدعى عليه سواء كان للرجوع إليه من الأمور المالية أو التي يقصد بها المال أو من الأمور الدموية أو من الحقوق، فإن اليمين على المدعى عليه.
طيب إذا أبى قال لا أحلف إما أن يأتي ببينة وإلا أنا لا أحلف، لأنه قد يكون هذا الرجل يغير على الناس يغير على الناس ويحضرهم إلى القاضي ويهدم شرفهم، ثم يقول الرجل أنا لا أحلف، قال العلماء: إذا لم يحلف قضي عليه بالحكم، لأننا نقول له لماذا تمتنع من اليمين احلف إن كنت صادقًا فإن اليمين لا يضرك، وإن كنت كاذبًا فعليك الإثم، وكونك تمتنع عن اليمين يدل على أن المدعي إيش؟ صادق وإلا فما يضرك لا يضرك شيء، لكن الفقهاء رحمهم الله خصصوا هذا العموم فيما إذا كان الأمر مما يقضى فيه بالنكول، وأما إذا كان لا يقضى فيه بالنكول فإنه لا يلزم المدعى عليه الحلف، مثاله: لو أن رجلًا ادعى على امرأة أنها زوجته قال هذه زوجتي، فقالت: لا، ليست بزوجة له، فعلى ظاهر الحديث نقول للمدعي إيش؟ نقول للمدعي البينة، لأن المرأة أنكرت قال ليس عندي بينة، أو قال عندي بينة وماتت أو فقدت أو جنت أو ما أشبه ذلك، ماذا نعمل؟ نوجه على ظاهر الحديث نوجه الدعوى إلى المرأة ونقول احلفي أنه ليس زوجك، إذا أبت وقالت لا أحلف هل يقضى عليها بالنكول؟ لا، لكن ظاهر الحديث أنه يقضى عليها بالنكول لأن الرسول جعل اليمين هي التي تنفي الدعوى وهذا فيه نظر، أعني أن نجعل الحديث عامًّا لأن في هذا مفاسد كثيرة، قد تكون بعض النساء تتحرج أو تتورع أن تحلف وإن كانت صادقة، فيحصل بذلك شر كثير ولهذا خصص الفقهاء رحمهم الله بما إذا كانت الدعوى لا يقضى فيها بالنكول، فإذا كان لا يقضى فيها بالنكول فإنه إذا نكل المدعى عليه لم يحكم عليه بمقتضى دعوى المدعي.
البينة ذكرنا أنها كل ما بان به الحق سواء كنت بينة منفصلة كالشاهدين مثلًا، أو بينة بالقرائن والأحوال وهو كذلك، وقد مرّ علينا مثال من هذا وهو القضاء بالشاهد واليمين قلنا الشاهد وحده لا يكفي، لكنه إيش؟ عزز بماذا؟ باليمين، ولهذا لما رجح جانب المدعي بالشاهد صار اليمين مقررًا لدعواه.