باب : (( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خيره له عند ربه )) . حفظ
القارئ : باب : (( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خيره له عند ربه )) .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم
قال البخاري رحمه الله تعالى فيما ساقه من كلام الله تبارك وتعالى: باب (( وإذ بوأنا لإبراهيم )) يعني هذا باب في هذه الآيات، فهو خبر مبتدأ محذوف، ولا يضاف إلى ما بعده لأنه مستقل.
(( وإذ بوأنا لإبراهيم )) أي اذكر يا محمد (( إذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت )) أي هيأناه له وبيناه له، والمراد بالبيت الكعبة.
(( أن لا تشرك بي شيئاً )) يعني أن هذا التبويء مبني على التوحيد (( أن لا تشرك بي شيئاً ))، وليس لإقامة أحجار تعبد من دون الله، ولكن للتوحيد، وقوله (( أن لا تشرك بي شيئاً )) نكرة في سياق النفي أو في سياق النهي؟ النهي، بدليل أنها جزمت أن لا تشرك، جزم الفعل فيدل على أن لا ناهية وليست نافية.
(( أن لا تشرك بي شيئاً )) لا ملكاً مقرباً ولا نبيا مرسلاً ولا حجراً ولا شمساً ولا وقمراً ولا شيئاً، أما في العبادة فلا يستثنى من هذا شيء، لا يجوز للإنسان أن يعبد أحداً بأي عبادة كانت تطوعاً كانت أو واجباً.
وأما فيما يتعلق بالربوبية فلا بأس أن ينسب الشيء إلى مخلوق إذا صح أنه قائم به، مثل : إضافة الأشياء إلى أسبابها بشرط أن يعتقد الإنسان أن هذا السبب من عند الله عز وجل وليس مستقلاً بالتأثير في المسبب، ولهذا يجوز للإنسان أن يقول ما شاء الله ثم شئت، ويجوز للإنسان أن ينسب الشيء إلى سببه المعلوم حساً أو شرعا، فمثلا ينسب الشفاء إلى العسل، لأنه معلوم شرعاً وحساً، ينسب الشفاء إلى دواء لم يذكر في القرآن لكنه مؤثر يصح، لكن بشرط أن يكون عند الإنسان عقيدة بأن هذه الأسباب إيش؟ لا تؤثر بذاتها ولكن بما أودعه الله فيها من القوى.
ويدخل في قوله : (( أن لا تشرك بي شيئاً )) النهي عن تمثيل المخلوق بالخالق في الأفعال أو في الأوصاف، ولهذا قال الله تعالى : (( فلا تضربوا لله الأمثال )) فلا يحل لأحد أن يعتقد أن الله تبارك وتعالى مماثل لأحد من المخلوقين، ولا أن أحداً مماثل لله.
(( وطهر بيتي )) أضافه الله إليه تشريفاً وتكريماً كما أضاف الناقة إليه كذلك تشريفاً وتكريماً في قوله (( ناقة الله ))، وليس المراد أنه بيت يسكنه، حاشا وكلا، فإن الله تعالى لا يحيط به شيء من مخلوقاته، وهو في السماء على العرش، كذلك الناقة، ليس المعنى أنها ناقة الله التي يركبها، كلا وحاشا، ولكن هذه الإضافة من باب التشريف.
(( بيتي )) إلى آخره، إضافة هذا البيت إلى الله يوجب أن يتعلق به المسلم وأن يعظمه،لأن الله عظمه بإضافته إليه، وقد قال الله تعالى عن إبراهيم : (( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليه ))؟
(( للطائفين والقائمين والركع السجود )) بدأ بالطائفين لأن الطواف أخص عبادة تتعلق بهذا البيت، لا يطاف بغيره، لا يطاف إلا بهذا البيت فقدمها، لأنها أخص عبادة تتعلق به، ويذكر أن بعض الخلفاء نذر أن يتعبد لله عبادة لا يشاركه فيها أحد فسأل كثيراً من العلماء، وقالوا: لا يمكن، إن صليت فلعل غيرك يصلي، إن صمت فلعل غيرك يصوم، إن تصدقت فلعلى غيرك يتصدق، ففتح الله على بعضه وقال له: يخلى لك المطاف، يعني امنع الناس من الطواف وطف وحدك حينئذٍ لا يشاركه أحد ،لأن الطواف خاص بالبيت.
وقوله (( والقائمين )) أي المقيمين فيه، ويحتمل القائمين في الصلاة بقرينة قوله : (( الركع السجود ))، وفي آية أخرى : (( والعاكفين )) بدل القائمين، فإذا قلنا القيام بمعنى المكث صارت الآيتان بمعنى واحد، وإذا قلنا القيام يعني القيام في الصلاة، اختلف المعنى ويكون تطهير البيت للطائف والمعتكف والقائم في الصلاة والراكع والساجد.
(( وأذن في الناس بالحج )) يعني أعلمهم به على وجه الإعلام والإبانة، (( بالحج )) يعني إلى هذا البيت.
(( يأتوك رجالاً )) سبحان الله، (( يأتوك )) هذه مجزومة وش اللي جزمها؟ لأنها جواب الأمر، يعني كأنه قال: إن تأذن يأتوك، ولهذا ذهب بعض النحويين إلى أن الجزم هنا لشرط محذوف معلوم من السياق، والتقدير: إن تأذن يأتوك، لكننا نركب السهل في خلاف النحو، وأيهما أسهل؟ عدم التقدير، فنقول هي جواب الأمر، والمعنى واحد، أذن بالناس في الحج يأتوك، وهذا يدل على أن أذان إبراهيم عليه السلام سيؤثر في الناس.
(( يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر )) رجالاً أي يمشون على أرجلهم، وهي حال، لأنها وإن كانت اسماً جامداً لكنها بمعنى المشتق إذ المعنى يأتوك راجلين، (( وعلى كل ضامر )) يعني ويأتوك أيضاً على كل ضامر، (( يأتين من كل فج عميق )) الله أكبر، الضامر الناقة المضمرة التي يخف لحمها وشحمها وتكون مستعدة تماماً للسير، وهذا معنى تضمير الإبل، الناقة المضمرة في عهد الإبل كالسيارة التي تسمى في الوقت الحاضر الشبح، أحسن السيارات وأسوقها
وقوله (( من كل فج عميق )) أي من كل ناحية بعيدة، كان الناس من أقصى الصين، ومن أقصى إفريقيا، قبل أن تفتح قناة السويس، كانت إفريقيا وآسيا ملتحمة بعضها مع بعض، ثم حفرت القناة من اجل أن يسهل عبور هذه القناة من البحر الأبيض إلى البحر الأحمر، لكن يأتي هؤلاء على كل ضامر من كل فج عميق، وشاهدناهم يعني قبل، يأتون على أرجلهم من الهند والباكستان وما وراء ذلك، يأتون على أرجلهم، يمشون ستة أشهر من بلادهم إلى مكة، كلما مروا ببلد بقوا فيها ما شاء الله أن يبقوا، ومنهم من يكون لديه صناعة يستأجر دكان صغير ويصنع، أذكر أنهم يصنعون لنا شيئاً مثل اللعبة كذا، ويجر الحبل ويبدا يبترم ويبيعون علينا، ويبيعون أيضاً أشياء حاويات صغيرة للفناجين وغيرها، المهم أنهم يمشون من بلادهم ويتكسبون في البلاد التي يتوقفون فيها حتى يصلوا إلى البيت، ثم يرجعون كذلك ستة أشهر، أنظر سبحان الله القلب هو الذي يمشي الإنسان.
بعيد على كسلانَ أو ذي مَلالة *** فأما على المشتاق فهو قريب
(( ليشهدوا منافع لهم )) اللهم لك الحمد، بدأ بنصيبنا قبل نصيبه عز وجل (( ليشهدوا منافع لهم )) أي يحضروها بأيش؟ بالبيع والشراء والتكسب، كما قال الله عز وجل : (( ليس عليكم أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفات ))، كذلك أيضا من المنافع معرفة المسلمين لأحوال إخوانهم وما يلزم نحوهم، وكذلك من المنافع الإلفة والمودة والمحبة وشكاية الأحوال إلى الآخرين، المهم أن كلمة منافع كل يعرف أنها صيغة منتهى الجموع فتشمل منافع عظيمة جداً.
(( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات )) بعض العلماء يقول كما أشرت إليه أولاً إن هذا دليل على أن فوائد الحج العامة يعني أهم من ذكر اسم الله وهو النحر ولكن عندي أننا نقول : ويذكروا اسم الله من باب عطف الخاص على العام، لأن ذكر اسم الله عز وجل على بهيمة الأنعام منفعة دينية ودنيوية.