أيضاً يقول شخص تارك للصلاة عارف بوجوبها يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويعترف بأنه مخطيء يسمع الأذان ولكنه لا يصلي وقد سمعت من بعض العامة بأنه كافر والآخر يقول بأنه مؤمن عاصي وما الفرق بين المسلم والمؤمن وفقكم الله لما فيه خير الإسلام والمسلمين ؟ حفظ
السائل : أيضاً يقول شخص تارك للصلاة عارف بوجوبها يشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمداً رسول الله ويعترف بأنه مخطئ يسمع الأذان ولكنه لا يصلي وقد سمعت من بعض العامة بأنه كافر والأخر يقول بأنه مؤمن عاصي وما الفرق بين المسلم والمؤمن وفقكم الله إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين؟
الشيخ : هذه المسألة من المسائل الهامة التي يجب العناية بها، وذلك أن هذا الرجل الذي كان يترك الصلاة وهو معترف بوجوبها ولكنه يسمع الآذان ولا يصلي كما في السؤال.
السائل : نعم.
الشيخ : إن كان يترك الصلاة مع الجماعة فإنه ليس بكافر، وإنما يكون إذا تركها مع اعتقاده بوجوبها يكون فاسقاً عاصياً لله ورسوله لأن وجوب صلاة الجماعة ظاهر في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولكنه إذا تركها لا يكون كافراً.
أما إذا كان يترك الصلاة بالكلية لا يصليها وحده ولا مع الجماعة فهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم، والصواب من أقوالهم أنه يكون كافراً كفراً مخرجاً عن الملة، وذلك لدلالة الكتاب والسنة على كفره. ونحن نذكر الأن بعض هذه الأدلة لأن حصرها لا يمكن في مثل هذه الحلقة.
السائل : نعم.
الشيخ : فمن دلالة القرأن على كفره قوله تبارك وتعالى (( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلَّا مَنْ تَابَ وَءامَنَ )) فإن قوله (( وءامن )) يدل على أنه قبل ذلك حين إضاعته الصلاة ليس بمؤمن، ومن لم يكن مؤمناً فهو كافر إذ لا واسطة بينهما كما قال الله تعالى (( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ )) وكذلك قوله تعالى (( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَءاتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ )) فإن هذه الأية الكريمة تدل على أن المشركين إذا تابوا من الشرك بأن شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة كانوا إخواناً لنا في الدين، لأنهم كانوا حينئذ مؤمنين، والمؤمنون إخوة. ومفهوم الأية الكريمة أنهم إذا لم يتوبوا من الشرك أو لم يقيموا الصلاة أو لم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوة لنا في الدين، وهذا يعني أنهم كفار، فإذا لم يتوبوا من الشرك فهم كفار بلا شك وإذا تابوا من الشرك ولم يقيموا الصلاة فإن مفهوم الأية الكريمة يدل على أنهم كفار على ما قررناه.
السائل : نعم.
الشيخ : وإذا تابوا من الشرك وأقاموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فإن مفهوم الأية الكريمة أيضاً يدل على أنهم كفار على ما قررناه ءانفاً. وقد ذهب إلى هذا بعض أهل العلم، وهو رواية عن الإمام أحمد، أي: ذهبوا إلى أن من لم يؤد الزكاة مع اعترافه بوجوبها فهو كافر. ولكن الصحيح أنه لا يكفر وإنما يكون عاصياً فاسقاً مستحقاً للوعيد الشديد الذي ذكره الله تعالى في كتابه، وذكره رسوله صلى الله عليه وسلم في السنة الصحيحة فيمن منع إخراج الزكاة، ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر عقوبة من لم يؤد الزكاة قال ( ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ) .
السائل : نعم.
الشيخ : وإذا كان يمكن أن يرى سبيله إلى الجنة فإنه ليس بكافر إذ الكافر لا يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة وعلى هذا فيكون هذا الحديث منطوقه مقدماً على مفهوم الأية الكريمة، لأنه من المقرر عند أهل العلم أن المنطوق مقدم على المفهوم. هاتان ءايتان من كتاب الله تدلان على كفر تارك الصلاة، وأما السنة فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة ) وقال صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة الذي في السنن، وهو إما صحيح أو حسن، قال فيه ( العهد الذي يننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) فهذان حديثان يدلان على أن تارك الصلاة كافر، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب إقتضاء الصراط المستقيم الفرق بين كون الإنسان، بين لفظ الشارع في قوله هذا كفر، وفي قوله الكفر بالتعريف.
السائل : نعم.
الشيخ : فقال: إن الكفر تدل على أن المراد به الكفر المطلق المخرج من الإسلام، وهذا هو التعبير الذي جاء في حديث جابر ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) .
فإذا قال قائل: ألا يمكن أن يجعل الكفر المذكور في الحديث مثل الكفر الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) . فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( وقتاله كفر ) يعني قتال المؤمن، ليس المراد به الكفر المخرج عن الملة بدلالة القرأن على ذلك حيث قال الله تبارك وتعالى (( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )) (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ )) فقتال المؤمن للمؤمن كفر كما في الحديث، ومع ذلك لم يخرجه من الملة، لقوله تعالى (( فأصلحوا بين أخويكم )) .
فالجواب على ذلك أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قتاله كفر ) بالتنكير.
السائل : نعم.
الشيخ : ولم يقله بالتعريف بخلاف التعبير عنه في تارك الصلاة فإنه قال ( بين الرجل وبين الكفر والشرك ) .
السائل : نعم.
الشيخ : وقد مر علينا ءانفاً كلام شيخ الإسلام في هذه المسألة، فيكون معنى ( قتاله كفر ) أي أن نفس القتال هذا كفر، لأنه يتنافى مع الإيمان، إذ لو كان مؤمناً حقاً ما قاتل أخاه المؤمن.
وعلى هذا فيكون الكتاب والسنة قد دلا على كفر تارك الصلاة كفراً مخرجاً عن الملة، وكذلك أيضاً الصحابة رضي الله عنهم روي عنهم ما يدل على ذلك كما في الصحيح عن عمر رضي الله عنه أنه قال: " لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة " . وقد حكى بعض العلماء إجماع الصحابة أو جمهورهم على كفر تارك الصلاة.
السائل : نعم.
الشيخ : وعلى هذا إذا قلنا بأنه كافر -وهو القول الحق إن شاء الله- إذا قلنا بذلك فإنه يُحكم بردته، ويثبت في حقه ما يثبت في حق المرتدين من انفساخ زوجته منه إن كان متزوجاً لأن المسلمة لا تحل لكافر بنص القرأن، وكذلك أيضاً لا يغسل إذا مات، ولا يكفن، ولا يدفن في مقابر المسلمين لأنه ليس منهم، ويجب على أهله وذويه الذين يعلمون منه ترك الصلاة وإصراره على الترك إلى أن مات يجب عليهم أن يدفنوه بعيداً عن مقابر المسلمين، ويحرم عليهم أن يغسلوه أو يكفنوه أو يقدموه للمسلمين يصلون عليه، لأن ذلك من غش المسلمين، فإن المسلم لا يجوز له أن يصلي على الكافر لقوله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم (( وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ )) يعني من المنافقين (( مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ )) فالعلة هي الكفر.
السائل : نعم.
الشيخ : وعلى هذا فلا يصلى على كل كافر سواء كان أصلياً أم مرتداً كتارك الصلاة.
وينبني على ذلك أيضاً أنه لا يرثه أقاربه المسلمون إذا مات على هذه الحال لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ) . وكذلك هو لا يرث أحداً من أقاربه المسلمين إذا مات قريب له وهو في حال ترك الصلاة. وكذلك ينبني عليه أنه لا يصح حجه لو حج وهو لا يصلي، وينبني عليه أيضاً أنه لا يحل له أن يدخل مكة ولا حرمها لقول الله تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا )) .
وهذه المسألة مهمة جداً، يجب العناية بها والتنبه لها، ويجب على من علم بشخص هذه حاله أن ينصحه أولاً ويرشده إلى الحق ويخوفه من عذاب الله سبحانه وتعالى، فإن انتهى واستقام وأقام الصلاة فذلك من نعمة الله عليه وعلى من نصحه وأرشده، وإن لم يفعل فالواجب على من علم به أن يرفعه إلى ولاة الأمور.
السائل : نعم.
الشيخ : وعلى ولاة الأمور أن يقوموا بما أوجب الله عليهم في معاملة هذا الشخص وأمثاله. ونسأل الله تعالى للجميع التوفيق والهداية إنه جواد كريم.