ما حكم تارك الصلاة ؟ حفظ
السائل : بالنسبة جزاك الله خير لتارك الصلاة: الآن طبعًا كثير من أهل العلم بعضهم يقول بأنه كافر، وبعضهم يقول: هو فاسق، فهل يعني ما حكمك في هذه المسألة وهل هو كفر دون كفر ولّا كفر يخرج من الملة؟
الشيخ : نحن ذكرنا المسألة في سلسلة الأحاديث الصحيحة، وذكرنا بأن من ترك الصلاة عامدًا متعمدًا جاحدًا لها فهو كافر بإجماع الأمة، أما إن تركها كسلًا معترفًا بوجوبها ويتمنى من الله عز وجل أن يهديه وأن يوفقه للصلاة فهذا ليس بكافر كفرًا يرتَدُّ به و يخرج به من الملة، لأن الكفر الذى يخرج به صاحبه من الملة مقرُّه القلبُ، فإذا كان هذا التارك للصلاة مؤمنًا في قلبه معترفًا بما فرض الله عليه من فرائض، لكنه يعترف بأن الشيطان والنفس الأمارة بالسوء والتجارة وإلى آخره - لا شك أنّ هذا التعلل مردود عليه - ولكن يشفع له أن لا يُكَفَّر ما دام أنه يؤمن بما شرع الله تبارك تعالى، والعلماء المحققون كابن تيمية وابن قيم الجوزية وغيره قد وضعوا قاعدة عامة ألا وهى التفريق بين الكفر العملي والكفر الاعتقادي، فمن وقع في الكفر الاعتقادي فهو الذي يرتد عن الدين، أما من وقع في الكفر العملي فهذا لا يحكم بردته وإنما بفسقه وفجوره، فتارك الصلاة هكذا لا يُحكَم بأنه كافر إلا إذا جحد ذلك جحدًا، فحينئذٍ يكفر، ولذلك كان مذهب جماهير العلماء عدم تكفير تارك الصلاة إلا مع الجحد، وهذه رواية عن الإمام أحمد نفسه ووافق فيه جماهير الائمة على أن الترك لو كان ليس عن جحد فهو فسق وليس كفرًا.


السائل : طيب بالنسبة للحديث بارك الله فيك بالنسبة للحديث ( العهد الذى بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) فياريت تشرح الحديث؟
الشيخ : ما هو، بارك الله فيك ليس هذا هو أول حديث يقال فيه: من فعل كذا فقد كفر، عندكم الحديث المشهور ( من حلف بغير الله فقد كفر ) ألا نقول نحن: من قال: " وحياة أبي " إنه ارتد عن دينه وأنتم تعلمون مثلًا حديث عمر بن الخطاب في صحيح البخاري لَمَّا سمعه الرسول عليه السلام يحلف بأبيه فقال عليه السلام: ( لا تحلفوا بآبائكم، من كان منكم حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت )، وفي حديث ابنه عبد الله بن عمر قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) وفي رواية أخرى ( فقد كفر )، فلا يلزم من مجيء اللفظ (من فعل كذا فقد كفر) أي أنه كَفَرَ كُفْرَ رِدَّة، وإنما له يعني معاني كثيرة منها مثلًا ( كفر ) أي أشرف على الكفر، ( كفر ) كفرًا عمليًّا، ونحو ذلك من المعاني التي يضطر إليها أهل العلم للتوفيق بين النصوص، ( من ترك الصلاة فقد كفر ) نقول: ( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ) ( من قال لا إله إلا الله نفعته يومًا من دهره ) كما جاء في حديث البزار وغيره ( أيما عبدٍ أَبِقَ من مولاه فقد كفر ) هذه ألفاظ كثيرة وكثيرة جدًّا ( فقد كفر ) ( فقد كفر ) ولا يوجد حديث يفسَّر هكذا على ظاهره إذا جاء بلفظ ( فقد كفر )، هذا الحديث حديث ( من ترك الصلاة قد كفر ) يُعامَل نفس المعاملة التي تُعامَل بها الأحاديث الأخرى التي تشترك مع حديث الصلاة في لفظة فقد كفر. هاهنا يأتي تآويل كثيرة لهذا النصّ ككثير من الأحاديث مثلًا: ( لا يدخل الجنة قَتَّات ) ( لا يدخل الجنة نَمَّام ) هل معنى ذلك أنه كفر بسبب مهنته؟ الجواب: إن كان يستحل ذلك بقلبه فقد حرُمَت عليه الجنة، إن كان يعترف بتحريم ذلك ويعترف بأنه مخطئ وأنه مذنب ومجرم، فهو أمره إلى الله كما قال عز وجل: (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ))، فترك الصلاة هو فِعْلٌ يعرض صاحبه أن يموت -والعياذ بالله - على غير الإيمان، وترك الصلاة هو من شيم الكفار الذين لا يصلون لا يؤتون الزكاة ولا يصلون، فالمسلم إذا لم يصلي فقد شابه الكفار فكفرُه هنا كفر عمليّ، والأحاديث كثيرة وكثيرة جدًّا التي لا بد من تأويلها مثلًا قال عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع وقد خطب فيهم وأمر جرير بن عبد الله البجلي أن ينصت الناس فقال عليه السلام: ( لا ترجعوا بعدى كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض ) ... ألا وقوله عليه السلام: ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) فإذا قتل مسلم مسلمًا أو قاتله - يرحمك الله - [يشمت أحدًا] هل هذا يرتد عن دينه؟ الجواب: لا، لأن الله قال: ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) فاعتبر كلًّا من الطائفتين - الباغية والمبغِي عليها - من المؤمنين، مع أن الرسول يقول في الحديث السابق: ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )، فبماذا يفسرون الكفر؟ كفر دون كفر، كفر عملي، وهكذا أيضًا أحاديث الصلاة التي فيها التصريح بأن من ترك الصلاة فقد كفر إما أن يقال: أشرف على الكفر الاعتقادي، أشرف أن يموت على غير ملة الإسلام، أو أنه كفر كفرًا عمليًّا، هذا التأويل لا بد منه حتى لا نضرب أحاديث الرسول عليه السلام بعضها ببعض نعم.