شرح قول المصنف "... وماش ويلزمه الافتتاح والركوع والسجود إليها...". حفظ
الشيخ : قال المؤلف " وماشٍ " هذا معطوف على قوله راكب، يعني ولماشٍ ولمتنفل ماش يعني يمشي على قدميه فيجوز للإنسان المسافر إذا كان يمشي على قدميه يجوز أن يكون اتجاهه حيث كان وجهه ويسقط عنه استقبال القبلة إلا أنه قال " ويلزمه الافتتاح والركوع والسجود إليها " يلزمه أي الماشي الافتتاح إلى القبلة لأنه إذا لزِم الراكب مع معاناة صرْف المركوب فلُزومه في حق الماشي من باب أولى لأن انصراف الماشي إلى القبلة أسهل من انصراف مركوبِه، لو كان راكبا كذلك يلزمه الركوع والسجود إليها أيضا، أما الراكب فلا يلزمه ركوع ولا سجود وإنما يومئ إيماء أما الماشي فيلزمه الركوع والسجود إليها أي إلى القبلة، فيختلف عن الراكب في أمرين، في أنه يلزمه الركوع والسجود والراكب يكفيه الإيماء.
الثاني أنه يجب أن يكون الركوع والسجود إلى القِبلة بخلاف الراكب والعِلْة في ذلك قالوا لأن هذا سهْل على الماشي سهْل، أما الراكب فلا يتحقّق له الركوع والسجود إلى القبلة إلا إذا نزل ونزوله من المركوب فيه صعوبة ومشقة ولكن الصحيح أننا إن جوّزنا للماشي فإنه لا يلزمه الركوع والسجود إلى القبلة لأن في ذلك مشقّة أيضا لأنه يستلزم الوقوف، الوقوف للركوع والسجود والجلوس بين السجدتين وهذا يُعيقه بلا شك لكن لو قلنا تومئ إيماء لكان يمكنه أن يومئ وهو ماشي في ركوعه وسجوده، فالصحيح أننا إذا قلنا بجواز ذلك للماشي فإنه لا يلزمه الركوع والسجود إلى القبلة بل حكمه حكم الراكب في أنه يلزمه الافتتاح فقط لأن الافتتاح مُدّته وجيزة والانحراف إلى القِبلة فيه يسير فلا يضُر وإلا فيمشي على ما هو عليه ولكن نحن قلنا إن قلنا بالجواز وهذا يدل على أن في المسألة خِلافا وهو كذلك فإن من العلماء من يقول إن المسافر الماشي لا يجوز أن يتنفل حال مشيه لأن الماشي سوف يعمل أعمالا كثيرة بالمشي والراكب ساكن لا يعمل فلا يُلحق هذا بهذا ولأن تنفّل الراكب، المسافر الراكب على خلاف الأصل وما جاء على خلاف الأصل فهو خارج عن الأصل ولا يُقاس عليه ولكن الذي يظهر والله أعلم إن القول الراجح ما قاله المؤلف في إلحاق الماشي بالراكب لأن العِلّة في جواز التنفّل على الراحلة بدون عُذْر هو حمْل الإنسان وتشجيعه على كثرة النوافل وهذا حاصل للمسافر الماشي كما هو حاصل للمسافر الراكب.
وقولهم إن هذا خلاف الأصل وما كان خلاف الأصل فلا يُقاس عليه نقول في جوابه ما خرج عن الأصل لعِلّة معقولة فلا مانع من أن يُقاس عليه لأن القاعدة الشرعية في هذه الشريعة أنها لا تُفرِّق بين متماثلين ولا تجمع بين متفرقين فإذا علِمنا أن الشارع إنما رخّص في الصلاة حيث كان وجهه وعلى بعيره من أجل أن يَحمل الناس على كثرة النوافل ولا يحرمَهم فنقول هذا أيضا في الماشي، وكثير من الناس المسافرين لا يجدون مركوبا فتجِدهم يمشون مع الركبان على أقدامهم من بلادهم إلى أن يرجعوا إلى بلادهم، وهذا شيء معلوم يعرفه الناس من قبل لما كانوا يُسافرون على الإبل.
طيب قال " ويلزمه الركوع والسجود إليها " ثم بيّن المؤلف رحمه الله، الماتِن لم يُفصح بما يجب على المتنفّل الراكب أو الماشي بل ذكر أنه لا يلزمه استقبال القبلة ولكن ماذا يستقبل؟ لم يُبيّن ذلك وإلا لا؟ ولكن قد بيّنت السنّة هذا قبل المؤلف وهو أن قِبْلته جِهة سيره فلابد أن يكون متجها إما إلى القبلة وإما إلى جهة سيره، فلو فرضنا أنه انحرف البعير عن جهة سيره إلى جهة القبلة صح وإلا لا؟ صح، لأنها هي الأصل ولو حَرَفها عن جهة سيره لغير القِبلة قال العلماء لا يجوز لأنه خرَج عن استقبال القِبلة وخرج عن استقبال سيره الذي أباح الشارع أن يكون قِبلته من أجل تسهيل سيره فإذا عدل بها عن جهة سيره فإنها تبطل، أما إذا عدلت به الدابة وعصفت به فقال بعض أهل العلم إن طال الفصل بطلت صلاته وإن لم يطُل لم تبطل صلاته، والصحيح أنه إذا عجز عن ردِّها لا تبطل مُطلقا لأنه يدخل فيما سبق في العاجر عن استقبال القبلة، ماذا يصنع هذا الرجل الذي جفلت به الدابة وصارت تمشي على غير هدى وهو عاجر عن كبْح جماحها، الصحيح أنه إذا عجز لم تبطل ولو طال الفصل.