شرح قول المصنف "... ثم يقول : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك...". حفظ
الشيخ : " ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك " نعم، "سبحانك اللهم وبحمدك" هذه جملة تتضمن التنزيه والإثبات، تتضمن التنزيه بقوله "سبحانك اللهم" والإثبات في قولك "وبحمدك" لأن الحمد هو وصف المحمود بالكمال، وصف المحمود بالكمال فتكون هاتان الجملتان جامعتين للتنزيه وش بعد؟ والإثبات، أولا قوله "سبحانك" هذه اسم مصدر من سبّح يُسبّح والمصدر إيش؟ تسبيح، واسم المصدر سبحانك، قالوا وهو دائما منصوب على المفعولية المطلقة محذوف العامل مضاف ... أنه منصوب على المفعولية المطلقة دائما والثاني محذوف العامل والثالث مضاف، ومعناه تنزيه لك يا رب وعما عن ماذا تنزه الله؟ تنزهه عن كل نقص والنقص إما أن يكون في الصفات أو في مماثلة المخلوقات فصفاته التى يتصف بها منزّه فيها عن كل نقص، يتصف بالعلم أي علم؟ العلم الكامل بالحياة الكاملة بالسمع الكامل، بالبصر الكامل وهكذا جميع الصفات التى يتصف بها هو فيها منزه عن النقص، كذلك منزه عن أن يوصف بصفة نقص محضة ما هو بنقص في كمال، بصفة نقص محضة مثل أن يوصف بالعاجر أو بالظالم أو ما أشبه ذلك منزّه عن مماثلة المخلوقات ولو فيما هو كمال في المخلوق فإن الله تعالى منزّه عنه فمنزه عن أن تكون صفاتُه الخبرية كصفات المخلوقين مثل الوجه واليدين والقدم والعينين منزّه عن أن يكون، أن تكون هذه الصفات خبرية كصفات المخلوقين، كذا؟ طيب،وأن تكون صفاته الذاتيه كصفات المخلوقين فعلمه ليس كعلم المخلوق لأن علم المخلوق كله نقص، نقص في ابتداءه لأنه مسبوق بجهل وفي غايته لأنه ملحوق بالنسيان وفي شموله لأنه قاصر حتى روحك التى بين جنبيك لا تعلم عنها شيء (( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليل )) حتى ما تريد أن تفعله غدا لست على يقين من أن تفعله لكنك ترجو وتُؤمل وإلا (( فلا تعلم نفس ماذا تكسب غدا )) إذًا هذا نقص عظيم حتى في العلم البشر ناقص أما الله عز وجل فإنه كامل العلم.
كذلك أيضا لا يُماثل المخلوق في صفاته الفعلية مثل الاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا والمجيء إلى الفصل بين العباد والرضى والغضب وما أشبه ذلك لا يماثل شيء من هذه الصفات لشيء من صفات المخلوقين وإن وافقها في الاسم فالاسم هو الاسم ولكن المسمى غير مسمى، الصفة هي الصفة ولكن الموصوف غير الموصوف فلا تماثل بين الخالق والمخلوق.
إذًا يُنزّه الله سبحانه وتعالى عن ثلاثة أشياء، عن النقص في صفات الكمال وعن صفات النقص المجردة عن الكمال والثالث عن مماثلة المخلوقين وتمثيله بالمخلوقات نقص لأن تسوية الكامل بالناقص تجعله ناقصا بل قال الشاعر
" ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصى " .
أو قلت والله عندي سيف، سيف عظيم وقمت تمدحه مدح كثيرا فقلت هو أمضى من العصى ماذا يكون تصوّر الإنسان لهذا السيف بعد مدحك العظيم له إذا قلت هو أمضى من العصى؟ هاه؟ يهبط هبوطا عظيما ولا ترى لهذا السيف قدره لأنك نفيت أن يكون مماثلا للعصى وسيفا يمكن أن يكون، أن يتصور الإنسان مماثلته للعصى سيف لا خير فيه، طيب.
أما الحمد فقلت إنه وصف المحمود بالكمال، الكمال الذاتي والفعلي، الله سبحانه وتعالى كامل في ذاته ومن لازم كماله في ذاته أن يكون كامل في صفاته، كذلك في فعله ففعله دائر بين العدل والإحسان، لا يمكن أن يظلم إما أن يُعامل عباده بالعدل وإما أن يُعاملهم بالإحسان فالمسيء يُعامله بالعدل (( وجزاء سيئة سيئة مثلها )) لا يُمكن أن يزيد والمحسن يُعامله بالفضل (( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها )) ففعله عز وجل دائر بين الأمرين ومن كان فعله دائرا بين الأمرين هذين وهما العدل والفضل فلا شك أنه محمود على أفعاله كما هو محمود على صفاته.
إذًا جمعت الأن بين التنزيه والكمال "سبحانك اللهم وبحمدك" وعلى هذا فالواو تُفيد معنى المعية يعني ونزّهتك تنزيها مقرونا بإيش؟ بالحمد، طيب، وتبارك اسمك، اسم هنا مُفرد لكنه مضاف، مضاف فيشمل كل اسم، فيشمل كل اسم، كل اسم من أسماء الله وهل المراد بالاسم هنا المسمى كما في قول "تباركت يا ذا الجلال والإكرام" ويكون المراد بتبارك اسمك أي تباركت كقول سبّح اسم ربك الأعلى والمسبّح من؟ الله المسمى، أو أن المراد أن اسم الله نفسه كله بركة؟ وإذا كان اسم المسمى بركة فالمسمى أعظم بركة وأشد وأولى.
الثاني أظهر لأننا نَسْلم فيه من التجوّز بالاسم عن المسمى ويُفهمنا هذا أن تبارك الاسم تبارك لإيش؟ للمسمى، طيب، أعطونا مثالا من بركة الاسم؟ مثال من بركة اسم الله لو ذبحت ذبيحة بدون تسمية لكانت ميتة نجسة حراما، صح؟ هاه؟ جيفة، ولو سميت الله عليها كانت ذكية طيبة حلالا، هذا من البركة.
إذا سمّيت على الطعام لم يشاركك الشيطان فيه هذه بركة وإن لم تسمي شاركك، إذا سمّيت على الوضوء على قول من يرى وجوب التسمية صح وضوؤك وإن لم تسمي بطل وضوئك وعلى قول من يرى استحبابها يكون وضوؤك أكمل مما لو لم تسمّي فهذه من بركة اسم الله عز وجل وكل أمر لا يُبدؤ فيه باسم الله فهو ...
"وتبارك اسمك وتعالى جدك" تعالى يعني ارتفع ارتفاعا معنويا والجَد بمعنى العظمة يعني أن عظمةك عظمة عظيم عالية لا يُساميها أي عظمة من عظمة البشر بل من عظمة المخلوق كلهم وتعالى جدك ولا إله غيرك، لا إله غيرك هذه هي كلمة التوحيد التى أرسِل بها جميع الرسل (( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )) ومن كان أخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة فهي من أفضل الذكر أو أفضل الذكر ومعناها لا معبود حق إلا الله فإله بمعنى مألوه وهو اسم لا النافيه للجنس وخبرها محذوف، خبرها محذوف وإلا الله إلا أداة استثناء والله بدل من الخبر المحذوف، هذا أصح ما قيل في معناها وفي إعرابها، إذًا معناها لا معبود حق إلا الله فهل هناك معبود باطل سوى الله؟ نعم، هناك معبود باطل سوى الله لقوله تعالى (( ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل )) وهذه الألهة وإن سُمّيت ألهة فهي باطلة (( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وءاباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان )) هذه الكلمة لها مقتضى، مقتضاها التسليم التام لله عز وجل لأن العبادة مأخوذة من الذل ومنه طريق معبّد أي مذلّل مسهّل فمقتضى هذه الكلمة العظيمة الاستسلام لله تعالى ظاهرا وباطنا فأنت الأن تُخبر خبرا تنطقه بلسانك وتعتقده بجنانك بأن الله هو المعبود حقا وما سواه فهو باطل، طيب، ثم تأمّل كيف جاءت هذه الكلمة التى فيها توحيد الله في ألوهيته بعد الثناء عليه ليكون توحيده بالألوهية مبنيا على كماله، واضح؟ هاه؟ "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك" كل هذا ثناء على الله بالكمال ثم قال "ولا إله غيرك" فيكون هذا السابق كالسبب المبني عليه ... يعني أنه لكمال صفاتك لا معبود حق إلا أنت ولا إله غيرك هذا هو دعاء الاستفتاح وكان عمر رضي الله عنه على ما رُوِيَ عنه يستفتح بذلك بسند فيه انقطاع رواه مسلم بسند فيه انقطاع لكن وصله البيهقي أنه رضي الله عنه كان يستفتح بذلك وهو أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعهم وقد رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا لكن بسند ضعيف.