شرح قول المصنف " ... ويجلس مفترشا يسراه ناصبا يمناه...". حفظ
الشيخ : ويجلس مفترشا يُسراه، يجلس يعني بعد السجدة الأولى مفترشا يُسراه يعني جاعلا لها كالفراش هذا من الإفتراش والفراش يكون تحت الإنسان أي يضعُها تحته مفترشا لها لا جالسا على عقبيه بل يفترشُها وعليه فيكون ظهرها إلى الأرض وبطنها إلى أعلى، هذا معنى الإفتراش.
يقول " مفترشا يسراه ناصبا يُمناه " "ناصبا يمناه" يعني جاعلها منتصبة والمُراد القدم وحينئذ لا بد أن يُخرجها من يمينه فتكون الرِجْل اليمنى مخرجة من اليمين واليسرى مفترشة وهذه الصفة متفق عليه أي أنه يجلس بين السجدتين هكذا لا يجلس متورّكا، لا يجلس متورّكا وظاهر كلام المؤلف أنه لا يُسنّ في هذا الجلوس سوى هذه الصفة وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجلس ناصبا قدميه على عقبيه واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن ذلك هو السنّة ولكن معروف عند أصحاب الإمام أحمد رحمه الله أن ذلك ليس من السنّة لأن أكثر الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها تصِف هذه الجلسة بالإفتراش ولا يبعد أن يكون ابن عباس رضي الله عنهما ذكر ما كان أوّل فإن صفة الجلوس قد تكون كصفة الركوع وكان المسلمون في أوّل الأمر يركع الرجل فيضع يديه بين فخذيه ولا يضعهما على الركبتين حتى إن ابن مسعود رضي الله عنه تمسّك بهذا ويُسمّى عندهم "التطبيق" ولم يعلم ابن مسعود بالسنّة التى نسخت هذا الفعل مع إنه منسوخ بلا شك، صح عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا.
ففقهاؤنا رحمهم الله يرون أن هذه الجلسة ليس لها إلا صفة الإفتراش فقط، ويقول المؤلف " ناصبا يمناه ويقول رب اغفر لي وارحمني " إلى أخره، لم يذكر المؤلف رحمه الله أين يضع اليدين؟ وكيف يضعهما؟ مع أنه من الأمر المهم، في هذه الجلسة يضع يديه على فخذيه وينتهي الوضع إلى الركبة، هذه صفة، صفة ثانية أنه يضع اليد اليمنى على الركبة واليد اليسرى تُلقَم الركبة يعني يُمسكها هكذا كأنه قابضٌ لها، كأنه قابضٌ لها يعني إما أن يضع اليدين على الفخذين، يكون أطراف الأصابع على حدّ الركبة أو يضع يُقدّم شوي ويكون اليد اليسرى يُلقمها اليسرى واليد اليمنى يضعها على حرف الركبة، صفتان عن النبي صلى الله عليه وسلم كلاهما صحيح ولكن كيف يكون وضع اليد؟ الأن عرفنا المكان لكن كيف يكون الوضع؟
أما بالنسبة لليسرى فتكون مبسوطة مضمومة الأصابع موجّهة إلى القبلة ويكون طرف المرفق عند طرف الفخذ يعني بمعنى أنه لا يقول هكذا يُفرّجها بل يضُمّها إلى الفخذ حتى يكون طرف المرفق على طرف الفخذ.
أما اليمنى فإن السنّة تدُلّ على أنه يقبض منها الخنصر والبنصر ويُحلّق الإبهام مع الوسطى ويرفع السبّابة ويُحرّكها عند الدعاء، هكذا جاء فيما رواه الإمام أحمد من حديث وائل بن حُجْر بسند قال فيه صاحب الفتح الرباني إنه جيّد وقال فيه المحشّي على زاد المعاد إنه صحيح وإلى هذا ذهب ابن القيم رحمه الله، أما كلام الفقهاء فيروْن أن اليد اليمنى تكون مبسوطة في الجلسة بين السجدتين كاليد اليسرى ولكن اتباع السنّة أولى إذا كان هذا قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام فإنه هو الأولى ولذلك لم يرد في السنّة لا بحديث صحيح ولا ضعيف ولا حسن أن اليد اليمنى تكون مبسوطة على الرجل اليمنى إنما ورد أنها تُقبض، بأن يُقبض الخنصر والبنصر ويُحلّق الإبهام مع الوسطى أو تضمّ الوسطى أيضا ويضُمّ الإبهام إذا جلس في الصلاة وفي بعض الألفاظ إذا جلس في التشهد وكلاهما في الصحيح، صحيح مسلم، فنحن إذا أخذنا كلمة إذا جلس في الصلاة قلنا هذا عام في جميع الجلسات وقوله إذا جلس في التشهّد في بعض الألفاظ لا يدل على التخصيص لأن لدينا قاعدة ذكرها الأصوليّون وممن كان يذكرها دائما الشوكاني في "نيل الأوطار" والشنقيطي في "أضوء البيان" على أنه إذا ذُكِر بعض أفراد العام بحُكْم يطابق العام فإن ذلك لا يدُلّ على التخصيص يعني ذِكْر بعض أفراد العام بحكم يُوافق العام ليس ذلك تخصيصا، إنما التخصيص أن يُذكر بعض أفراد العام بحكم يُخالف العام مثال الأول، قلت لك أكرم الطلبة، هذا عام يشمل كل طالب ثم قلت أكرم فلانا وهو من الطلبة فهل هذا يقتضي أن لا أكرم سواه؟ لا، لكن يقتضي أن هناك عناية من أجلها خصّصته بالذكر أما إذا قلت وهو مثال للثاني أكرم الطلبة ثم قلت لا تكرم فلانا وهو من الطلبة فهذا تخصيص لأن الأوّل ذكرت فلانا بحكم يوافق العام وهنا ذكرته بحكم يُخالف الخاص، أي نعم، يخالف العام ولهذا يقولون في تعريف العام " إخراج بعض أفراد العام " نعم، ما يخالف، تخصيص بعض أفراد العام بحكم يُخالف أو إخراج بعض أفراد العام من الحكم فهو لا بد أن يكون مخالفا أما إذا كان موافقا فإن الجمهور، جمهور الأصوليّين كما حكاه صاحب "أضوء البيان" يروْن أنه لا يُفيد التخصيص وهو ظاهر كما في المثال الذي ذكرنا لكم، وعلى هذا فيكون بعض أفراد حديث ابن عمر الذي خُصّ بالتشهّد، لا يقتضي التخصيص من أفراد، من بعض ألفاظه الدالة على العموم.
أما الفقهاء رحمهم الله فقالوا إنه في هذه الجلسة يبسط يده اليمنى كما يبسط يده اليسرى وبناء على كلام الفقهاء تكون كل جلسة من جلسات الصلاة مخالفة للأخرى من أجل التمييز، كيف ذلك؟ لأن الجلسة بين السجدتين افتراش مع كوْن اليدين مبسوطتين، في التشهّد الأول افتراش لكن اليمنى تقبض في التشهد الأخير تورّك وإن كان يُوافق التشهد الأول في قبض اليد فهم رحمهم الله يجعلون لكل جلسة صفة تميّزها عن الصفة الأخرى ولكن كما قلت لكم إن اتباع السنّة أولى من اتباع الرأي، نعم، أما ما يقول في هذا، في هذه الجلسة.