تتمة شرح قول المصنف "... باب صلاة الكسوف... " حفظ
الشيخ : وقوله باب صلاة الكسوف من باب إضافة الشيء إلى سببه أي باب الصلاة التي سببها الكسوف والكسوف والخسوف بمعنى واحد كسفت الشمس وخسفت وكسف القمر وخسف وقال بعضهم الخسوف للقمر والكسوف للشمس ولعل هذا إذا اجتمعت الكلمتان فقيل كسوف وخسوف أما إذا انفردت كل واحدة عن الأخرى فهما بمعنى واحد ولهذا نظائر في اللغة العربية الكسوف انحجاب ضوء الشمس أو انحجاب ضوء القمر والفقهاء رحمهم الله يعبرون عن ذلك بقولهم ذهاب ضوء أحد النيرين أو بعضه ذهاب الضوء كله أو بعضه والحقيقة أنه لا يذهب وإنما ينحجب ولهذا نقول التعبير الدقيق للكسوف انحجاب ضوء أحد النيرين يعني الشمس أو القمر بسبب غير معتاد فسبب كسوف الشمس أن القمر يحول بينها وبين الأرض فيحجبها عن الأرض إما كلها أو بعضها لكن لا يمكن أن يحجب القمر الشمس عن جميع الأرض لأنه أصغر منها حتى لو كشفها عن بقعة على قدر مساحة القمر لم يحجبها عن البقعة الأخرى لأنها هي أرفع منه بكثير ولذلك لا يمكن أن يكون الكسوف كليا في الشمس في جميع أقطار الدنيا أبدا إنما يكون في موضع معين مساحته بقدر مساحة القمر وإذا قلنا بهذا القول المحقق المتيقن إن سبب كسوف الشمس هو حيلولة القمر بينها وبين الأرض تبين أنه لا يمكن الكسوف في اليوم السابع أو الثامن أو التاسع أو العاشر لماذا ؟ لبعد القمر عن الشمس الشمس بعيدة عنه في هذه الأيام إنما يقرب منها يا بدر أين أنت ارفع يدك وين رحت ؟ إنما يقرب منها متى ؟ يا إخوان خمسة عشر أعوذ بالله يقرب من الشمس في الخامس عشر أبعد ما يكون في الخامس عشر في آخر الشهر ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " لا يمكن أن تكسف الشمس إلا في التاسع والعشرين أو الثلاثين " أو آخر الثامن والعشرين لأنه هوالذي يمكن أن يكون القمر قريبا من الشمس فيحول بينها وبين الأرض انتبهوا لهذا كذلك القمر سبب كسوفه حيلولة الأرض بينه وبين الشمس لأن القمر يستمد نوره من الشمس كالمرآة أمام القنديل المرآة أمام القنديل يكون فيها إضاءة نور نعم أليس كذلك ؟إي نعم لكن لو أطفأت القنديل أصبحت ظلمة ولهذا سمى الله القمر نورا فقال جل وعلا (( تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً )) منيرا (( وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا )) وعلى هذا التقدير الواقع لا يمكن أن يكسف القمر في الليلة العاشرة أو الثامنة أو التاسعة أو الحادية عشرة أو السابعة عشرة أو العشرين أو السبعة والعشرين أو الخمسة العشرين لا يمكن أن يكسف إلا في ليالي الإبدار يعني الرابعة عشرة الخامسة عشرة لأنها هي الليالي التي يمكن أن تحول الأرض بينه وبين الشمس صح لأنه في جهة والشمس في جهة هو بجهة الشرق والشمس في جهة الغرب فيمكن أن تحول الأرض بينهما وحينئذ ينكسف القمر (( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً )) الشمس منيرة مبصرة بنفسها آية الليل القمر ممحو ليس فيه نور طيب إذا هذا هو سبب كسوف الشمس والقمر وبه نعرف أنه لا يصح التعبير بقولنا ذهاب ضوءهما نعم صح ؟ طيب يمكن أن يصح التعبير في هذا بالنسبة للقمر لأنه إذا حالت الشمس بينه وبين الأرض إذا حالت الأرض بينه وبين الشمس وهو أصله جرم مظلم ... فهذا يصح أن نقول ذهاب لأنه في الحقيقة جرم مظلم في الأصل ويمكن أن نوجه كلام الفقهاء رحمهم الله بأنه ذهاب ضوء أحد النيرين باعتبار الرؤية أي رؤية الناس لأن الناس لا يرون الحاجز بين جرم الشمس أو جرم القمر وهم في الأرض بخلاف ما لم انحجب ضوؤهما بغمام أو سحاب فهو معروف فلهذا السبب الذي قلت هو السبب الحسي لكن هناك سبب شرعي لا يعلم إلا عن طريق الوحي ويجهله جميع الفلكيين ومن سار على منهاجهم والسبب الشرعي هو تخويف الله عباده كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لاينكسفان لموت أحد ولا لحياته وإنما يخوف الله بهما عباده ) ولهذا أمرنا بالصلاة كما سيأتي إن شاء الله والدعاء والذكر وغير ذلك. هذا السبب الشرعي هو الذي يفيد العباد ليرجعوا إلى الله أما السبب الحسي فهو ليس ذا فائدة كبيرة ولهذا لم يبينه النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان فيه فائدة كبيرة للناس لبينه عن طريق الوحي لأن الله يعلم سبحانه وتعالى سبب الكسوف الحسي ولكن لا حاجة لنا به ومثل هذه الأمرو الحسية يكل الله فيها الأمر إلى الناس وإلى تجاربهم حتى يدركوا ما أودع الله في هذا الكون من الآيات الباهرة بأنفسهم أما الأسباب الشرعية أو الأمور الشرعية التي لا يمكن أن تدركها العقول ولا الحواس فهذه التي يبينها الله للعباد فحينئذ نقول إن الرسول بين للعباد السبب الشرعي لأنه هو الذي فيه الفائدة أما السبب الحسي فالفائدة فيه قليلة ولهذا لم يبين فإن قال قائل كيف يمكن أن يجتمع السبب الحسي والشرعي ويكون الحسي معلوما معروفا لنا قبل أن يقع والشرعي معلوم بطريق الوحي فكيف يمكن أن يجمع بينهما ؟ نقول أصلا لا تنافي بينهما لأن حتى الأمور العظيمة كالخسف بالأرض والزلازل والصواعق وشبهها التي يحس الناس بضررها وأنها عقوبة لها أسباب طبيعية أليس كذلك لها أسباب طبيعية يقدر الله هذه الأسباب الطبيعية حتى تكون المسببات وتكون الحكمة من ذلك هو تخويف العباد فالزلازل لها أسباب الصواعق لها أسباب البراكين لها أسباب العواصف لها أسباب كلها لها أسباب لكن يقدر الله هذه الأسباب من أجل استقامة الناس على دين الله (( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا )) لكن تضيق قلوب كثير من الناس عن الجمع بين السبب الحسي والسبب الشرعي وأكثر الناس أصحاب ... لا يعتبرون إلا بالشيء الظاهر ولهذا تجد الكسوف والخسوف لما علم الناس أسبابهما الحسية ضعف أمرهما في قلوب الناس ضعف حتى كأنه صار أمرا عاديا ونحن نذكر قبل أن نعلم بهذه الأمور أنه إذا حصل الكسوف رعب الناس رعبا شديدا وصاروا يبكون بكاء شديدا ويذهبون إلى المساجد وكأنهم مذعورون كما وقع لك للنبي صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس في عهده لأول مرة في عهده وكان ذلك بعد أن ارتفعت مقدار رمح من الجو بعد طلوعها بمقدار رمح أظلمت الدنيا ففزع الناس وفزع النبي صلى الله عليه وسلم فزعا عظيما حتى أنه أدرك برداءه يعني من شدة فزعه قام بالإزار قاصدا المسجد حتى تبعوه بالرداء فارتدى به وجعل يجره يعني ما استقر ليوازن الرداء من شدة فزعه وأمر أن ينادى الصلاة جامعة من أجل أن يجتمع الناس كلهم فاجتمعت الأمة من رجال ونساء وصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم صلاة لا نظير لها لأنها لآية لا نظير لها الكسوف سبب لا نظير له ليس معتادا فصلى له صلاة غير معتادة آية شرعية لآية كونية أطال فيها إطالة عظيمة حتى إن بعض الصحابة مع نشاطهم وقوتهم ورغبتهم في الخير كانوا يسقطون غشيا من طول ما قام صلى الله عليه وسلم وركع ركوعا طويلا وكذلك السجود المهم أنها صلاة عظيمة والناس يبكون يفزعون إلى الله والنبي صلى الله عليه وسلم عرضت عليه الجنة والنار في هذا المقام فقال ( فلم أر يوما قط أفظع من هذا اليوم ) عرضت النار حتى صارت إلى قربه حتى إنه تنحى عنها رجع القهقرى خوفا من لفحها سبحان الله الأمر العظيم أمر الكسوف ليس بالأمر الهين كما يتصوره الناس اليوم وكما يصوره أعداء المسلمين حتى تبقى قلوب المسلمين كالحجارة أو أشد قسوة - والعياذ بالله - يكسف القمر أو الشمس والناس في دنياهم الأغاني تسمع وكل شيء على ما هو عليه لا تجد إلا الشباب المقبل على دين الله الآن أو بعض الشيوخ والعجائز وإلا فالناس ساهون لاهون ولهذا لا يتعظ الناس بهذا الكسوف لا للشمس ولا للقمر مع أنه أمر هام يجب الاهتمام به وهل من الأفضل أن يخبر الناس به قبل أن يقع أو أن يأتي بغتة ؟ لا شك أنه إتيانه بغتة أشد وقعا في النفوس أشد وقعا بلا شك ولكن إذا تحدث الناس عنه قبل وقوعه وتروضت النفوس له واستعدت له صار كأنه أمر طبيعي كأنه صلاة عيد يجتمع الناس إليها ولهذا لا تجد في الإخبار بوقوع الكسوف لا تجد فيه فائدة إطلاقا هو إلى المضرة أقرب منه إلى الفائدة يقول بعض الناس ألا نخبر الناس ليستعدوا لهذا الشيء نقول لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا لا نستعد لأمر يخوفنا الله به بل إذا وقع ورأيناه بأعيننا فحينئذ نصلي نفعل ما أمرنا به أما أن نقول سيقع وأظن قبل كم سنة قالوا إن الشمس سيكون فيها كسوف جزئي عند منتصف النهار جزئي لا يؤثر في غربها فصار الناس يتشوفون لهذا الكسوف يلبسون مرايات سود لأجل يشوفون الشمس والذي يضع ماء ويضعه في مكان ليس فيه هواء لأجل لا يترجرج علشان يدركون أنها كسفت لماذا تفعل هذا؟ احمد ربك على العافية أن الله لم يبين قد يبين في أرض غير أرضك أنت إذا لم يظهر أثر الكسوف على ضوء الشمس وإن قال الفلكيون إنها ستكسف لا تصل لأن الرسول قال حتى تروا إذا رأيتم الرؤية العادية المعتادة أما إذا منّ الله علينا بأن صار لا يرى في بلدنا إلا بمكبر أو لباس نظارات أو ... فالحمد لله على العافية لكن لا تحرص عليه نعم أظن ما يمكن .