-
تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية " .... ومن تأول" فوق "، بأنه خير من عباده وأفضل منهم، وأنه خير من العرش وأفضل منه، كما يقال: الأمير فوق الوزير، والدينار فوق الدرهم -: فذلك مما تنفر عنه العقول السليمة، وتشمئز منه القلوب الصحيحة! فإن قول القائل ابتداء: الله خير من عباده، وخير من عرشه - من جنس قوله: الثلج بارد، والنار حارة، والشمس أضوأ من السراج، والسماء أعلى من سقف الدار، والجبل أثقل من الحصى، ورسول الله أفضل من اليهود، والسماء فوق الأرض!! وليس في ذلك تمجيد ولا تعظيم ولا مدح، بل هو من أرذل الكلام وأسمجه وأهجنه! فكيف يليق بكلام الله، الذي لو اجتمع الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لما أتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ؟ ! بل في ذلك تنقص، كما قيل في المثل السائر: ألم تر أن السيف ينقص قدره *** إذا قيل إن السيف أمضى من العصا . ولو قال قائل: الجوهر فوق قشر البصل وقشر السمك! لضحك منه العقلاء، للتفاوت الذي بينهما، فإن التفاوت الذي بين الخالق والمخلوق أعظم وأعظم. بخلاف ما إذا كان المقام يقتضي ذلك، بأن كان احتجاجا على مبطل، كما في قول يوسف الصديق عليه السلام (( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار )) ، وقوله تعالى: (( آلله خير أما يشركون )) ، (( والله خير وأبقى )) . ... " .
-
قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... .وإنما يثبت هذا المعنى من الفوقية في ضمن ثبوت" الفوقية "المطلقة من كل وجه، فله سبحانه وتعالى فوقية القهر، وفوقية القدر، وفوقية الذات. ومن أثبت البعض ونفى البعض فقد تنقص. وعلوه تعالى مطلق من كل الوجوه . فإن قالوا: بل علو المكانة لا المكان ؟ فالمكانة: تأنيث المكان، والمنزلة: تأنيث المنزل، فلفظ " المكانة والمنزلة "تستعمل في المكانات النفسانية والروحانية، كما يستعمل لفظ"المكان والمنزل"في الأمكنة الجسمانية، فإذا قيل: لك في قلوبنا منزلة، ومنزلة فلان في قلوبنا وفي نفوسنا أعظم من منزلة فلان، كما جاء في الأثر:" إذا أحب أحدكم أن يعرف كيف منزلته عند الله، فلينظر كيف منزلة الله في قلبه، فإن الله ينزل العبد من نفسه حيث أنزله العبد من قلبه ". فقوله:"منزلة الله في قلبه": هو ما يكون في قلبه من معرفة الله ومحبته وتعظيمه وغير ذلك، فإذا عرف أن"المكانة والمنزلة": تأنيث المكان والمنزل، والمؤنث فرع على المذكر في اللفظ والمعنى، وتابع له، فعلو المثل الذي يكون في الذهن يتبع علو الحقيقة، إذا كان مطابقا كان حقا، وإلا كان باطلا. فإن قيل: المراد علوه في القلوب، وأنه أعلى في القلوب من كل شيء - قيل: وكذلك هو، وهذا العلو مطابق لعلوه في نفسه على كل شيء، فإن لم يكن عاليا بنفسه على كل شيء، كان علوه في القلوب غير مطابق، كمن جعل ما ليس بأعلى أعلى... " مع تعليق الشيخ.
-
تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية " .... واعترض على الدليل الفطري: أن ذلك إنما كان لكون السماء قبلة للدعاء، كما أن الكعبة قبلة للصلاة، ثم هو منقوض بوضع الجبهة على الأرض مع أنه ليس في جهة الأرض ؟. وأجيب على هذا الاعتراض من وجوه: أحدها: أن قولكم: إن السماء قبلة للدعاء - لم يقله أحد من سلف الأمة، ولا أنزل الله به من سلطان، وهذا من الأمور الشرعية الدينية، فلا يجوز أن يخفى على جميع سلف الأمة وعلمائها. الثاني: أن قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة، فإنه يستحب للداعي أن يستقبل القبلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل القبلة في دعائه في مواطن كثيرة، فمن قال إن للدعاء قبلة غير قبلة الصلاة، أو إن له قبلتين: إحداهما الكعبة والأخرى السماء - فقد ابتدع في الدين، وخالف جماعة المسلمين. الثالث: أن القبلة: هي ما يستقبله العابد بوجهه، كما تستقبل الكعبة في الصلاة والدعاء، والذكر والذبح، وكما يوجه المحتضر والمدفون، ولذلك سميت"وجهة "، والاستقبال خلاف الاستدبار، فالاستقبال بالوجه، والاستدبار بالدبر، فأما ما حاذاه الإنسان برأسه أو يديه أو جنبه فهذا لا يسمى"قبلة"، لا حقيقة ولا مجازا، فلو كانت السماء قبلة الدعاء لكان المشروع أن يوجه الداعي وجهه إليها، وهذا لم يشرع، والموضع الذي ترفع اليد إليه لا يسمى"قبلة"، لا حقيقة ولا مجازا، ولأن القبلة في الدعاء أمر شرعي تتبع فيه الشرائع، ولم تأمر الرسل أن الداعي يستقبل السماء بوجهه، بل نهوا عن ذلك. ومعلوم أن التوجه بالقلب، واللجأ والطلب الذي يجده الداعي من نفسه أمر فطري، يفعله المسلم والكافر والعالم والجاهل، وأكثر ما يفعله المضطر والمستغيث بالله، كما فطر على أنه إذا مسه الضر يدعو الله، مع أن أمر القبلة مما يقبل النسخ والتحويل، كما تحولت القبلة من الصخرة إلى الكعبة، وأمرالتوجه في الدعاء إلى الجهة العلوية مركوز في الفطر، والمستقبل للكعبة يعلم أن الله تعالى ليس هناك، بخلاف الداعي، فإنه يتوجه إلى ربه وخالقه، ويرجو الرحمة أن تنزل من عنده..." .
-
تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح . : " ... وأما النقض بوضع الجبهة فما أفسده من نقض، فإن واضع الجبهة إنما قصده الخضوع لمن فوقه بالذل له، لا بأن يميل إليه إذ هو تحته! هذا لا يخطر في قلب ساجد. ولكن يحكى عن بشر المريسي أنه سمع وهو يقول في سجوده: سبحان ربي الأسفل!! تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا. وإن من أفضى به النفي إلى هذه الحال حري أن يتزندق، إن لم يتداركه الله برحمته، وبعيد من مثله الصلاح، قال تعالى: (( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة )) ، وقال تعالى: (( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم )) . فمن لم يطلب الاهتداء من مظانه يعاقب بالحرمان. نسأل الله العفو والعافية. وقوله:" وقد أعجز عن الإحاطة خلقه "- أي لا يحيطون به علما ولا رؤية، ولا غير ذلك من وجوه الإحاطة، بل هو سبحانه محيط بكل شيء، ولا يحيط به شيء... " .
-
تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية " .... وهنا سؤال مشهور، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم صلى الله عليه وسلم، فكيف طلب له من الصلاة مثل ما لإبراهيم، مع أن المشبه به أصله أن يكون فوق المشبه ؟ وكيف الجمع بين هذين الأمرين المتنافيين ؟ وقد أجاب عنه العلماء بأجوبة عديدة، يضيق هذا المكان عن بسطها، وأحسنها: أن آل إبراهيم فيهم الأنبياء الذين ليس في آل محمد مثلهم، فإذا طلب للنبي صلى الله عليه وسلم ولآله من الصلاة مثل ما لإبراهيم وآله - وفيهم الأنبياء - حصل لآل محمد ما يليق بهم، فإنهم لا يبلغون مراتب الأنبياء، وتبقى الزيادة التي للأنبياء وفيهم إبراهيم لمحمد صلى الله عليه وسلم، فيحصل له من المزية ما لم يحصل لغيره. وأحسن من هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم، بل هو أفضل آل إبراهيم، فيكون قولنا :" كما صليت على آل إبراهيم "- متناولا الصلاة عليه وعلى سائر النبيين من ذرية إبراهيم. كما في قوله تعالى: (( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ))، فإبراهيم وعمران دخلا في آل ابراهيم وآل عمران، وكما في قوله تعالى: (( إلا آل لوط نجيناهم بسحر )) . فإن لوطا داخل في آل لوط، وكما في قوله تعالى: (( إذ نجيناكم من آل فرعون )) وقوله: (( أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ))، فإن فرعون داخل في آل فرعون. ولهذا والله أعلم، أكثر روايات حديث الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إنما فيها كما صليت على آل إبراهيم, وفي كثير منها: كما صليت على إبراهيم ولم يرد: كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إلا في قليل من الروايات وما ذلك إلا لأن في قوله: كما صليت على إبراهيم، يدخل آله تبعا. وفي قوله: كما صليت على آل إبراهيم، هو داخل آل إبراهيم, وكذلك لما جاء أبو أوفى رضي الله عنه بصدقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم دعا له النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (( اللهم صل على آل أبي أوفى )) ..." .
-
تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية " .... ولفظ" الملك "يشعر بأنه رسول منفذ لأمر مرسله، فليس لهم من الأمر شيء، بل الأمر كله لله الواحد القهار، وهم ينفذون أمره: (( لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ))، (( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم )) ، (( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون )) ، (( يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون )) فهم عباد مكرمون، منهم الصافون، ومنهم المسبحون، ليس منهم إلا له مقام معلوم، ولا يتخطاه، وهو على عمل قد أمر به. لا يقصر عنه ولا يتعداه، وأعلاهم الذين عنده: (( لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون )) ...".
-
قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... ورؤساؤهم الأملاك الثلاثة: جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، الموكلون بالحياة، فجبريل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب والأرواح، وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأرض والنبات والحيوان، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي به حياة الخلق بعد مماتهم. فهم رسل الله في خلقه وأمره، وسفراؤه بينه وبين عباده، ينزلون الأمر من عنده في أقطار العالم، ويصعدون إليه بالأمر، قد أطت السماوات بهم، وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك قائم أو راكع أو ساجد لله، ويدخل البيت المعمور منهم كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه آخر ما عليهم. والقرآن مملوء بذكر الملائكة وأصنافهم ومراتبهم، فتارة يقرن الله تعالى اسمه باسمهم، وصلاته بصلاتهم، ويضيفهم إليه في مواضع التشريف، وتارة يذكر حفهم بالعرش وحملهم له، وبراءتهم من الدنو، وتارة يصفهم بالإكرام والكرم، والتقريب والعلو والطهارة والقوة والإخلاص. قال تعالى: (( كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله )) ، وقال (( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم )) ، وقال (( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور )) ، وقال ((الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا )) وقال (( وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم )) ، وقال تعالى (( بل عباد مكرمون )) ، وقال (( إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون )) ، وقال تعالى (( فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون )) ، وقال (( كراما كاتبين )) ، (( كرام بررة )) ،(( يشهده المقربون )) ، (( لا يسمعون إلى الملإ الأعلى )) . وكذلك الأحاديث طافحة بذكرهم. فلهذا كان الإيمان بالملائكة أحد الأصول الخمسة التي هي أركان الإيمان. وقد تكلم الناس في المفاضلة بين الملائكة وصالحي البشر، وينسب إلى أهل السنة تفضيل صالحي البشر والأنبياء فقط على الملائكة، وإلى المعتزلة تفضيل الملائكة، وأتباع الأشعري على قولين: منهم من يفضل الأنبياء والأولياء، ومنهم من يقف ولا يقطع في ذلك قولا. وحكي عن بعضهم ميلهم إلى تفضيل الملائكة. وحكي ذلك عن غيرهم من أهل السنة وبعض الصوفية. وقالت الشيعة: إن جميع الأئمة أفضل من جميع الملائكة. ومن الناس من فصل تفصيلا آخر. ولم يقل أحد ممن له قول يؤثر إن الملائكة أفضل من بعض الأنبياء دون بعض. وكنت ترددت في الكلام على هذه المسألة، لقلة ثمرتها، وأنها قريب مما لا يعني، و ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) . والشيخ رحمه الله لم يتعرض إلى هذه المسألة بنفي ولا إثبات، ولعله يكون قد ترك الكلام فيها قصدا، فإن الإمام أبا حنيفة رحمه الله وقف في الجواب عنها على ما ذكره في" مآل الفتاوى " ، فإنه ذكر مسائل لم يقطع أبو حنيفة فيها بجواب، وعد منها: التفضيل بين الملائكة والأنبياء. وهذا هو الحق، فإن الواجب علينا الإيمان بالملائكة )) ، (( وما كان ربك نسيا )) .. وفي الصحيح : ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء - رحمة بكم غير نسيان - فلا تسألوا عنها ) . فالسكوت عن الكلام في هذه المسألة نفيا وإثباتا والحالة هذه أولى. ولا يقال: إن هذه المسألة نظير غيرها من المسائل المستنبطة من الكتاب والسنة؛ لأن الأدلة هنا متكافئة، على ما أشير إليه، إن شاء الله تعالى. وحملني على بسط الكلام هنا: أن بعض الجاهلين يسيئون الأدب بقولهم: كان الملك خادما للنبي صلى الله عليه وسلم ! أو: أن بعض الملائكة خدام بني آدم !! يعنون الملائكة الموكلين بالبشر، ونحو ذلك من الألفاظ المخالفة للشرع، المجانبة للأدب، والتفضيل إذا كان على وجه التنقص أو الحمية والعصبية للجنس -: لا شك في رده، وليس هذه المسألة نظير المفاضلة بين الأنبياء، فإن تلك قد وجد فيها نص، وهو قوله تعالى: (( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض )) ، الآية، وقوله تعالى: (( ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض )). وقد تقدم الكلام في ذلك عند قول الشيخ:" وسيد المرسلين "، يعني النبي صلى الله عليه وسلم. والمعتبر رجحان الدليل، ولا يهجر القول لأن بعض أهل الأهواء وافق عليه، بعد أن تكون المسألة مختلفا فيها بين أهل السنة. وقد كان أبو حنيفة رضي الله عنه يقول أولا بتفضيل الملائكة على البشر، ثم قال بعكسه، والظاهر أن القول بالتوقف أحد أقواله. والأدلة في هذه المسألة من الجانبين إنما تدل على الفضل، لا على الأفضلية، ولا نزاع في ذلك. وللشيخ تاج الدين الفزاري رحمه الله مصنف سماه" الإشارة في البشارة "في تفضيل البشر على الملك، قال في آخره: اعلم أن هذه المسألة من بدع علم الكلام، التي لم يتكلم فيها الصدر الأول من الأمة، ولا من بعدهم من أعلام الأئمة، ولا يتوقف عليها أصل من أصول العقائد، ولا يتعلق بها من الأمور الدينية كثير من المقاصد. ولهذا خلا عنها طائفة من مصنفات هذا الشأن، وامتنع من الكلام فيها جماعة من الأعيان، وكل متكلم فيها من علماء الظاهر بعلمه، لم يخل كلامه عن ضعف واضطراب. انتهى، والله الموفق للصواب..." مع تعليق الشيخ.
-
تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية " .... قوله: " ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب، ما لم يستحله، ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله ". أراد بأهل القبلة الذين تقدم ذكرهم في قوله: " ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين، ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين، وله بكل ما قال وأخبر مصدقين "، يشير الشيخ رحمه الله بهذا الكلام إلى الرد على الخوارج القائلين بالتكفير بكل ذنب. واعلم - رحمك الله وإيانا - أن باب التكفير وعدم التكفير، باب عظمت الفتنة والمحنة فيه، وكثر فيه الافتراق، وتشتتت فيه الأهواء والآراء، وتعارضت فيه دلائلهم. فالناس فيه، في جنس تكفير أهل المقالات والعقائد الفاسدة، المخالفة للحق الذي بعث الله به رسوله في نفس الأمر، والمخالفة لذلك في اعتقادهم، على طرفين ووسط، من جنس الاختلاف في تكفير أهل الكبائر العملية: فطائفة تقول: لا نكفر من أهل القبلة أحدا، فتنفي التكفير نفيا عاما، مع العلم بأن في أهل القبلة المنافقين، الذين فيهم من هو أكفر من اليهود والنصارى بالكتاب والسنة والإجماع، وفيهم من قد يظهر بعض ذلك حيث يمكنهم، وهم يتظاهرون بالشهادتين. وأيضا: فلا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة، والمحرمات الظاهرة المتواترة، ونحو ذلك فإنه يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل كافرا مرتدا. والنفاق والردة مظنتهما البدع والفجور، كما ذكره الخلال في كتاب السنة، بسنده إلى محمد بن سيرين، أنه قال: إن أسرع الناس ردة أهل الأهواء. وكان يرى هذه الآية نزلت فيهم: (( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره )) . ولهذا امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول بأنا لا نكفر أحدا بذنب، بل يقال: لا نكفرهم بكل ذنب. كما تفعله الخوارج. وفرق بين النفي العام ونفي العموم، والواجب إنما هو نفي العموم، مناقضة لقول الخوارج الذين يكفرون بكل ذنب. ولهذا - والله أعلم - قيده الشيخ رحمه الله بقوله:"ما لم يستحله". وفي قوله:"ما لم يستحله"إشارة إلى أن مراده من هذا النفي العام لكل ذنب، الذنوب العملية لا العلمية. وفيه إشكال فإن الشارع لم يكتف من المكلف في العمليات بمجرد العمل دون العلم، ولا في العلميات بمجرد العلم دون العمل، وليس العمل مقصورا على عمل الجوارح، بل أعمال القلوب أصل لعمل الجوارح، وأعمال الجوارح تبع. إلا أن يضمن قوله:"يستحله"بمعنى: يعتقده، أو نحو ذلك... " .
-
تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح : " ... فطائفة تقول: لا نكفر من أهل القبلة أحدا، فتنفي التكفير نفيا عاما، مع العلم بأن في أهل القبلة المنافقين، الذين فيهم من هو أكفر من اليهود والنصارى بالكتاب والسنة والإجماع، وفيهم من قد يظهر بعض ذلك حيث يمكنهم، وهم يتظاهرون بالشهادتين. وأيضا: فلا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة، والمحرمات الظاهرة المتواترة، ونحو ذلك فإنه يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل كافرا مرتدا. والنفاق والردة مظنتهما البدع والفجور، كما ذكره الخلال في كتاب السنة، بسنده إلى محمد بن سيرين، أنه قال: إن أسرع الناس ردة أهل الأهواء. وكان يرى هذه الآية نزلت فيهم: (( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره )) . ولهذا امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول بأنا لا نكفر أحدا بذنب، بل يقال: لا نكفرهم بكل ذنب. كما تفعله الخوارج. وفرق بين النفي العام ونفي العموم، والواجب إنما هو نفي العموم، مناقضة لقول الخوارج الذين يكفرون بكل ذنب. ولهذا - والله أعلم - قيده الشيخ رحمه الله بقوله:" ما لم يستحله ". وفي قوله:"ما لم يستحله"إشارة إلى أن مراده من هذا النفي العام لكل ذنب، الذنوب العملية لا العلمية. وفيه إشكال فإن الشارع لم يكتف من المكلف في العمليات بمجرد العمل دون العلم، ولا في العلميات بمجرد العلم دون العمل، وليس العمل مقصورا على عمل الجوارح، بل أعمال القلوب أصل لعمل الجوارح، وأعمال الجوارح تبع. إلا أن يضمن قوله:"يستحله"بمعنى: يعتقده، أو نحو ذلك وفي قوله:"ما لم يستحله"إشارة إلى أن مراده من هذا النفي العام لكل ذنب، الذنوب العملية لا العلمية. وفيه إشكال فإن الشارع لم يكتف من المكلف في العمليات بمجرد العمل دون العلم، ولا في العلميات بمجرد العلم دون العمل، وليس العمل مقصورا على عمل الجوارح، بل أعمال القلوب أصل لعمل الجوارح، وأعمال الجوارح تبع. إلا أن يضمن قوله:"يستحله"بمعنى: يعتقده، أو نحو ذلك.... " .
-
تتمة التعليق على قوله في شرح الطحوية : " ... ثم إذا كان القول في نفسه كفرا قيل: إنه كفر، والقائل له يكفر بشروط وانتفاء موانع، ولا يكون ذلك إلا إذا صار منافقا زنديقا. فلا يتصور أن يكفر أحد من أهل القبلة المظهرين الإسلام إلا من يكون منافقا زنديقا. وكتاب الله يبين ذلك، فإن الله صنف الخلق فيه ثلاثة أصناف: كفار من المشركين ومن أهل الكتاب، وهم الذين لا يقرون بالشهادة، وصنف المؤمنون باطنا وظاهرا، وصنف أقروا به ظاهرا لا باطنا. وهذه الأقسام الثلاثة مذكورة في أول سورة البقرة. وكل من ثبت أنه كافر في نفس الأمر وكان مقرا بالشهادتين. فإنه لا يكون إلا زنديقا، والزنديق هو المنافق. وهنا يظهر غلط الطرفين، فإنه من كفر كل من قال القول المبتدع في الباطن، يلزمه أن يكفر أقواما ليسوا في الباطن منافقين، بل هم في الباطن يحبون الله ورسوله ويؤمنون بالله ورسوله وإن كانوا مذنبين، كما ثبت في صحيح البخاري، عن أسلم مولى عمر رضي الله عنه، عن عمر: ( أن رجلا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه: عبد الله، وكان يلقب: حمارا، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلده من الشراب، فأتي به يوما، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه! ما أكثر ما يؤتى به! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه، فوالله ما علمت، إنه يحب الله ورسوله )، . وهذا أمر متيقن به في طوائف كثيرة وأئمة في العلم والدين، وفيهم بعض مقالات الجهمية أو المرجئة أو القدرية أو الشيعة أو الخوارج. ولكن الأئمة في العلم والدين لا يكونون قائمين بجملة تلك البدعة، بل بفرع منها. ولهذا انتحل أهل هذه الأهواء لطوائف من السلف المشاهير. فمن عيوب أهل البدع تكفير بعضهم بعضا، ومن ممادح أهل العلم أنهم يخطئون ولا يكفرون ... ".
-
تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح : " ... وهنا يظهر غلط الطرفين، فإنه من كفر كل من قال القول المبتدع في الباطن، يلزمه أن يكفر أقواما ليسوا في الباطن منافقين، بل هم في الباطن يحبون الله ورسوله ويؤمنون بالله ورسوله وإن كانوا مذنبين، كما ثبت في صحيح البخاري، عن أسلم مولى عمر رضي الله عنه، عن عمر: ( أن رجلا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه: عبد الله، وكان يلقب: حمارا، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلده من الشراب، فأتي به يوما، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه! ما أكثر ما يؤتى به! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه، فوالله ما علمت، إنه يحب الله ورسوله )... " مع تعليق الشيخ.
-
تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية : " .... وأهل السنة أيضا متفقون على أنه يستحق الوعيد المرتب على ذلك الذنب، كما وردت به النصوص. لا كما يقوله المرجئة من أنه لا يضر مع الإيمان ذنب، ولا ينفع مع الكفر طاعة! وإذا اجتمعت نصوص الوعد التي استدلت بها المرجئة، ونصوص الوعيد التي استدلت بها الخوارج والمعتزلة -: تبين لك فساد القولين! ولا فائدة في كلام هؤلاء سوى أنك تستفيد من كلام كل طائفة فساد مذهب الطائفة الأخرى. ثم بعد هذا الاتفاق تبين أن أهل السنة اختلفوا خلافا لفظيا، لا يترتب عليه فساد، وهو: أنه هل يكون الكفر على مراتب، كفرا دون كفر ؟ كما اختلفوا: هل يكون الإيمان على مراتب، إيمانا دون إيمان ؟ وهذا اختلاف نشأ من اختلافهم في مسمى" الإيمان ": هل هو قول وعمل يزيد وينقص، أم لا ؟ بعد اتفاقهم على أن من سماه الله تعالى ورسوله كافرا نسميه كافرا، إذ من الممتنع أن يسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافرا، ويسمي رسوله من تقدم ذكره كافرا - ولا نطلق عليهما اسم"الكفر". ولكن من قال: إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص- قال: هو كفر عملي لا اعتقادي، والكفر عنده على مراتب، كفر دون كفر، كالإيمان عنده . ومن قال: إن الإيمان هو التصديق، ولا يدخل العمل في مسمى الإيمان، والكفر هو الجحود، ولا يزيدان ولا ينقصان - قال: هو كفر مجازي غير حقيقي، إذ الكفر الحقيقي هو الذي ينقل عن الملة. وكذلك يقول في تسمية بعض الأعمال بالإيمان، كقوله تعالى: (( وما كان الله ليضيع إيمانكم ))، أي صلاتكم إلى بيت المقدس، إنها سميت إيمانا مجازا، لتوقف صحتها على الإيمان، أو لدلالتها على الإيمان، إذ هي دالة على كون مؤديها مؤمنا. ولهذا يحكم بإسلام الكافر إذا صلى كصلاتنا. فليس بين فقهاء الملة نزاع في أصحاب الذنوب، إذا كانوا مقرين باطنا وظاهرا بما جاء به الرسول وما تواتر عنه أنهم من أهل الوعيد. ولكن الأقوال المنحرفة قول من يقول بتخليدهم في النار، كالخوارج والمعتزلة. ولكن أردأ ما في ذلك التعصب على من يضادهم، وإلزامه لمن يخالف قوله بما لا يلزمه، والتشنيع عليه! وإذا كنا مأمورين بالعدل في مجادلة الكافرين، وأن يجادلوا بالتي هي أحسن، فكيف لا يعدل بعضنا على بعض في مثل هذا الخلاف ؟ ! قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}(2) الآية ..." .
-
تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح : " ... وهنا أمر يجب أن يتفطن له، وهو: أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفرا ينقل عن الملة، وقد يكون معصية: كبيرة أو صغيرة، ويكون كفرا: إما مجازيا، وإما كفرا أصغر، على القولين المذكورين. وذلك بحسب حال الحاكم: فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب، وأنه مخير فيه، أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله. - فهذا كفر أكبر. وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، وعلمه في هذه الواقعة، وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا عاص، ويسمى كافرا كفرا مجازيا، أو كفرا أصغر. وإن جهل حكم الله فيها، مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطأ، فهذا مخطئ، له أجر على اجتهاده، وخطؤه مغفور. وأراد الشيخ رحمه الله بقوله: (ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله) - مخالفة المرجئة. وشبهتهم كانت قد وقعت لبعض الأولين، فاتفق الصحابة على قتلهم إن لم يتوبوا من ذلك. فإن قدامة بن عبد الله(5) شرب الخمر بعد تحريمها هو وطائفة، وتأولوا قوله تعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات}(6) الآية. فلما ذكروا ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، اتفق هو وعلي بن أبي طالب وسائر الصحابة على أنهم إن اعترفوا بالتحريم جلدوا، وإن أصروا على استحلالها قتلوا. وقال عمر لقدامة: أخطأت استك الحفرة، أما إنك لو اتقيت وآمنت وعملت الصالحات لم تشرب الخمر. وذلك أن هذه الآية نزلت بسبب أن الله سبحانه لما حرم الخمر، وكان تحريمها بعد وقعة أحد، قال بعض الصحابة: فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية، بين فيها أن من طعم الشيء في الحال التي لم يحرم فيها فلا جناح عليه إذا كان من المؤمنين المتقين المصلحين، كما كان من أمر استقبال بيت المقدس. ثم إن أولئك الذين فعلوا ذلك [ندموا وعلموا](7). أنهم أخطأوا وأيسوا من التوبة. فكتب عمر إلى قدامة يقول له: {حم}{تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم}{غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب}(8). ما أدري أي ذنبك أعظم ؟ استحلالك المحرم أولا ؟ أم يأسك من رحمة الله ثانيا ؟. وهذا الذي اتفق عليه الصحابة هو متفق عليه بين أئمة الإسلام ...".
-
تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية : " ... وأيضا: فإنه قد يعفى لصاحب الإحسان العظيم ما لا يعفى لغيره، فإن فاعل السيئات يسقط عنه عقوبة جهنم بنحو عشرة أسباب، عرفت بالاستقراء من الكتاب والسنة: السبب الأول: التوبة، قال تعالى: (( إلا من تاب )) . (( إلا الذين تابوا )) . والتوبة النصوح، وهي الخالصة، لا يختص بها ذنب دون ذنب، لكن هل تتوقف صحتها على أن تكون عامة ؟ حتى لو تاب من ذنب وأصر على آخر لا تقبل ؟ والصحيح أنها تقبل. وهل يجب الإسلام ما قبله من الشرك وغيره من الذنوب وإن لم يتب منها ؟ أم لا بد مع الإسلام من التوبة من غير الشرك ؟ حتى لو أسلم وهو مصر على الزنا وشرب الخمر مثلا، هل يؤاخذ بما كان منه في كفره من الزنا وشرب الخمر ؟ أم لا بد أن يتوب من ذلك الذنب مع إسلامه ؟ أو يتوب توبة عامة من كل ذنب ؟ وهذا هو الأصح: أنه لا بد من التوبة مع الإسلام، وكون التوبة سببا لغفران الذنوب وعدم المؤاخذة بها - مما لا خلاف فيه بين الأمة، وليس شيء يكون سببا لغفران جميع الذنوب إلا التوبة، قال تعالى: (( قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ))، وهذا لمن تاب، ولهذا قال: (( لا تقنطوا ))، وقال بعدها: (( وأنيبوا إلى ربكم )) ، الآية. السبب الثاني: الاستغفار، قال تعالى: (( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون )). لكن الاستغفار تارة يذكر وحده، وتارة يقرن بالتوبة، فإن ذكر وحده دخل معه التوبة، كما إذا ذكرت التوبة وحدها شملت الاستغفار. فالتوبة تتضمن الاستغفار، والاستغفار يتضمن التوبة، وكل واحد منهما يدخل في مسمى الآخر عند الإطلاق، وأما عند اقتران إحدى اللفظتين بالأخرى، فالاستغفار: طلب وقاية شر ما مضى، والتوبة: الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله. ونظير هذا: الفقير والمسكين، إذا ذكر أحد اللفظين شمل الآخر، وإذا ذكرا معا كان لكل منهما معنى. قال تعالى: (( إطعام عشرة مساكين )). ((فإطعام ستين مسكينا )). (( وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم )). لا خلاف أن كل واحد من الاسمين في هذه الآيات لما أفرد شمل المقل والمعدم، ولما قرن أحدهما بالآخر في قوله تعالى: (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين )) الآية - كان المراد بأحدهما المقل، والآخر المعدم، على خلاف فيه. وكذلك: الإثم والعدوان، والبر والتقوى، والفسوق والعصيان. ويقرب من هذا المعنى: الكفر والنفاق، فإن الكفر أعم، فإذا ذكر الكفر شمل النفاق، وإن ذكرا معا كان لكل منهما معنى. وكذلك الإيمان والإسلام، على ما يأتي الكلام فيه، إن شاء الله تعالى ...".
-
قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... السبب الثالث: الحسنات. فإن الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها، فالويل لمن غلبت آحاده عشراته. وقال تعالى: (( إن الحسنات يذهبن السيئات )) . وقال صلى الله عليه وسلم: ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها ) . السبب الرابع: المصائب الدنيوية، قال صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب، ولا غم ولا هم ولا حزن، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر بها من خطاياه ) . وفي المسند: أنه لما نزل قوله تعالى: (( من يعمل سوءا يجز به )) قال أبو بكر: يا رسول الله، نزلت قاصمة الظهر، وأينا لم يعمل سوءا ؟ فقال: ( يا أبا بكر، ألست تنصب ؟ ألست تحزن ؟ ألست يصيبك اللأواء ؟ فذلك ما تجزون به ) . فالمصائب نفسها، مكفرة، وبالصبر عليها يثاب العبد، وبالتسخط يأثم والصبر والسخط أمر آخر غير المصيبة، فالمصيبة من فعل الله لا من فعل العبد، وهي جزاء من الله للعبد على ذنبه، ويكفر ذنبه بها، وإنما يثاب المرء ويأثم على فعله، والصبر والسخط من فعله، وإن كان الأجر قد يحصل بغير عمل من العبد، بل هدية من الغير، أو فضل من الله من غير سبب، قال تعالى: (( ويؤت من لدنه أجرا عظيم )). فنفس المرض جزاء وكفارة لما تقدم ... " مع تعليق الشيخ.
-
تتمة التعليق على قوله في شرح الطجاوية : ".... قوله: " والأمن والإياس ينقلان " عن ملة الإسلام، وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة ". يجب أن يكون العبد خائفا راجيا، فإن الخوف المحمود الصادق: ما حال بين صاحبه وبين محارم الله، فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط. والرجاء المحمود: رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله، فهو راج لثوابه، أو رجل أذنب ذنبا ثم تاب منه إلى الله، فهو راج لمغفرته. قال الله تعالى: (( إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم )) . أما إذا كان الرجل متماديا في التفريط والخطايا، يرجو رحمة الله بلا عمل، فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب. قال: أبو علي الروذباري رحمه الله: الخوف والرجاء كجناحي الطائر، إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت. وقد مدح الله أهل الخوف والرجاء بقوله: (( من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه}(3) الآية. وقال: {تتجافى جنوبهم}{عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا )) ، الآية. فالرجاء يستلزم الخوف، ولولا ذلك لكان أمنا، والخوف يستلزم الرجاء، ولولا ذلك لكان قنوطا ويأسا. وكل أحد إذا خفته هربت منه، إلا الله تعالى، فإنك إذا خفته هربت إليه، فالخائف هارب من ربه إلى ربه. وقال صاحب منازل السائرين رحمه الله: الرجاء أضعف منازل المريد، وفي كلامه نظر، بل الرجاء والخوف على الوجه المذكور من أشرف منازل المريد. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء ) . وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث: ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه )، ولهذا قيل: إن العبد ينبغي أن يكون رجاؤه في مرضه أرجح من خوفه، بخلاف زمن الصحة، فإنه يكون خوفه أرجح من رجائه. وقال بعضهم: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري ، وروي: ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد، ولقد أحسن محمود الوراق في قوله: لو قد رأيت الصغير من عمل ال *** خير ثوابا عجبت من كبره. أو قد رأيت الحقير من عمل الش *** ر جزاء أشفقت من حذره. ...".
-
قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... قوله: " ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه ". يشير الشيخ إلى الرد على الخوارج والمعتزلة في قوله بخروجه من الإيمان بارتكاب الكبيرة. وفيه تقرير لما قال أولا:" لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب، ما لم يستحله ". وتقدم الكلام على هذا المعنى ..." مع تعليق الشيخ.
-
تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح : " ... ولهذا - والله أعلم - قال الشيخ رحمه الله: " وأهله في أصله سواء "، يشير إلى أن التساوي إنما هو في أصله، ولا يلزم منه التساوي من كل وجه، بل تفاوت درجات نور" لا إله إلا الله "في قلوب أهلها لا يحصيها إلا الله تعالى؛ فمن الناس من نور"لا إله إلا الله"في قلبه كالشمس، ومنهم من نورها في قلبه كالكوكب الدري، وآخر كالمشعل العظيم، وآخر كالسراج المضيء، وآخر كالسراج الضعيف. ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بأيمانهم وبين أيديهم على هذا المقدار، بحسب ما في قلوبهم من نور الإيمان والتوحيد علما وعملا، وكلما اشتد نور هذه الكلمة وعظم أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته، بحيث إنه ربما وصل إلى حال لا يصادف شهوة ولا شبهة ولا ذنبا إلا أحرقه. وهذه حال الصادق في توحيده، فسماء إيمانه قد حرس بالرجوم من كل سارق، ومن عرف هذا عرف معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله )، وقوله: ( لا يدخل النار من قال: لا إله إلا الله». وما جاء من هذا النوع من الأحاديث التي أشكلت على كثير من الناس، حتى ظنها بعضهم منسوخة، وظنها بعضهم قبل ورود الأوامر والنواهي، وحملها بعضهم على نار المشركين والكفار، وأول بعضهم الدخول بالخلود، ونحو ذلك...." .
-
تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية : " .... وأما لفظ " الإيمان " فلا يستعمل إلا في الخبر عن الغائب، فيقال لمن قال: طلعت الشمس -: صدقناه، ولا يقال: آمنا له، فإن فيه أصل معنى الأمن، والإيمان إنما يكون في الخبر عن الغائب، فالأمر الغائب هو الذي يؤتمن عليه المخبر. ولهذا لم يأت في القرآن وغيره" لفظ " "آمن له "- إلا في هذا النوع. ولأنه لم يقابل لفظ " الإيمان " قط بالتكذيب، كما يقابل لفظ " التصديق "، وإنما يقابل بالكفر، والكفر لا يختص بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلم أنك صادق ولكن لا أتبعك، بل أعاديك وأبغضك وأخالفك - لكان كفرا أعظم، فعلم أن الإيمان ليس التصديق فقط، ولا الكفر هو التكذيب فقط. بل إذا كان الكفر يكون تكذيبا، ويكون مخالفة ومعاداة بلا تكذيب - فكذلك الإيمان، يكون تصديقا وموافقة وانقيادا، ولا يكفي مجرد التصديق، فيكون الإسلام جزء مسمى الإيمان... " .
-
قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... ولو سلم الترادف، فالتصديق يكون بالأفعال أيضا، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( العينان تزنيان، وزناهما النظر، والأذن تزني، وزناها السمع ) ، إلى أن قال: ( والفرج يصدق ذلك ويكذبه ) ، وقال الحسن البصري رحمه الله: " ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في الصدور وصدقته الأعمال " . ولو كان تصديقا فهو تصديق مخصوص، كما في الصلاة ونحوها كما تقدم، وليس هذا نقلا للفظ ولا تغييرا له، فإن الله لم يأمر بإيمان مطلق، بل بإيمان خاص، وصفه وبينه. فالتصديق الذي هو الإيمان، أدنى أحواله أن يكون نوعا من التصديق العام، فلا يكون مطابقا له في العموم والخصوص، من غير تغير للبيان ولا قلبه، بل يكون" الإيمان "في كلام الشارع مؤلفا من العام والخاص، كالإنسان الموصوف بأنه حيوان ناطق، ولأن التصديق التام القائم بالقلب مستلزم لما وجب من أعمال القلب والجوارح، فإن هذه لوازم الإيمان التام، وانتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم. ونقول: إن هذه لوازم تدخل في مسمى اللفظ تارة، وتخرج عنه أخرى، أو إن اللفظ باق على معناه في اللغة، ولكن الشارع زاد فيه أحكاما، أو أن يكون الشارع استعمله في معناه المجازي، فهو حقيقة شرعية، مجاز لغوي، أو أن يكون قد نقله الشارع. وهذه الأقوال لمن سلك هذا الطريق... " مع تعليق الشيخ.
-
قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وكلام الصحابة رضي الله عنهم في هذا المعنى كثير أيضا. منه: قول أبي الدرداء رضي الله عنه: من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد هو أم ينقص. وكان عمر رضي الله عنه يقول لأصحابه: " هلموا نزدد إيمانا " ، فيذكرون الله عز وجل. وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول في دعائه: " اللهم زدنا إيمانا ويقينا وفقها " . وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول لرجل: " اجلس بنا نؤمن ساعة ". ومثله عن عبد الله بن رواحة. وصح عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: " ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان: إنصاف من نفسه، والإنفاق من إقتار، وبذل السلام للعالم ". ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه. وفي هذا القدر كفاية، وبالله التوفيق ... " مع تعليق الشيخ.
-
تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح : " ... أما كون عطف العمل على الإيمان يقتضي المغايرة، فلا يكون العمل داخلا في مسمى الإيمان - فلا شك أن الإيمان تارة يذكر مطلقا عن العمل وعن الإسلام، وتارة يقرن بالعمل الصالح، وتارة يقرن بالإسلام. فالمطلق مستلزم للأعمال، قال تعالى: (( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم )) الآية. (( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا )) الآية. (( ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء )) . وقال صلى الله عليه وسلم: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) الحديث. ( لا تؤمنون حتى تحابوا ) . ( من غشنا فليس منا )... ( من حمل علينا السلاح فليس منا ) . وما أبعد قول من قال: إن معنى قوله: فليس منا - أي فليس مثلنا ! فليت شعري: فمن لم يغش يكون مثل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . ؟ ... " .
-
تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح : " ... ويشهد للفرق بين الإسلام والإيمان، قوله تعالى: (( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا )) ، إلى آخر السورة. وقد اعترض على هذا بأن معنى الآية؛ (( قولوا أسلمنا )) - انقدنا بظواهرنا، فهم منافقون في الحقيقة، وهذا أحد قولي المفسرين في هذه الآية الكريمة. وأجيب بالقول الآخر، ورجح، وهو أنهم ليسوا بمؤمنين كاملي الإيمان، لا أنهم منافقون، كما نفى الإيمان عن القاتل، والزاني، والسارق، ومن لا أمانة له . ويؤيد هذا سياق الآية، فإن السورة من أولها إلى هنا في النهي عن المعاصي، وأحكام بعض العصاة ، ونحو ذلك، وليس فيها ذكر المنافقين. ثم قال بعد ذلك: (( وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا )) ، ولو كانوا منافقين ما نفعتهم الطاعة، ثم قال: (( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا )) ، الآية، يعني - والله أعلم - أن المؤمنين الكاملي الإيمان، هم هؤلاء، لا أنتم، بل أنتم منتف عنكم الإيمان الكامل. يؤيد هذا: أنه أمرهم، أو أذن لهم، أن يقولوا: أسلمنا، والمنافق لا يقال له ذلك، ولو كانوا منافقين لنفى عنهم الإسلام، كما نفى عنهم الإيمان، ونهاهم أن يمنوا بإسلامهم، فأثبت لهم إسلاما، ونهاهم أن يمنوا به على رسوله، ولو لم يكن إسلاما صحيحا لقال: لم تسلموا، بل أنتم كاذبون، كما كذبهم في قولهم: (( نشهد إنك لرسول الله )) . والله أعلم بالصواب... ".
-
تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح : " ... وينتفي بعد هذا التقدير والتفصيل دعوى الترادف، وتشنيع من ألزم بأن الإسلام لو كان هو الأمور الظاهرة لكان ينبغي أن لا يقبل ذلك ، ولا يقبل إيمان المخلص ! وهذا ظاهر الفساد، فإنه قد تقدم تنظير الإيمان والإسلام بالشهادتين وغيرهما، وأن حالة الاقتران غير حالة الانفراد. فانظر إلى كلمة الشهادة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ) ، الحديث، فلو قالوا:" لا إله إلا الله "، وأنكروا الرسالة - ما كانوا يستحقون العصمة، بل لا بد أن يقولوا" لا إله إلا الله "قائمين بحقها، ولا يكون قائما بـ" لا إله إلا الله "حق القيام، إلا من صدق بالرسالة، وكذا من شهد أن محمدا رسول الله، لا يكون قائما بهذه الشهادة حق القيام، إلا من صدق هذا الرسول في كل ما جاء به. فتضمنت التوحيد، وإذا ضممت شهادة"أن لا إله إلا الله"إلى شهادة"أن محمدا رسول الله"- كان المراد من شهادة أن لا إله إلا الله إثبات التوحيد، ومن شهادة أن محمدا رسول الله إثبات الرسالة. كذلك الإسلام والإيمان: إذا قرن أحدهما بالآخر، كما في قوله تعالى: (( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات )) . وقوله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم لك أسلمت وبك آمنت ) : كان المراد من أحدهما غير المراد من الآخر. وكما قال صلى الله عليه وسلم: ( الإسلام علانية، والإيمان في القلب ) . وإذا انفرد أحدهما شمل معنى الآخر وحكمه، وكما في الفقير والمسكين ونظائره، فإن لفظي الفقير والمسكين إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فهل يقال في قوله تعالى: (( إطعام عشرة مساكين )) - أنه يعطى المقل دون المعدم، أو بالعكس ؟ وكذا في قوله تعالى: (( وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم )) ... " .
-
تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح : " ... قوله: " وجميع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق ". يشير الشيخ رحمه الله بذلك إلى الرد على الجهمية والمعطلة والمعتزلة والرافضة، القائلين بأن الأخبار قسمان: متواتر وآحاد، فالمتواتر - وإن كان قطعي السند - لكنه غير قطعي الدلالة، فإن الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين ! ! ولهذا قدحوا في دلالة القرآن على الصفات ! قالوا: والآحاد لا تفيد العلم، ولا يحتج بها من جهة طريقها، ولا من جهة متنها ! فسدوا على القلوب معرفة الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله من جهة الرسول، وأحالوا الناس على قضايا وهمية، ومقدمات خيالية، سموها قواطع عقلية، وبراهين يقينية ! ! وهي في التحقيق (( كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور )) . ومن العجب أنهم قدموها على نصوص الوحي، وعزلوا لأجلها النصوص، فأقفرت قلوبهم من الاهتداء بالنصوص، ولم يظفروا بالعقول الصحيحة المؤيدة بالفطرة السليمة والنصوص النبوية. ولو حكموا نصوص الوحي لفازوا بالمعقول الصحيح، الموافق للفطرة السليمة. بل كل فريق من أرباب البدع يعرض النصوص على بدعته، وما ظنه معقولا: فما وافقه قال: أنه محكم، وقبله واحتج به ! ! وما خالفه قال: إنه متشابه، ثم رده، وسمى رده تفويضا !! أو حرفه، وسمى تحريفه تأويلا ! ! فلذلك اشتد إنكار أهل السنة عليهم... " .
-
تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح : " ... وطريق أهل السنة: أن لا يعدلوا عن النص الصحيح، ولا يعارضوه بمعقول، ولا قول فلان، كما أشار إليه الشيخ رحمه الله. وكما قال البخاري رحمه الله: سمعت الحميدي يقول: كنا عند الشافعي رحمه الله، فأتاه رجل فسأله عن مسألة، فقال: قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فقال رجل للشافعي: ما تقول أنت ؟ ! فقال: سبحان الله ! تراني في كنيسة ! تراني في بيعة ! ترى على وسطي زنار ؟ ! أقول لك: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت تقول: ما تقول أنت؟! ونظائر ذلك في كلام السلف كثير. وقال تعالى: (( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم )) . وخبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول، عملا به وتصديقا له - يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة، وهو أحد قسمي المتواتر. ولم يكن بين سلف الأمة في ذلك نزاع، كخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (( إنما الأعمال بالنيات )) ، وخبر ابن عمر: (( نهى عن بيع الولاء وهبته ))، وخبر أبي هريرة: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها»، وكقوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، وأمثال ذلك. وهو نظير خبر الذي أتى مسجد قباء وأخبر أن القبلة تحولت إلى الكعبة. فاستداروا إليها ..".
-
تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح : "... قوله: " والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن ". قال تعالى: (( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون )) ، الآية. الولي: من" الولاية "بفتح الواو، التي هي ضد العداوة. وقد قرأ حمزة: (( ما لكم من ولايتهم من شيء )) بكسر الواو، والباقون بفتحها. وقيل: هما لغتان. وقيل: بالفتح النصرة، وبالكسر: الإمارة. قال الزجاج: وجاز الكسر؛ لأن في تولي بعض القوم بعضا جنسا من الصناعة والعمل، وكل ما كان كذلك مكسور، مثل: "الخياطة "ونحوها. فالمؤمنون أولياء الله، والله تعالى وليهم، قال الله تعالى: (( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات )) ، الآية. وقال تعالى: (( ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم )) . والمؤمنون بعضهم أولياء بعض قال تعالى: (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )) الآية وقال تعالى: (( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض )) إلى آخر السورة. وقال تعالى: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون )) . فهذه النصوص كلها ثبت فيها موالاة المؤمنين بعضهم لبعض، وأنهم أولياء الله، وأن الله وليهم ومولاهم. فالله يتولى عباده المؤمنين، فيحبهم ويحبونه، ويرضى عنهم ويرضون عنه، ومن عادى له وليا فقد بارزه بالمحاربة. وهذه الولاية من رحمته وإحسانه، ليست كولاية المخلوق للمخلوق لحاجته إليه. قال تعالى: (( وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا )) . فالله تعالى ليس له ولي من الذل، بل لله العزة جميعا، خلاف الملوك وغيرهم ممن يتولاه لذله وحاجته إلى ولي ينصره ...".
-
قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... والولاية معناها أيضا نظير الإيمان، فيكون مراد الشيخ: أن أهلها في أصلها سواء، وتكون كاملة وناقصة: فالكاملة تكون للمؤمنين المتقين، كما قال تعالى: (( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة )) ، فـ (( الذين آمنوا وكانوا يتقون ))- منصوب على أنه صفة (( أولياء الله )) ، أو بدل منه، أو بإضمار أمدح) ، أو مرفوع بإضمار(( هم )) ، أو خبر ثان لـ (( إن)) ، وأجيز فيه الجر، بدلا من ضمير(( عليهم )) . وعلى هذه الوجوه كلها فالولاية لمن كان من الذين آمنوا وكانوا يتقون، وهم أهل الوعد المذكور في الآيات الثلاث. وهي عبارة عن موافقة الولي الحميد في محابه ومساخطه، ليست بكثرة صوم ولا صلاة، ولا تملق ولا رياضة. وقيل:(( الذين آمنوا )) مبتدأ، والخبر (( لهم البشرى )) ، وهو بعيد، لقطع الجملة عما قبلها، وانتثار نظم الآية. وتجتمع في المؤمن ولاية من وجه، وعداوة من وجه، كما قد يكون فيه كفر وإيمان، وشرك وتوحيد، وتقوى وفجور، ونفاق وإيمان. وإن كان في هذا الأصل نزاع لفظي بين أهل السنة، ونزاع معنوي بينهم وبين أهل البدع، كما تقدم في الإيمان. ولكن موافقة الشارع في اللفظ والمعنى - أولى من موافقته في المعنى وحده، قال تعالى: (( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )) . وقال تعالى: (( قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ))، الآية. وقد تقدم الكلام على هذه الآية، وأنهم ليسوا منافقين على أصح القولين. وقال صلى الله عليه وسلم: ( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر ، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر ) ، وفي رواية: ( وإذا ائتمن خان )، بدل: ( وإذا وعد أخلف ) . أخرجاه في الصحيحين. وحديث" شعب الإيمان "تقدم. وقوله صلى الله عليه وسلم: ( يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ) ..." مع تعليق الشيخ.
-
تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية :" ... فيجب أن يعلم أن الله بفضل رحمته جعل هذا الدعاء من أعظم الأسباب المقتضية للخير، المانعة من الشر، فقد بين القرآن أن السيئات من النفس، وإن كانت بقدر الله، وأن الحسنات كلها من الله تعالى... " .
-
قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وإذا كان الأمر كذلك وجب أن يشكر سبحانه، وأن يستغفره العبد من ذنوبه، وأن لا يتوكل إلا عليه وحده، فلا يأتي بالحسنات إلا هو. فأوجب ذلك توحيده، والتوكل عليه وحده، والشكر له وحده، والاستغفار من الذنوب. وهذه الأمور كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمعها في الصلاة، كما ثبت عنه في الصحيح: أنه كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول: ( ربنا لك الحمد، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد ) . فهذا حمد، وهو شكر لله تعالى، وبيان أن حمده أحق ما قاله العبد، ثم يقول بعد ذلك: ( لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) . هذا تحقيق لوحدانيته، لتوحيد الربوبية، خلقا وقدرا، وبداية ونهاية، هو المعطي المانع، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولتوحيد الإلهية، شرعا وأمرا ونهيا، وهو أن العباد وإن كانوا يعطون جدا: ملكا وعظمة وبختا ورياسة، في الظاهر، أو في الباطن، كأصحاب المكاشفات والتصرفات الخارقة - فلا ينفع ذا الجد منك الجد، أي لا ينجيه ولا يخلصه، ولهذا قال: لا ينفعه منك، ولم يقل ولا ينفعه عندك؛ لأنه لو قيل ذلك أوهم أنه لا يتقرب به إليك، لكن قد لا يضره. فتضمن هذا الكلام تحقيق التوحيد، و تحقيق قوله: (( إياك نعبد وإياك نستعين )) ، فإنه لو قدر أن شيئا من الأسباب يكون مستقلا بالمطلوب، وإنما يكون بمشيئة الله وتيسيره - لكان الواجب أن لا يرجى إلا الله، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يسأل إلا هو، ولا يستغاث إلا به، ولا يستعان إلا هو، فله الحمد، وإليه المشتكى، وهو المستعان، وبه المستغاث، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فكيف وليس شيء من الأسباب مستقلا بمطلوب، بل لا بد من انضمام أسباب أخر إليه، ولا بد أيضا من صرف الموانع والمعارضات عنه، حتى يحصل المقصود، فكل سبب فله شريك، وله ضد، فإن لم يعاونه شريكه، ولم ينصرف عنه ضده - لم يحصل المسبب ..." مع تعليق الشيخ.
-
قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وأما الإمام إذا نسي أو أخطأ، ولم يعلم المأموم بحاله، فلا إعادة على المأموم، للحديث المتقدم. وقد صلى عمر رضي الله عنه وغيره وهو جنب ناسيا للجنابة. فأعاد الصلاة، ولم يأمر المأمومين بالإعادة. ولو علم أن إمامه بعد فراغه كان على غير طهارة، أعاد عند أبي حنيفة، خلافا لمالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه. وكذلك لو فعل الإمام ما لا يسوغ عند المأموم. وفيه تفاصيل موضعها كتب الفروع. ولو علم أن إمامه يصلي على غير وضوء ! ! فليس له أن يصلي خلفه، لأنه لاعب، وليس بمصل ..." مع تعليق الشيخ.
-
تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح : " ... وقوله:" وعلى من مات منهم "- أي ونرى الصلاة على من مات من الأبرار والفجار، وإن كان يستثنى من هذا العموم البغاة وقطاع الطريق، وكذا قاتل نفسه، خلافا لأبي يوسف، لا الشهيد، خلافا لمالك والشافعي رحمهما الله، على ما عرف في موضعه. لكن الشيخ إنما ساق هذا لبيان أنا لا نترك الصلاة على من مات من أهل البدع والفجور، لا للعموم الكلي. ولكن المظهرون للإسلام قسمان: إما مؤمن، وإما منافق، فمن علم نفاقه لم تجز الصلاة عليه والاستغفار له، ومن لم يعلم ذلك منه صلي عليه. فإذا علم شخص نفاق شخص لم يصل هو عليه، وصلى عليه من لم يعلم نفاقه، وكان عمر رضي الله عنه لا يصلي على من لم يصل عليه حذيفة، لأنه كان في غزوة تبوك قد عرف المنافقين، وقد نهى الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المنافقين، وأخبر أنه لا يغفر لهم باستغفاره، وعلل ذلك بكفرهم بالله ورسوله، فمن كان مؤمنا بالله ورسوله لم ينه عن الصلاة عليه، ولو كان له من الذنوب الاعتقادية البدعية أو العملية الفجورية ما له، بل قد أمره الله تعالى بالاستغفار للمؤمنين، فقال تعالى: (( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات )). فأمره سبحانه بالتوحيد والاستغفار لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات ، فالتوحيد أصل الدين، والاستغفار له وللمؤمنين كماله. فالدعاء لهم بالمغفرة والرحمة وسائر الخيرات، إما واجب وإما مستحب، وهو على نوعين: عام وخاص، أما العام فظاهر، كما في هذه الآية، وأما الدعاء الخاص، فالصلاة على الميت، فما من مؤمن يموت إلا وقد أمر المؤمنون أن يصلوا عليه صلاة الجنازة، وهم مأمورون في صلاتهم عليه أن يدعوا له، كما روى أبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء ) ...".
-
تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية : " .... قوله: " ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا، وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة " . قال تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )). وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ( من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني ) . وعن أبي ذر رضي الله عنه. قال: ( إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف ) . وعند البخاري: ( ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة ) ..." .
-
قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وعن عوف بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم ) ، فقلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك ؟ قال: ( لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة ) . فقد دل الكتاب والسنة على وجوب طاعة أولي الأمر، ما لم يأمروا بمعصية، فتأمل قوله تعالى: (( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) - كيف قال:(( وأطيعوا الرسول )) ، ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر منكم فقد أطاع الله، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمر بغير طاعة الله، بل هو معصوم في ذلك، وأما ولي الأمر فقد يأمر بغير طاعة الله، فلا يطاع إلا فيما هو طاعة لله ورسوله. وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا، فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد بالاستغفار والتوبة وإصلاح العمل. قال تعالى: (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير )) وقال تعالى: (( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم )) وقال تعالى: (( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك )) (( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون )) فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم. فليتركوا الظلم. وعن مالك بن دينار: أنه جاء في بعض كتب الله:" أنا الله مالك الملك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، لكن توبوا أعطفهم عليكم " ..."مع تعليق الشيخ.
-
تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية : "... قوله: " ونرى المسح على الخفين، في السفر والحضر، كما جاء في الأثر " . تواترت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسح على الخفين وبغسل الرجلين، والرافضة تخالف هذه السنة المتواترة، فيقال لهم: الذين نقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء قولا وفعلا، والذين تعلموا الوضوء منه وتوضؤا وهو يراهم ويقرهم، ونقلوه إلى من بعدهم -: أكثر عددا من الذين نقلوا لفظ هذه الآية. فإن جميع المسلمين كانوا يتوضؤن على عهده، ولم يتعلموا الوضوء إلا منه، فإن هذا العمل لم يكن معهودا عندهم في الجاهلية، وهم قد رأوه يتوضأ ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى: ونقلوا عنه غسل الرجلين في ما شاء الله من الحديث، حتى نقلوا عنه من غير وجه في كتب الصحيح وغيرها أنه قال: ( ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار ) . مع أن الفرض إذا كان مسح ظاهر القدم كان غسل الجميع كلفة لا تدعو إليها الطباع، كما تدعو الطباع إلى طلب الرياسة والمال، فلو جاز الطعن في تواتر صفة الوضوء، لكان في نقل لفظ آية الوضوء أقرب إلى الجواز، وإذا قالوا: لفظ الآية ثبت بالتواتر الذي لا يمكن فيه الكذب ولا الخطأ، فثبوت التواتر في نقل الوضوء عنه أولى وأكمل، ولفظ الآية لا يخالف ما تواتر من السنة، فإن المسح كما يطلق ويراد به الإصابة - كذلك يطلق ويراد به الإسالة، كما تقول العرب: تمسحت للصلاة، وفي الآية ما يدل على أنه لم يرد بمسح الرجلين المسح الذي هو قسيم الغسل، بل المسح الذي الغسل قسم منه، فإنه قال: (( إلى الكعبين ))، ولم يقل: إلى الكعاب، كما قال: (( إلى المرافق ))، فدل على أنه ليس في كل رجل كعب واحد، كما في كل يد مرفق واحد، بل في كل رجل كعبان، فيكون تعالى قد أمر بالمسح إلى العظمين الناتئين، وهذا هو الغسل، فإن من يمسح المسح الخاص يجعل المسح لظهور القدمين، وجعل الكعبين في الآية غاية يرد قولهم. فدعواهم أن الفرض مسح الرجلين إلى الكعبين، اللذين هما مجتمع الساق والقدم عند معقد الشراك - مردود بالكتاب والسنة... " .
-
يسأل السائل إذا استيقظ النائم من نوم ليلا أو نهارا فهل يجب عليه أن يستنجي ؟
-
تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية : "... قوله: " ونؤمن بالكرام الكاتبين، فإن الله قد جعلهم علينا حافظين " . قال تعالى: (( وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون )) . وقال تعالى: (( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )) . وقال تعالى: (( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله )) . وقال تعالى: (( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون )) . وقال تعالى: (( هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون )). وقال تعالى: (( إن رسلنا يكتبون ما تمكرون )) . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد إليه الذين كانوا فيكم، فيسألهم، والله أعلم بهم: كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وفارقناهم وهم يصلون ) . وفي الحديث الآخر: ( إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء وعند الجماع، فاستحيوهم، وأكرموهم ) . جاء في التفسير: اثنان عن اليمين وعن الشمال، يكتبان الأعمال، صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من ورائه، وواحد أمامه، فهو بين أربعة أملاك بالنهار، وأربعة آخرين بالليل، بدلا، حافظان وكاتبان. وقال عكرمة عن ابن عباس: (( يحفظونه من أمر الله )) . قال: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله خلوا عنه. وروى مسلم والإمام أحمد عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة ) قالوا: وإياك يا رسول الله ؟ قال:( وإياي، لكن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير ) . الرواية بفتح الميم من "فأسلم )ومن رواه( فأسلم ) برفع الميم - فقد حرف لفظه. ومعنى( فأسلم ) ، أي: فاستسلم وانقاد لي، في أصح القولين، ولهذا قال:( فلا يأمرني إلا بخير ) ، ومن قال: إن الشيطان صار مؤمنا - فقد حرف معناه، فإن الشيطان لا يكون مؤمنا ...".
-
قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... ومعنى: (( يحفظونه من أمر الله )) - قيل: حفظهم له من أمر الله، أي الله أمرهم بذلك، يشهد لذلك قراءة من قرأ:(( يحفظونه بأمر الله )) . ثم قد ثبت بالنصوص المذكورة أن الملائكة تكتب القول والفعل. وكذلك النية؛ لأنها فعل القلب، فدخلت في عموم (( يعلمون ما تفعلون )) . ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( قال الله عز وجل: إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها عليه سيئة، وإذا هم عبدي بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها عشرا ) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قالت الملائكة: ذاك عبد يريد أن يعمل سيئة، وهو أبصر به، فقال: ارقبوه، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، إنما تركها من جرائي ) ، خرجاهما في الصحيحين، واللفظ لمسلم ..." مع تعليق الشيخ.