1 - تتمة تعليق الشيخ على شرح الطحاوية : " ... ثم قد صار لفظ التأويل مستعملا في غير معناه الأصلي. فالتأويل في كتاب الله وسنة رسوله: هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام. فتأويل الخبر: هو عين المخبر به، وتأويل الأمر نفس الفعل المأمور به. كما قالت عائشة رضي الله عنها: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه: ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي ) يتأول القرآن ) . وقال تعالى: (( هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق )). ومنه تأويل الرؤيا، وتأويل العمل، كقوله: (( هذا تأويل رؤياي من قبل )) . وقوله: (( ويعلمك من تأويل الأحاديث )) . وقوله: (( ذلك خير وأحسن تأويلا )). وقوله: (( سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا )) ، إلى قوله: (( ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا )) . فمن ينكر وقوع مثل هذا التأويل، والعلم بما تعلق بالأمر والنهي منه ؟ وأما ما كان خبرا، كالإخبار عن الله واليوم الآخر، فهذا قد لا يعلم تأويله، الذي هو حقيقته، إذ كانت لا تعلم بمجرد الإخبار، فإن المخبر إن لم يكن قد تصور المخبر به، أو ما يعرفه قبل ذلك، لم يعرف حقيقته، التي هي تأويله، بمجرد الإخبار. وهذا هو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله. لكن لا يلزم من نفي العلم بالتأويل نفي العلم بالمعنى الذي قصد المخاطب إفهام المخاطب إياه، فما في القرآن آية إلا وقد أمر الله بتدبرها، وما أنزل آية إلا وهو يحب أن يعلم ما عنى بها، وإن كان من تأويله ما لا يعلمه إلا الله. فهذا معنى التأويل في الكتاب والسنة وكلام السلف، وسواء كان هذا التأويل موافقا للظاهر أو مخالفا له... " . أستمع حفظ
2 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... والتأويل في كلام كثير من المفسرين، كابن جرير ونحوه، يريدون به تفسير الكلام وبيان معناه، سواء وافق ظاهره أو خالف، وهذا اصطلاح معروف. وهذا التأويل كالتفسير، يحمد حقه، ويرد باطله - وقوله تعالى: (( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )) ، الآية - فيها قراءتان. قراءة من يقف على قوله (( إلا الله )) ، وقراءة من لا يقف عندها، وكلتا القراءتين حق. ويراد بالأولى المتشابه في نفسه الذي استأثر الله بعلم تأويله. ويراد بالثانية المتشابه الإضافي الذي يعرف الراسخون تفسيره، وهو تأويله. ولا يريد من وقف على قوله (( إلا الله )) أن يكون التأويل بمعنى التفسير للمعنى، فإن لازم هذا أن يكون الله أنزل على رسوله كلاما لا يعلم معناه جميع الأمة ولا الرسول، ويكون الراسخون في العلم لا حظ لهم في معرفة معناها سوى قولهم: (( آمنا به كل من عند ربنا ))، وهذا القدر يقوله غير الراسخ في العلم من المؤمنين، والراسخون في العلم يجب امتيازهم عن عوام المؤمنين في ذلك. وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله. ولقد صدق رضي الله عنه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له وقال: ( اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل ) . رواه البخاري وغيره. ودعاؤه صلى الله عليه وسلم لا يرد. قال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس، من أوله إلى آخره، أقفه عند كل آية وأسأله عنها. وقد تواترت النقول عنه أنه تكلم في جميع معاني القرآن، ولم يقل عن آية: إنها من المتشابه الذي لا يعلم أحد تأويله إلا الله... " مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ
3 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وقول الأصحاب رحمهم الله في الأصول: إن المتشابه الحروف المقطعة في أوائل السور، ويروى هذا عن ابن عباس. مع أن هذه الحروف قد تكلم في معناها أكثر الناس، فإن كان معناها معروفا، فقد عرف معنى المتشابه، وإن لم يكن معروفا، وهي المتشابه، كان ما سواها معلوم المعنى، وهذا المطلوب. وأيضا فإن الله قال: (( منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات )). وهذه الحروف ليست آيات عند جمهور العادين. والتأويل في كلام المتأخرين من الفقهاء والمتكلمين: هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدلالة توجب ذلك. وهذا هو التأويل الذي يتنازع الناس فيه في كثير من الأمور الخبرية والطلبية. فالتأويل الصحيح منه: الذي يوافق ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وما خالف ذلك فهو التأويل الفاسد، وهذا مبسوط في موضعه. وذكر في " التبصرة " أن نصير بن يحيى البلخي روى عن عمر بن إسماعيل بن حماد بن أبي يحيى بن محمد بن الحسن رحمهم الله: أنه سئل عن الآيات والأخبار التي فيها من صفات الله تعالى ما يؤدي ظاهره إلى التشبيه ؟ فقال: نمرها كما جاءت، ونؤمن بها، ولا نقول: كيف وكيف. ويجب أن يعلم أن المعنى الفاسد الكفري ليس هو ظاهر النص ولا مقتضاه، وأن من فهم ذلك منه فهو لقصور فهمه ونقص علمه، وإذا كان قد قيل في قول بعض الناس: وكم من عائب قولا صحيحا... وآفته من الفهم السقيم وقيل: علي نحت القوافي من مقاطعها... وما علي لهم أن تفهم البقر . فكيف يقال في قول الله، الذي هو أصدق الكلام وأحسن الحديث، وهو الكتاب الذي (( أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير )) . إن حقيقة قولهم إن ظاهر القرآن والحديث هو الكفر والضلال، وإنه ليس فيه بيان لما يصلح من الاعتقاد، ولا فيه بيان التوحيد والتنزيه ؟ ! هذا حقيقة قول المتأولين. والحق أن ما دل عليه القرآن فهو حق، وما كان باطلا لم يدل عليه. والمنازعون يدعون دلالته على الباطل الذي يتعين صرفه! ... " مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ