1 - تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية : " ... قال القرطبي: وهذه الآية مشكلة، وقد تكلم العلماء في تأويلها، فنذكر ما ذكروه من ذلك، حسب ما وقفنا عليه. فقال قوم: معنى الآية: أن الله أخرج من ظهر بني آدم بعضهم من بعض، قالوا ومعنى (( وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم )) ، دلهم على توحيده، لأن كل بالغ يعلم ضرورة أن له ربا واحدا. (( ألست بركم )) أي: قال، فقام ذلك مقام الإشهاد عليهم، كما قال تعالى في السماوات والأرض: (( قالتا أتينا طائعين )) ، ذهب إلى هذا القفال وأطنب. وقيل: إنه سبحانه وتعالى أخرج الأرواح قبل خلق الأجساد، وإنه جعل فيها من المعرفة ما علمت به ما خاطبها. ثم ذكر القرطبي بعد ذلك الأحاديث الواردة في ذلك، إلى آخر كلامه. وأقوى ما يشهد لصحة القول الأول: حديث أنس المخرج في الصحيحين الذي فيه: ( قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي ) . ولكن قد روي من طريق أخرى: ( قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل، فيرد إلى النار ). وليس فيه" في ظهر آدم ". وليس في الرواية الأولى إخراجهم من ظهر آدم على الصفة التي ذكرها أصحاب القول الأول... ". أستمع حفظ
2 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... بل القول الأول متضمن لأمرين عجيبين: أحدهما: كون الناس تكلموا حينئذ وأقروا بالإيمان وأنه بهذا تقوم الحجة عليهم يوم القيامة. والثاني: أن الآية دلت على ذلك، والآية لا تدل عليه لوجوه: أحدها: أنه قال: من بني آدم، ولم يقل: من آدم. الثاني: أنه قال: من ظهورهم، ولم يقل: من ظهره، وهذا بدل بعض، أو بدل اشتمال، وهو أحسن. الثالث: أنه قال: ذرياتهم ولم يقل: ذريته. الرابع: أنه قال: وأشهدهم على أنفسهم، ولا بد أن يكون الشاهد ذاكرا لما شهد به، وهو إنما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدار- كما تأتي الإشارة إلى ذلك - لا يذكر شهادة قبله. الخامس: أنه سبحانه أخبر أن حكمة هذا الإشهاد إقامة للحجة عليهم، لئلا يقولوا يوم القيامة: (( إنا كنا عن هذا غافلين ))، والحجة إنما قامت عليهم بالرسل والفطرة التي فطروا عليها، كما قال تعالى: (( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )). السادس: تذكيرهم بذلك، لئلا يقولوا يوم القيامة: (( إنا كنا عن هذا غافلين ))، ومعلوم أنهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلهم وإشهادهم جميعا ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم. السابع: قوله تعالى: (( أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم )) ، فذكر حكمتين في هذا الإشهاد؛ لئلا يدعوا الغفلة، أو يدعوا التقليد، فالغافل لا شعور له، والمقلد متبع في تقليده لغيره. ولا تترتب هاتان الحكمتان إلا على ما قامت به الحجة من الرسل والفطرة. الثامن: قوله:(( أفتهلكنا بما فعل المبطلون )) ، أي لو عذبهم بجحودهم وشركهم لقالوا ذلك، وهو سبحانه إنما يهلكهم بمخالفة رسله وتكذيبهم، وقد أخبر سبحانه أنه لم يكن ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون، وإنما يهلكهم بعد الإعذار والإنذار بإرسال الرسل. التاسع: أنه سبحانه أشهد كل واحد على نفسه أنه ربه وخالقه، واحتج عليه بهذا في غير موضع من كتابه، كقوله: (( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله )) ، فهذه هي الحجة التي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها، وذكرتهم بها رسله، بقولهم: (( أفي الله شك فاطر السماوات والأرض )). العاشر: أنه جعل هذا آية، وهي الدلالة الواضحة البينة المستلزمة لمدلولها وهذا شأن آيات الرب تعالى، فقال تعالى: (( وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون )) ، وإنما ذلك بالفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، فما من مولود إلا يولد على الفطرة، لا يولد مولود على غير هذه الفطرة، هذا أمر مفروغ منه، لا يتبدل ولا يتغير. وقد تقدمت الإشارة إلى هذا. والله أعلم... " مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ
3 - تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح . " ... وقد تفطن لهذا ابن عطية وغيره، ولكن هابوا مخالفة ظاهر تلك الأحاديث التي فيها التصريح بأن الله أخرجهم وأشهدهم على أنفسهم ثم أعادهم. وكذلك حكى القولين الشيخ أبو منصور الماتريدي في شرح التأويلات ورجح القول الثاني، وتكلم عليه ومال إليه. ولا شك أن الإقرار بالربوبية أمر فطري، والشرك حادث طارئ، والأبناء تقلدوه عن الآباء، فإذا احتجوا يوم القيامة بأن الآباء أشركوا ونحن جرينا على عادتهم كما يجري الناس على عادة آبائهم في المطاعم والملابس والمساكن، يقال لهم: أنتم كنتم معترفين بالصانع، مقرين بأن الله ربكم لا شريك له، وقد شهدتم بذلك على أنفسكم، فإن شهادة المرء على نفسه هي إقراره بالشيء ليس إلا، قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم )). وليس المراد أن يقول: أشهد على نفسي بكذا، بل من أقر بشيء فقد شهد على نفسه به، فلم عدلتم عن هذه المعرفة والإقرار الذي شهدتم به على أنفسكم إلى الشرك ؟ بل عدلتم عن المعلوم المتيقن إلى ما لا يعلم له حقيقة، تقليدا لمن لا حجة معه، بخلاف اتباعهم في العادات الدنيوية، فإن تلك لم يكن عندكم ما يعلم به فسادها، وفيه مصلحة لكم، بخلاف الشرك، فإنه كان عندكم من المعرفة والشهادة على أنفسكم ما يبين فساده وعدولكم فيه عن الصواب فإن الدين الذي يأخذه الصبي عن أبويه هو: دين التربية والعادة، وهو لأجل مصلحة الدنيا، فإن الطفل لا بد له من كافل، وأحق الناس به أبواه، ولهذا جاءت الشريعة بأن الطفل مع أبويه على دينهما في أحكام الدنيا الظاهرة، وهذا الدين لا يعاقبه الله عليه - على الصحيح -حتى يبلغ ويعقل وتقوم عليه الحجة، وحينئذ فعليه أن يتبع دين العلم والعقل، وهو الذي يعلم بعقله هو أنه دين صحيح، فإن كان آباؤه مهتدين، كيوسف الصديق مع آبائه، قال: (( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب )) ، وقال ليعقوب بنوه: (( نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق )) ، وإن كان الآباء مخالفين الرسل، كان عليه أن يتبع الرسل، كما قال تعالى: (( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما )) الآية(3). فمن اتبع دين آبائه بغير بصيرة وعلم، بل يعدل عن الحق المعلوم إليه، فهذا اتبع هواه، كما قال تعالى: (( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون )) . وهذه حال كثير من الناس من الذين ولدوا على الإسلام، يتبع أحدهم أباه فيما كان عليه من اعتقاد ومذهب، وإن كان خطأ ليس هو فيه على بصيرة، بل هو من مسلمة الدار، لا مسلمة الاختيار، وهذا إذا قيل له في قبره: من ربك ؟ قال ؟ هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته ... ". أستمع حفظ
4 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... فليتأمل اللبيب هذا المحل، ولينصح نفسه، وليقم معه، ولينظر من أي الفريقين هو ؟ والله الموفق، فإن توحيد الربوبية لا يحتاج إلى دليل، فإنه مركوز في الفطر. وأقرب ما ينظر فيه المرء أمر نفسه لما كان نطفة، وقد خرج من بين الصلب والترائب، والترائب: عظام الصدر، ثم صارت تلك النطفة في قرار مكين، في ظلمات ثلاث، وانقطع عنها تدبير الأبوين وسائر الخلائق..." مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ