السائل : حصل لزوجتي أنها أتتها أعراض الدورة الشهرية من الألم والمغص مع عدم وجود دم في شهر رمضان، وفي اليوم الثاني وجدت صفرة مع وجود دم بسيط، ثم انقطع الدم، وفي اليوم الثالث بدأ نزول الدم طبيعيا مثل عادتها.
سؤالي: ما حكم صيامها في اليومين التي لم تشاهد فيها إلا الصفرة مع نزول الدم البسيط المنقطع، مع العلم أن هذا الأمر لم يحدث لها من قبل؟
الشيخ : لا شك أن الحيض هو الدم الذي ينزل من المرأة، وهو دم طبيعي كتبه الله على بنات آدم، ينزل في أوقات معلومة، وبصفات معلومة، وبأعراض معلومة.
فإذا تمت هذه الأعراض وهذه الأوصاف فهو دم الحيض الطبيعي الذي تترتب عليه أحكامه.
أما إذا لم يكن كذلك فليس حيضاً، وقد قالت أم عطية - رضي الله عنها - : ( كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً )، وفي رواية أبي داود : ( كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً ) يعني شيئاً من الحيض.
فهذه المرأة التي ذكرت أنها أصابتها أعراض الحيض، ولكن لم ينزل الحيض وإنما نزلت الصفرة، فإن ظاهر حديث أم عطية - رضي الله عنها - أن هذه الصفرة ليست بحيض.
وعلى هذا فصيامها في هذه الأيام يكون صحيحاً، لأنه لم يحصل الحيض بعد.

السائل : نرجوا من فضيلتكم توجيه كلمة للجميع وكلمة أخرى لطلبة العلم كيف يكون السلوك الأمثل لإنكار المنكرات بحيث لا يحصل من ذلك مفسدة؟
الشيخ : هذا الطلب من السائل سبق الإجابة عليه في الدرس الماضي في الليلة الماضية، فإنا ذكرنا ما ينبغي للطالب والداعي إلى الله أن يكون عليه من توجيه المسلمين والدعوة بالتي هي أحسن.

الشيخ : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد :
أيها الإخوة المؤمنون، فإننا في هذه الليلة، ليلة الجمعة الموافق للسابع والعشرين من شهر رمضان عام ألف وأربعمائة وثمانية.
في هذه الليلة، نرجو من الله سبحانه وتعالى أن تكون ليلة القدر وأن نكون موفقين فيها.
وينبغي أن ندعو الله عز وجل بقول : ( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا ).
فإن الله سبحانه وتعالى من أسمائه العفو، ومن صفاته أنه يحب العفو، فإن رحمته سبقت غضبه.
وينبغي للإنسان أن يتعرض في هذه الليلة وفي غيرها من ليالي العشر، بل وفي غيرها من ليالي السنة، أن يتعرض لرحمة الله عز وجل، ولا سيما في الثلث الآخر من الليل، فإن الله ينزل فيه إلى السماء الدنيا فيقول : ( من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له ).

الشيخ : ينبغي لنا أن نغلب في فعل الطاعات أن نغلب جانب الرجاء، لأن هذا من إحسان الظن، فإذا بذلنا جهد وعملنا الصالحات على حسب ما أمرنا به فإن ذلك يوجب للإنسان أن يحسن الظن بربه.
أما في جانب المعاصي وعندما تأمرك النفس الأمارة بالسوء بالمعصية، فغلب جانب الخوف حتى يردعك الخوف عن فعل المعصية.
في صلاة القيام وهي صلاة التراويح التي مضت استمعنا إلى آيات في معان متقاربة :
الآيات الأولى : آيات الظهار.
والآيات الثانية : آيات الطلاق.
والآيات الثالثة آيات التحريم.
فنتكلم إن شاء الله على هذه الآيات في كلام موجز حتى لا يفوت علينا الوقت فيما نحن بصدده من الكلام على الصلاة.

الشيخ : أما آيات الظهار، فقد قال الله تعالى : (( الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ * مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ )).
والظهار أن يقول الإنسان لزوجته: أنت علي كظهر أمي.
هذا القول وصفه الله تعالى بوصفين، قال : (( وإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا )) منكر لأنه محرم، وزور لأنه كذب.
فهل زوجتك التي هي أحل النساء لك كأمك التي هي أحرم المحرمات عليك؟ أجيبوا ؟
الطلاب : لا.
الشيخ : لا، إذن فهو زور وكذب.
ولهذا قال الله تعالى في سورة الأحزاب : (( مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ * وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ * وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ )).

الشيخ : ثم بين الله تعالى كفارة من ظاهر من امراته، وماذا يجب عليه فقال : (( وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا )).
هذه المرتبة الأولى، إذا قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي، فإنها لا تحل له إلا إذا أعتق رقبة (( فتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا )).
فإن لم يجد قال الله تعالى : (( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا )).
فلا بد أن يصوم شهرين متتابعين قبل أن يمس زوجته، فإن مسها في أثناء هذين الشهرين وجب عليه إعادة الشهرين، لأن الله اشترط (( شهرين من قبل أن يتماسا )) حتى لو جامعها في آخر يوم من الشهرين أو في آخر ليلة من الشهرين، فإنه يجب عليه أن يعيد الشهرين، لأنه اشترط (( شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا )).
فإن لم يستطع لكونه مريضا لا يستطيع أن يصوم الشهرين المتتابعين، فإنه يطعم ستين مسكينا.
فكفارة الظهار إذن كم ؟
الطالب : أقولها؟
الشيخ : نعم.
الطالب : بالنسبة للظهار عندنا ثلاث أنواع من الكفارات : عتق رقبة، فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.
الشيخ : طيب.
وكثير من الناس الآن يتساهل في هذه المسألة، يغاضب زوجته فيقول: أنت علي مثل أمي، أو أنت علي كظهر أمي، أو ما أشبه ذلك من الكلام الذي يتأسف عليه من حين أن يتكلم به، ويذهب إلى باب كل عالم يطرقه لعله يجد مخلصا من هذا الأمر الذي وقع فيه.

الشيخ : أما الأمر الثاني أو الآيات الثانية فهي آيات الطلاق.
قال الله تعالى فيها : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ )).
(( إذا طلقتم )) الخطاب للجماعة (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ )) النداء لواحد أو لجماعة؟
لواحد.
فكيف كان النداء لواحد والخطاب الموجه للمنادى لجماعة؟
لأن الخطاب الموجه للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب له ولأمته معه، ولأن هذا من أجل أن يتبين عظم شأن الطلاق، أن الله خاطب بأحكام الطلاق إمام الأمة، وهو نبينا صلى الله عليه وسلم، ليدل ذلك على أن أحكام الطلاق هامة جدا، ولهذا نودي بها إمام الأمة (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ )).

والشيخ : وكيف نطلقهن لعدتهن؟
أن يطلقها الإنسان وهي طاهر من الحيض من غير جماع، أو يطلقها وهي حامل، فهذا طلاق العدة.
أن يطلقها طاهرا من الحيض، أو حاملا.
وعكس ذلك أن يطلقها وهي حائض، أو أن يطلقها في طهر جامعها فيه ولم يتبين حملها.
انتبه.
طيب، عندنا إذا طلقها حاملا فقد طلق ايش؟
لعدة أو لا؟
لعدة، لأنها تشرع في عدتها فورا.

الشيخ : وعدتها -أي الحامل- وضع الحمل، حتى لو لم تبق بعد طلاقه إلا دقيقة واحدة فإنها تنتهي عدتها بوضع الحمل.
حتى لو طلقها وهي تطلق ثم خرج الجنين بعد طلاقه بخمس دقائق أو أقل، فإن عدتها تنتهي لقوله تعالى : (( وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ )).
وقد اشتهر عند العامة أن الحامل لا طلاق عليها، ولهذا يسألون كثيرا عن الرجل يطلق زوجته وهي حامل، فهل يقع الطلاق أو لا يقع؟
والجواب : يقع، ولا إشكال فيه، ولا خلاف فيه بين العلماء أن طلاق الحامل واقع.

الشيخ : ثانيا : أن يطلقها في طهر من الحيض لم يجامعها فيه، لأنه إذا طلقها في هذه الحال - أي في طهر لم يجامعها فيه - فإنه يكون قد طلقها للعدة، إذ إنها تشرع في عدة متيقنة من حين أن يطلقها.
ماهي العدة المتيقنة؟
ثلاث حيض، لقوله تعالى : (( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ))، أي ثلاث حيض.
وهنا أيضا يغلط كثير من العامة يظنون أن عدة المرأة إذا طلقت وهي غير حامل يظنون أن عدتها ثلاثة أشهر، وهذا خطأ.

الشيخ : عدة المطلقة ثلاثة أشهر إذا كانت صغيرة لم يأتها الحيض بعد، أو إذا كانت آيسة، لقوله تعالى : (( وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ )).
أما التي يأتيها الحيض فعدتها ثلاث حيض.
لو كانت هذه المرأة لا يأتيها الحيض في ثلاثة أشهر إلا مرة، كم تكون عدتها بالأشهر؟
تسعة أشهر.
لو طلقها وهي ترضع، والعادة أن االمطلقة في حال الرضاع ، - أنا رأيت أن المرأة المرضعة لا يأتيها الحيض - فبقيت لم يأتها الحيض سنتين حتى فطمت الصبي ثم جاءها الحيض.
كم تكون عدتها؟
نعم، ثلاث حيض بعد السنتين.
انتبهوا لهذا.
إذا طلقها في طهر جامعها فيه فالطلاق محرم،
لماذا؟ لأنه طلقها لغير العدة.
كيف كان لغير العدة؟
لأن هذه المرأة التي وطئت الآن لا ندري هل تحمل من الوطء فتكون عدتها عدة حامل، أو لا تحمل فتكون عدتها بالحيض، فكان طلاقها حينئذ لعدة محتملة: محتملة أن تكون عدة حامل إن حملت، أو عدة حائل إن لم تحمل، وهذا التردد يكون مفسدا أو بالأصح محرما للطلاق.

الشيخ : فإن طلقها وهي حائض فالطلاق إذن محرم.
إن طلقها وهي حائض فهو طلاق محرم.
لماذا؟
لأنه لم يطلق للعدة إذ أن هذه الحيضة التي وقع فيها الطلاق لاتحسب من العدة، وإذا كانت لا تحسب فمقتضاه أنه لم يطلق للعدة، وحينئذ يكون الطلاق حراما.
طيب، لو طلقها وهي نفساء، فهل يكون مطلقا للعدة أو لا؟
الجواب : يكون مطلقا للعدة.
ليش؟ لأن النفاس لا يعتبر من العدة، ولا يحتسب من العدة.
فإذا طلقها فإنها تشرع حالا في عدتها، إذ أن عدتها ثلاث حيض.
والنفاس لا يحسب من العدة بخلاف ما إذا طلقها في الحيض، فإن الحيض من العدة.
ولهذا يحرم أن يطلقها وهي حائض.
أما إذا طلقها وهي نفساء، فإنه يكون قد طلقها للعدة، فيقع الطلاق.

الشيخ : بقي أن يقال : لو أن الإنسان طلق لغير العدة فهل ينفذ الطلاق؟ مثل أن يطلقها وهي حائض أو في طهر جامعها فيه، فهل يكون الطلاق هنا واقعا ونافذا مع التحريم؟ أو يكون غير واقع ولا نافذ؟
في هذا خلاف بين العلماء، وجمهور أهل العلم أن هذا الطلاق واقع مع التحريم.
فإذا طلقها وهي حائض حُسب عليه، ولكنه يؤمر بأن يراجعها حتى يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، لأن هذا هو الطلاق للعدة.
وما أكثر الذين يطلقون لغير العدة الآن، إما جهلا منهم، وإما أنهم يطلقون إذا غضبوا أدنى غضب، ولا يسألون عن زوجاتهم، هل هن في حالة تصلح للطلاق أو لا؟
فإذا طلق وأندمه الشيطان ذهب إلى أبواب أهل العلم يسأل إنه طلق امرأته وهي حائض، أنه طلقها في طهر جامعها فيه، وما أشبه ذلك من الأشياء التي توجب ارتباك هؤلاء الرجال، وإرباك أهل العلم أيضا.
فليحذر الإنسان أن يطلق زوجته وهي حائض أو أن يطلقها في طهر جامعها فيه، إلا إذا تبين حملها بعد الجماع فيطلقها.

الشيخ : الثالث : آيات التحريم.
إذا حرم الإنسان شيئا حلالا مثل أن يقول : حرام علي أن اشتري هذا الثوب، أو يقول : حرام علي أن آكل هذا الطعام، أو يقول: حرام علي أن أزور فلانا، فماذا يصنع هذا الرجل؟
استمع الى الفتوى من الله عز وجل : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ))
(( قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمُ )) فجعل الله التحريم يمينا.
وعليه فإذا قال الرجل: حرام علي أن ألبس هذا الثوب، ثم لبسه وجب عليه كفارة يمين.
إذا قال: حرام علي أن آكل هذا الطعام فأكله وجب عليه كفارة يمين.
إذا قال: حرام علي أن أزور فلانا فزاره وجب عليه كفارة يمين، لأن الله قد قال : (( قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ )).
وفي سورة المائدة قال : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ * لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ )) فأعقب النهي عن تحريم ما أحل الله أعقبه ببيان كفارة اليمين، وهذا إيماء وإشارة إلى أن حكم تحريم ما أحل الله حكمه حكم اليمين.

الشيخ : طيب، لو حرم الإنسان زوجته فقال : أنت علي حرام، ولكن لم يقل أنت علي كظهر أمي، فهل يكون يمينا أو يكون ظهارا؟
يرى بعض أهل العلم أنه ظهار، ويرى آخرون أنه يمين، والأقرب أنه يمين لدخوله في عموم قوله تعالى : (( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك )).
فإن الزوجة مما أحل الله له، فإذا حرمها فتحريمها يمين.
وهذا هو الذي صح عن ابن عباس رضي الله عنهما في إحدى الروايتين عنه ( أنه إذا قال لزوجته : أنت علي حرام، فهو يمين يكفرها ).وعلى هذا فلا يخص من هذا العموم شيء.
هذه ثلاث مسائل تقع كثيرا : الظهار، والثاني الطلاق، والثالث التحريم.
وكلها يجب على المؤمن أن يعرف حكم الله فيها، إذا كان يمكن أن تصدر منه حتى لايصدرها إلا على الوجه المشروع.

الشيخ : وبعد هذا نعود إلى ما نحن بصدده من الكلام على ايش؟
الطالب : إقام الصلاة.
الشيخ : على إقام الصلاة.
وقد ذكرنا عدة مسائل، والحقيقة أن الكلام يطول بنا لو استكملنا ما يتعلق بإقام الصلاة.
لكن أرى أن نقتصر الليلة على بيان صفة الصلاة لتكون الليلتان المقبلتان إن شاء الله تعالى في الكلام عن الزكاة وعن الصيام، والليلة الثالثة إن تم الشهر عن الحج.
وبذلك تتم أركان الإسلام التي بينها رسول الله عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل.

الشيخ : أولا : اعتقد أنك إذا قمت إلى الصلاة فإنما تقوم بين يدي الله عز وجل الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويعلم ما توسوس به نفسك، وحينئذٍ حافظ على أن يكون قلبك مشغولاً بصلاتك، كما أن جسمك مشغولا بصلاتك، جسمك متجه إلى القبلة إلى الجهة التي أمرك الله عز وجل، فليكن قلبك أيضاً متجهاً إلى الله.
أما أن يتجه الجسم إلى ما أمر الله بالتوجه إليه، ولكن القلب ضائع فهذا نقص كبير، حتى إن بعض العلماء يقول: إذا غلب الوسواس يعني الهواجيس على أكثر الصلاة فإنها تبطل، والأمر شديد .
إذا أقبلت إلى الصلاة فاعتقد أنك مقبل على الله عز وجل .
وإذا وقفت تصلي فاعتقد أنك تناجي الله عز وجل، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قام أحدكم يصلي، فإنه يناجي ربه ).
إذا وقفت في الصلاة، فاعتقد أن الله عز وجل قبل وجهك، ليس في الأرض التي أنت فيها، ولكنه قبل وجهك وهو على عرشه عز وجل ، وما ذلك على الله بعسير، فإن الله ليس كمثله شيء في جميع صفاته، فهو فوق عرشه، وهو قبل وجه المصلي إذا صلى.
وحينئذٍ تدخل وقلبك مملوء بتعظيم الله عز وجل، ومحبته، والتقرب إليه.

الشيخ : فتكبر تقول : الله أكبر .
ومع هذا التكبير ترفع يديك إلى حذو منكبيك، أو إلى فروع أذنيك، المنكب يعني الكتف، وفروع الأذنين.
ثم تضع يدك اليمنى على يدك اليسرى، على الذراع، كما صح ذلك في البخاري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال : ( كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة ).
ثم تخفض رأسك، فلا ترفعه إلى السماء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة ).
واشتد قوله في ذلك، حتى قال : ( لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم ).
ولهذا ذهب من ذهب من أهل العلم إلى تحريم رفع المصلي رأسه إلى السماء أو بصره إلى السماء، وهو قول وجيه جداً، لأنه لا وعيد على شيء إلا وهو محرم .
طيب، تخفض بصرك أوتطأطئ رأسك، لكن قال العلماء : لا يضع ذقنه على صدره، يعني لا يخفضه كثيراً حتى يقع الذقن الذي هو مجمع اللحيين على الصدر، بل يخفضه مع فاصل يسير عن صدره.

الشيخ : ويستفتح فيقول : ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد ).
هذا هو الاستفتاح الذي سأل أبو هريرة النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : يا رسول الله أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة، ما تقول ؟ قال أقول : ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي ) إلى آخر ماسمعتم.
ثم يقول بعد ذلك بعد الاستفتاح: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم يقرأ الفاتحة.
وهل يستفتح بغير ذلك؟
الجواب : نعم.
يستفتح باستفتاح آخر بدلا عن هذا، وهو
( سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك ).
ويستفتح صلاة الليل بما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستفتح به، وهو : ( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كان فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ).
ولكن هل يجمع بين هذه الاستفتاحات؟
لا، إنما يقول هذه مرة وهذه مرة، ليأتي بالسنة على جميع وجوهها.

الشيخ : ثم يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، بعد التعوذ ، ويقرأ الفاتحة، والفاتحة سبع آيات: أولها (( الحمد لله رب العالمين ))، وآخرها (( غير المغضوب عليهم ولا الضالين )).
(( الحمد لله رب العالمين* الرحمن الرحيم* مالك يوم الدين* إياك نعبد وإياك نستعين *اهدنا الصراط المستقيم *صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين )) كم هذه؟ سبع آيات.
دليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: (( الحمد الله رب العالمين )) قال الله : حمدني عبدي، فإذا قال : (( الرحمن الرحيم )) قال الله : أثنى علي عبدي.
فإذا قال : (( مالك يوم الدين )) قال : مجدني عبدي .
فإذا قال : (( إياك نعبد وإياك نستعين )) قال الله : هذا بيني وبين عبدي نصفين.
فإذا قال: (( اهدنا الصراط المستقيم )) قال الله : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) .
فتبين بهذا الحديث أن أول الفاتحة (( الحمد لله رب العالمين )).
أما البسملة فهي آية من كتاب الله، ولكنها ليست آية من كل سورة، بل هي آية مستقلة يؤتى بها في ابتداء كل سورة سوى سورة براءة فإنه ليس فيها بسملة، وليس لها بدل، خلافاً لما يوجد في بعض المصاحف، يكتب على الهامش عند ابتداء براءة: "أعوذ بالله من النار، ومن كيد الفجار، ومن غضب الجبار، العزة لله ولرسوله وللمؤمنين" هذه وجدتها مكتوبة في بعض المصاحف، على هامش أول سورة براءة.
وهذا خطأ ليس بصواب، فهي ليس فيها بسملة، وليس فيها شيء بديل عن البسملة .

الشيخ : إذا انتهى من الفاتحة ماذا يقول؟
يقول: آمين.
آمين معناها : اللهم استجب، فهي اسم فعل أمر بمعنى استجب.
ثم يقرأ بعد ذلك سورة ينبغي أن تكون:
في المغرب غالباً بقصار المفصّل .
وفي الفجر بطوال المفصّل .
وفي الباقي بأوساطه .
والمفصل أوله ق، وآخره : قل أعوذ برب الناس، وسمي مفصلاً لكثرة فواصله .
طوال المفصل من ق إلى عم .
وأوساطه من عم إلى الضحى.
وقصاره من الضحى إلى آخر القرآن.
المغرب يقرأ فيه غالباً بقصار المفصّل، والفجر بطواله، والباقي بأوساطه.
ولا بأس، بل من السنة أن يقرأ الإنسان أحيانا في المغرب بطوال المفصل، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في المغرب بـالطور، والمرسلات.

الشيخ : بعد أن يقرأ السورة مع الفاتحة يرفع يديه مكبراً ليركع.
يرفع يديه حذو منكبيه أو فروع أذنيه.
ثم يضع اليدين على الركبتين، مفرجتي الأصابع، ويجافي عضديه عن جانبيه، ويسوي ظهره برأسه، ويقصر ظهره فلا يقوسه، قالت عائشة رضي الله عنها : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك ).
ويقول : سبحان ربي العظيم، يكررها ثلاث مرات.
ويقول أيضاً : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي .
ويقول أيضاً : سبوح قدوس رب الملائكة والروح،
ويكثر من تعظيم الله سبحانه وتعالى في حال الركوع.

الشيخ : ثم يرفع رأسه قائلاً: سمع الله لمن حمده، رافعاً يديه إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه.
ويضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى في هذا القيام، لقول سهل بن سعد : ( كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة ).
وهذا عام يستثنى منه السجود والجلوس والركوع،
لأن السجود توضع فيه اليد على الأرض،
والجلوس على الفخذين .
والركوع على الركبتين.
فيبقى القيام الذي قبل الركوع والذي بعده داخلاً في عموم قوله: ( في الصلاة ).
ويقول بعد رفعه: ربنا لك الحمد، أو ربنا ولك الحمد، أو اللهم ربنا لك الحمد، أو اللهم ربنا ولك الحمد.
فالصفات كم؟ أربعة.
هل يقولها في آن واحد؟
لا، يقول هذا مرة وهذا مرة.

الشيخ : وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يفهمها : أن العبادات إذا وردت على وجوه متنوعة، فإنها تفعل على هذه الوجوه، على هذا مرة، وعلى هذا مرة .
وفي ذلك فائدتان، انتبه يا أخ، في ذلك فائدتان:
الفائدة الأولى: الإتيان بالسنة على جميع وجوهها.
الفائدة الثانية: حفظ السنة، لأنك لو أهملت إحدى الصفتين نُسيت، ولم تحفظ.
في فائدة ثالثة أيضا.
الفائدة الثالثة: ألا يكون فعل الإنسان لهذه السنة على سبيل العادة، لأن كثيراً من الناس إذا أخذ بسنة واحدة صار يفعلها على سبيل العادة ولا يستحضرها، لكن إذا كان يعودّ نفسه أن يقول هذا مرة وهذا مرة، صار منتبهاً للسنة.
ففي ذلك إذن كم من فائدة ؟ ثلاث فوائد.
يعني إذا جاءت العبادة على وجوه متنوعة فالأفضل أن تفعلها على جميع الوجه، هذا مرة، وهذا مرة، لهذه الفوائد الثلاثة.
العمل بالسنة في جميع أمورها.
ثانيا : حفظ السنة.
ثالثا : الانتباه للتعبد لله بهذه السنة حتى لا يكون أمرك على سبيل العادة.

الشيخ : طيب، يقول بعد رفعه من الركوع، يقول : ربنا لك الحمد، ربنا ولك الحمد، اللهم ربنا لك الحمد، اللهم ربنا ولك الحمد .
يقول ذلك بعد أن يقوم، لأنه حال القيام يقول : سمع الله لمن حمده.
إلا إذا كان مأموماً فإن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وإذا قال - أي الإمام – سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد ).
المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، بل يقول ربنا ولك الحمد في حال رفعه من الركوع قبل أن يستتم قائماً .
ويقول بعد ربنا ولك الحمد بصفتها الأربع، يقول : ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعده، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ).

الشيخ : ثم يكبر للسجود بدون رفع اليدين، لقول ابن عمر: ( وكان لا يفعل ذلك في السجود)، يكبر للسجود بدون رفع اليدين، ويخرُّ على ركبتيه، لا على يديه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير )، والبعير عند بروكه يقدم اليدين فيخرّ البعير لوجهه.
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرّ الإنسان في سجوده على يديه، لأنه إذا فعل ذلك برك كما يبرك البعير.
هذا هو ما يدل عليه الحديث خلافاً لمن قال: إنه يدل على أنك تقدم يديك ولا تخرّ على ركبتيك لأن البعير عند البروك يخرّ على ركبتيه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير، لو قال على ما يبرك عليه البعير قلنا نعم إذن لا تبرك على الركبتين، لأن البعير يبرك على ركبتيه، لكنه قال :( فلا يبرك كما يبرك البعير )، فالنهي إذن عن الصفة، لا عن العضو الذي يسجد عليه الإنسان، ويخر عليه.
والأمر في هذا واضح جداً لمن تأمله، فلا حاجة إلى أن نتعب أنفسنا وأن نحاول أن نقول: إن ركبتي البعير في يديه، وأنه يبرك عليهما، لأننا في غنى عن هذا الجدل، حيث إن النهي ظاهر في أنه نهي عن الصفة، لا عن العضو الذي يسجد عليه.
ولهذا قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد: " إن قوله في آخر الحديث:( وليضع يديه قبل ركبتيه ) منقلب على الراوي، لأنه لا يتطابق مع أول الحديث " وإذا كان لا يتطابق مع أول الحديث فإننا نأخذ بالأصل لا بالمثال، فإنه قوله: ( وليضع يديه قبل ركبتيه ) هذا على سبيل التمثيل، وحينئذٍ إذا أردنا أن نرده إلى أصل الحديث صار صوابه: ( وليضع ركبتيه قبل يديه ).
يخرّ على ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه.
ويسجد على سبعة أعضاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أمرنا أن نسجد على سبعة أعضاء أو أعظم ) ثم فصلها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( على الجبهة، _ وأشار بيده إلى أنفه ليبين أن الأنف من الجبهة _ والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين ) فيسجد الإنسان على هذه الأعضاء.
وينصب ذراعيه فلا يضعهما على الأرض، ولا على ركبتيه .
بل ينصبهما ويجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه فيكون الظهر مرفوعاً.
ولا يمد ظهره كما يفعله بعض الناس، تجده يمد ظهره حتى إنك تقول: أمنبطح هو أم ساجد؟ فالسجود ليس فيه مد ظهر، بل الظهر يرفع ويعلو، حتى يتجافى عن الفخذين، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( اعتدلوا في السجود ) وهذا الامتداد الذي يفعله بعض الناس في السجود يظن أنه السنة، وهو مخالف للسنة، وفيه مشقة على الإنسان شديدة، لأنه إذا امتد تحمل ثقل البدن على الجبهة، وانخنعت رقبته، وشق عليه ذلك كثيراً، وعلى كل حال لو كان هذا هو السنة لتحمل الإنسان، لكنه ليس هو السنة.
وفي حال السجود يقول : سبحان ربي الأعلى، كما أنه يقول في حال الركوع: سبحان ربي العظيم.
يقول : سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات،
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي،
سبوح قدوس.
ويكثر في السجود من الدعاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم ) يعني حري أن يستجاب لكم. لماذا كان حريا أن يستجاب له؟
لأنه أقرب ما يكون من ربه في هذا الحال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ).
ولكن لاحظ أنك إذا كنت مع الإمام فالمشروع في حقك متابعة الإمام، لا تمكث في السجود لتدعو، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا سجد فاسجدوا، وإذا ركع فاركعوا ) فأمرنا أن نتابع الإمام وألا نتأخر عنه .
ثم ينهض من السجود مكبراً .
ويجلس بين السجدتين.
وكيف يجلس؟
يجلس مفترشاً.
الافتراش : أن يجعل الرجل اليسرى فراشاً له.