شرح الحدثين المتقدمين حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما. حفظ
الشيخ : هذان الحديثان حديث عبد الله بن عمر وحديث أبي هريرة في بيان أن الطهاره شرط لصحة الصلاة وأنها لا تقبل بغير طهور ، وفي الحديث الأول حديث ابن عمر أنه دخل على عبد الله بن عامر يعوده وهو مريض فقال ألا تدعو الله لي فابن عمر رضي الله عنه و عن أبيه لم يدعو له يعني لم يجيب دعوته ولكنه حذره مما يخاف منه حال ولايته على البصره فقال إنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول: ( لا تقبل الصلاة بغير طهور ولا صدقة من الغلول ) يعني من خيانة و كنت على البصرة يعني كنت أميراً على البصره فانظر في نفسك هل أنت خنت بيت المال وتصدقت منه فإنها لا تقبل .
الشاهد من الحديث قوله: ( لا تقبل الصلاة بغير طهور ) و الطهور يكون من الحديث الأصغر ومن الحديث الأكبر ونفي القبول هنا نفي للإجزاء و الصحه فلا تصح ولا تجزء الصلاة بغير طهور وقد يكون نفي القبول من باب الوعيد مثل قوله صلى الله عليه و سلم من ( من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين ليلية ) و كذلك ( من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين ليل ) فنفي القبول هنا ليس نفي للصحه والأحزاء لكنه من باب الوعيد الذي يخشى أن يكون إثم هذا الفعل مقابل لأجر الصلاة
وحينئذٍ تكون كأنها غير مقبولة وعلى هذا فنقول في القاعدة : " إذا نفى الشارع القبول عن شيء فإن كان ذلك لوجود مفسد أو لفقد شرط فنفي القبول هنا نفي للأجزاء والصحة، وإن كان لغير ذلك فنفي القبول هنا من باب الوعيد الذي يخشى أن يكون إثم هذا الذي رتب عليه عدم القبول يقابل القبول فكأنه لم يفعله " وظاهر الحديث أنه لا فرق بين الناسي و الذاكر فلو نسي الإنسان وصلى بغير وضوء فصلاته باطلة يجب عليه يتوضأ وأن يعيد الصلاهة وكذلك لو كان جاهلاً ؟
بأن أكل لحم الإبل وهو لا يعلم أنه لحم الإبل ثم علم بذلك فإنه يجب عليه أن يتوضأ و يعيد الصلاة وكذلك لو صلى ثم وجد في ثوبه أثر جنابة فإن صلاته لا تصح يجب عليه أن يغتسل ويعيد الصلاة فإن قال قائل : وهل تقولون بذلك فيما لو صلى الإنسان فوجد على ثوبه نجاسة فهل يعيد الصلاة؟
نقول في هذا خلاف بين العلماء فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله الذي عليه أصحابه أنه يعيد الصلاة لأن اجتناب النجاسة شرط لصحة الصلاة والقول الثاني أنه لا يعيد الصلاة وهو صحيح و يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يصلى و أخبره أن في نعليه قذراً فخلع نعليه ومضى في صلاتة ولو كانت الصلاة تبطل لاستأنف الصلاة وكذلك يقال في من نسي وصلى في ثوب نجس أنه لا يعيد الصلاة كرجل علم بأن ثوبه أصيب بنجاسة ولكنه نسي أن يغسله فصلى فإن صلاتة صحيحه طيب لو ذكر في أثناء الصلاة أو علم في أثناء الصلاة ماذا يصنع يخلع الثوب أو السروال إذا كان يمكن في ذلك مع بقاء ستر العوره فإن كان لا يمكن إلا بكشف العورة وجب عليه أن يخرج من الصلاة وأن يستأنفها فإن قال قائل ما الفرق بين هذا وبين من صلى بغير وضوء ؟
قلنا الفرق هو أن اجتناب النجاسة من باب ترك المحذور و الوضوء من باب فعل المأمور والمأمور لا بد أن يفعل ويوجد والمحذور إذا فعله الإنسان لعذر نسيان أو جهل فإنه يسقط عنه الإثم وإذا سقط الإثم سقط الحكم المترتب على ذلك وهذه القاعده تنفعك هنا و في جميع أبواب الفقه حتى في الحج والعمره لو ارتكب الإنسان محظوراً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء حتى لو كان قتل صيد أو كان جماعاً فإنه لا شيء عليه فلو أن إنساناً جامعَ زوجته ليلة المزدلفة بعد الوقوف وقبل الرمي ظناً منه أن الحج قد انتهى لقول النبي صلى الله عليه و سلم ( الحج عرفه ) ثم جاء يسأل ماذا تقول لهظ
نقول لا شيء عليه على القول الراجح ليس عليك إثم ولا فساد نسك ولا وجوب قضاء ولا فديه، لأنك جاهل فهذه القاعدة تنفعك في كل أبواب العلم .
أن من فعل المحظور ناسياً أو جاهلاً أو مكروهاً إيش؟ فلا شيءً عليه إطلاقاً لا يترتب عليه إثم ولا كَّفْاره إن كانَ مما فيه كفاره ولا إعادة عبادة إن كان مما فيه إعادة و أما من ترك المأمور فلا بد من فعله حتى لو كان ناسياً أو جاهلاً
وقوله : ( ولا صدقة من غلول ). يعني لا يقبل الله الصدقه من الغلول و هذه إذا تصدق بها تقرباً إلى الله ، فأما لو غلّ ثم تاب و لم يتمكن من صرفه إلى بيت المال أو كان يعلم أنه إذا صرفه إلى بيت المال تلاعب به الحكام فهنا نقول تصدق به تخلصاً منه لا تقرباً به، لأنك لو تصدقت تقرباً به بقيت ذمتك مشغولة به ولم تستفيد شيئاً لأنه لا يقبل منك . أعرفتم؟.
ولو تصدقت به تخلصاً منه برأت ذمتك منه وسلمت من شره بل قد تثاب من أجل تحقيق التوبه لا تثاب على نفس المال مثلاً بل لأجل تحقيق التوبه نعم وحديث أبي هريره مثله : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )
ويستفاد من حديث أبي هريرة أن الإنسان لو بقي في وضوء الفجر إلى العشاء فصلاتة صحيحه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (إذا أحدث حتى يتوضأ ) فعلم من ذلك أنه إذا لم يحدث ولو بقي نهاره كله فإنه لا يجب عليه أن يتوضأ لكن يسنُّ أن يتوضأ لكل صلاة كما مر عليكم نعم .
السائل : لو سأل سائل عن الدليل عن القاعده هذه؟
الشيخ : الدليل أدلة ليس دليلاً واحداً فالذي كان لا يطمئن في صلاته أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة أمره أن يعيد الصلاة، والذي رأى في قدمه لمعة قدر الظفر لم يصبها الماء أمره أن يعيد الوضوء لأن كلاً منهما ترك مأموراً وأما الجاهل فمثل حديث نعليه لما كان النبي صلى الله عليه وسلم جاهلاً لم يلزمه الإعادة وكذلك أيضاً الذين أفطروا في عهد النبي صلى الله عليه و سلم يظنون أن الشمس قد غربت لوجود الغيم ثم طلعت الشمس لم يأمروا بالقضاء ، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نسي و هو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ) وكذلك معاوية بن الحكم رضي الله عنه تكلم في الصلاة جاهلاً يظن أن الكلام جائزاً ، فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعاده والذي ترك الطمأنينه أمره بالإعاده وهذا فرق ظاهر ، أما من حيث التعليل فلأن فعل المحظور ، انتهى فعل وانتهى، لم يبقى إلا الإثم و الإثم مرفوع بالخطأ والنسيان (( ربنا لا تأخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) أما المأمور فإنه لا بد من إيجاده ، فإذا كان لا بد من إيجادة لم يسقط بالجهل والنسيان نعم .