ذكر الفوائد مع الشرح. حفظ
الشيخ : هذا أيضاً فيه دليل على فضيلة هذه الأمة لكونها تأتي يوم القيامة غراً محجلين وفيها الإشارة إلى حوض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هذا الحوض يكون في عرصات يوم القامة ،ويروى به الناس أحوج ما يكونون إليه من الري ، وطوله شهر وعرضه شهر وهذا دليل على أنه مدور، ويصب فيه ميزابان من الكوثر الذي أعطيه النبي صلى الله عليه و على اله وسلم وهو نهر في الجنة ولا ينضب مائه أبداً ووصفه النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم بأن مائه أبيض من اللبن وأحلى من العسل وأطيب من رائحة المسك وهذه كلها صفات تدعو الإنسان إلى الشرب منه ، وأما آثاره فمن شرب منه شربة واحدة لم يظمأ بعدها أبداً ، ثم هذا الحوض موجود الآن و قد قال النبي عليه الصلاة و السلام ( إن منبري على حوضي ) واختلف العلماء في قوله: ( إن منبري على حوضي ) هل المعنى أن منبره الذي في المدينه على حوضه، أو المراد أنه يوضع هذا المنبر على حوضه يوم القيامة وهذا أقرب ، هذا الحوض ترده هذه الأمة فقط، فيأتي الناس عطاشاً يريدون الشرب، فيذودهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن هذا الحوض كما يذود الرجل صاحب الإبل عن حوض إبله الإبل الغريبة ،فسألوا النبي عليه الصلاة والسلام، هل تعرفونه قال : نعم ، وذلك بما يأتون به يوم القيامة من كونهم غراً محجلين ، وفي الحديث قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون فأقول: يا رب هؤلاء من أصحابي فيجيبني ملك فيقول وهل تدري ما أحدثوا بعدك ) يقول طائفة منكم . و الطائفة أقلها ثلاثه بل قيل إن أقلها واحد ، حتى قال بعض العلماء في قوله تعالى: (( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين )) بأنه يكفي واحد في شهود إقامة حد الزنا على الزاني، وقالوا إن طائفة اسم فاعل من طاف يطوف إذا تردد وهو صفه لموصوف محذوف تقديره نفس طائفة وعلى هذا فالواحد يكون طائفة وإذا لم نسلم هذا القول فإن الثلاثة بلا شك تسمى طائفة، وهذه الثلاثة التي تسمى الطائفة أخذ منها الرافضة أن جميع الصحابة هم الطائفة، وأنهم كلهم يُصدون عن حوض النبي عليه الصلاة والسلام، قاتلهم الله، إلا نفراً قليلاً من آل البيت ومن يرون أنهم يستحقون أن يكونوا من آل البيت حكماً، فيقال: لا شك أن بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام ارتدت طائفة من المؤمنين، ومنهم من مات على الردة ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب وهؤلاء سوف يُصدون يوم القيامة عن حوض الرسول عليه الصلاة والسلام لأنهم ماتوا على الكفر، وقد قال الله تعالى : (( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )) ولكن أتدرون ماذا يحصل من هذا القول الباطل الكذب من أن الصحابة كلهم ارتدوا إلا نفراً قليلاً، إنه يستلزم رد جميع الشريعة، إلا ما جاء عن طريق هؤلاء المستثنيين، وإلا فكلها مردودة، لأنهم يقولون كلهم ارتدوا عن دينهم والعياذ بالله ، والمرتد لا يقبل خبره ، وفي هذا بيان لخطورة هذا المذهب، وأنه لو قيل بلوازمه وهي لازمة سواءٌ قيل فيها أم لم يقل، إذا قيل بذلك معناه إبطال كل الشريعة التي جاءت من غير طرق هؤلاء، فالحاصل أن هذا الحديث ليس فيه دليل على أن أكثر الصحابة مرتدون، وإنما فيه طائفة، وإذا قلنا بأن أقلهم واحد فهو واحد، وإن قلنا إن أقلهم ثلاثة فهم ثلاثة، وليكونوا عشرة، لكن هل الذين ارتدوا أيضاً هل هم ممن رسخوا في الإسلام؟ أبداً، إن الذين رسخوا في الإسلام لم يرتدوا، بل إن الذين بايعوا تحت الشجرة ألف وأربع مئة كلهم لن يدخلوا النار لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه لن يدخل النار أحدٌ بايع تحت الشجرة ) ولقول الله تعالى : (( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة )) وكل الذي حضروا بدراً فإنهم لن يدخلوا النار، لأن الله اطلع إلى أهل بدر وقال: ( اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) ومن هؤلاء الخلفاء الأربعة، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، ومعلومٌ أن من الرافضة من يقول إن أبا بكر وعمر ماتا على النفاق، وأنهما مخلدان في نار جهنم والعياذ بالله، فالحاصل أن هذا الحديث ليس فيه متمسكٌ للرافضة الذين يقولون إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ماتوا على الكفر إلا نفراً قليلاً، بل نقول الطائفة معروفة في اللغة العربية، ونحن نخرج باليقين من بايعوا تحت الشجرة، ومن كانوا من أهل بدر، لأن خبر الله لا يدخله النسخ، (( لقد رضي الله عن المؤمنين )) وخبر النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخله النسخ، ( لا يدخل النار أحداً بايع تحت الشجرة )، وخبر النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخله النسخ ( إن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) وقد نفذ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم تطبيقاً عملياً في قصة من؟ حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه حين جس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصالح قريش فاستأذن عمر أو غيره من الصحابة أن يضرب عنقه فقال: ( لا إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم ). وهل لغير الرسول صلى الله عليه وسلم حوض، الصحيح أن لكل نبي حوضاً، لأنه ورد في السنن أن لكل نبي حوضاً لكن أكبر الأحواض هو حوض النبي صلى الله عليه وسلم، لأن أمته أكثر الأمم، أحواض الأنبياء كما دلت عليه السنة، التي جاءت في السنن وكذلك العقل دل عليها، لأنه من العدل أن يُجعل لكل أمةٍ حوضٌ يردونه كما وردوا شريعة أنبيائهم.