فوائد حديث : ( ... عن أبي هريرة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة فقيل منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله وأما العباس فهي علي ومثلها معها ثم قال يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه ) حفظ
الشيخ : في هذا منع الزكاة ، من منعها جحدا لوجوبها فلا شك أنه كافر، لكن لا لأجل المال، بل لأجل جحد فريضة معلومة في الضرورة من دين الإسلام إلا شخصا حديث عهد بالاسلام فهذا يعلم، وأما إذا منعها بخلا، فهل يكفر أو لا ؟ فيه روايتان عن أحمد والمشهورة منهما أنه لا يكفر وهو الصحيح ويدل له حديث أبي هريرة في من منع زكاة الذهب والفضة وفيه ، قال ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، ولو كان كافرا، لم يكن له سبيل الى الجنة ولكن إذا مات وهو مانعها ثم أخرجها ورثته من بعده فهل تبرأ بذلك ذمته؟
الصواب : لا الصواب أنها لا تبرأ ذمته بذلك، واذا كانت لا تبرأ ذمته بذلك، فهل يجب على الورثه أن يخرجوها لحق المستحقين للزكاة، أو نقول ما دامت لا تنفع الميت فلا حاجة في إخراجها؟ الجواب يجب عليه على الورثة أن يخرجوها، لأنها كالدين في ذمة الميت الذي امتنع من وفائه، والميت إذا امتنع من وفاء الدين فانه يقضى عليه من تركته، أما هذا الحديث ففيه بعث الكبراء على الصدقة، وأنه لا يشترط في المبعوث أن يكون من سقطة الناس بل الأفضل أن يكون المبعوث من أهل العلم والدين والفقه، ولهذا بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة، فقيل والظاهر والله أعلم أن القائل عمر لأنه هو رئيس الوفد فقيل منع ابن جميل واسمه عبد الله وخالد بن الوليد معروف والعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله )، ما يتنقم أي ما ينكر إلا هذا وهذا يقتضي أن يشكر الله، وأن يؤدي الزكاة، وهذا عندهم تأكيد الذم بما يشبه المدح، فذمه الرسول عليه الصلاة والسلام بأن الله أغناه بعد الفقر ثم منع الزكاة، وهذا من أشد ما يكون من ذمه، والقدح فيه، وأما خالد، فإنكم تظلمون خالدا وهذه شهادة عظيمة من الرسول عليه الصلاة والسلام لخالد ، وانظر كيف التنويه بفضله حيث قال فإنكم تظلمون خالدا، ولم يقل فإنكم تظلمونه، تنويها بذكره باسمه، يعني كأنه قال : تظلمون خالد ومن من الذي ظلمتم إنه خالد بن الوليد وليس أهلا للظلم أو أن يقدح فيه ويقال إنه منع ثم بين ذلك فقال : ( قد احتبس أدرعه وأعتاده في سبيل الله )، أدرعه جمع درع وهو لباس يلبس في الحرب، والأعتاد أيضا آلة الحرب من سلاح وغيره. فهل خالد رضي الله عنه صرف زكاته في شراء أسلحة للجهاد في سبيل الله لعموم قوله تعالى : (( وفي سبيل الله )) أو أن من بذل أمواله في هذا فلن يبخل بالزكاة؟ يحتمل وجهين. يحتمل أنه أراد عليه الصلاة والسلام أن يبين أن خالدا لا يمكن أن يبخل بالزكاة الواجبة المفروضة وهو يتصدق بأدراعه وأعتاده في سبيل الله، ويحتمل أنه عليه الصلاة والسلام بين أن خالد قد سلم الزكاة، واحتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله، يحتمل هذا وهذا، لكن الاأل اقرب لأن قوله احتبس يعني أوقف لأن الحبس هو الوقف كما قال النبي عبيه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب حين استشاره في أرضه في خيبر، قال له : ( إن شئت حبست وتصدقت بها ) وعلى هذا فيكون المعنى أن الرجل الذي أوقف أعتاده وأدراعه في سبيل الله لا يمكن أن يبخل بالزكاة الواجبة، وأما العباس فهي علي مثلها معها، التزم بها النبي عليه الصلاة والسلام، قال : ( علي ومثلها ) ولم يذكر عن العباس شيء، ولا ندري ما الذي حمل العباس على منعه من ... الصدقة ، شيء بينه وبين الرسول عليه الصلاة والسلام، أم أنه أراد أن يسلمها بنفسه للرسول عليه الصلاة والسلام دون واسطة، المهم أن العباس لا ندري عنه، لا فيه مدح ولا ذم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم تحمله. فلماذا تحملها مرتين؟ قال بعض أهل العلم: إنه تعجل منه صدقة عامين، وقال هي علي ومثلها. وكان قد تعجل أي العباس صدقة سنتين. لكن هذا فيه نظر، والظاهر أن الرسول تحملها من عنده لقوله فهي علي ومثلها، ولم يقل فقد أعطاني إياها ، وتعجل بل التزم، لكن لماذا التزم بضعفها مرتين؟ الظاهر بذلك أنه لئلا يتوسل أحد من أقارب الإمام لكونه من اقاربه على منع ما يجب عليه، لأن بعض الناس مثلا قد يمتنع مما يجب عليه لأنه ايش قريب الإمام فأراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يضاعف عليه الصدقة لئلا يتوسل أحد بقربه من الإمام من الامتناع من الاواجب وهذه سياسة حكيمة كان عمر رضي الله عنه يسلكها ، فكان إذا نهى الناس عن شيء جمع إهله وقال إني نهيت عن كذا و كذا وأن الناس ينظرون اليكم نظر اللحم إلى الطير .
القارئ : نظر الطير الى اللحم.
الشيخ : اه نعم نظر الطيب إلى اللحم، ولا يبلغني عن أحد منكم أنه فعل كذا وكذا يعني مما نهى عنه إلا اضعفت عليه العقوبة، لأن أقارب الإمام إنما يتهاونون في الأمور لماذا؟ لأنهم أقارب ويتوسلون بهذا إلى الإخلال بالواجب، هذا هو الذي يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم تحملها لكنه ضاعفها على عمه لهذا السبب، ثم قال: ( يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه ) أراد أن يبين أو أن يبرر كونه تحمل عن عمه، لأنه صنو أبيه، وإذا كان صنو أبيه فإنه يجب عليه صلته، والصنو هو: القرينة، لأن بعض النخيل يكون أصلها واحدا وفرعها نخلتين وهذا شي معروف، كما قال الله تعالى : (( صنوان وغير صنوان )) فالنخلة إذا كان أصلها واحد وتفرعت نخلتين يقال هذه صنو نعم، وفي هذا بيان صلة النبي صلى الله عليه وسلم لرحمه حيث تحملها عن عمه ولم يلزمه بها وفيه أيضا بيان إبعاد أقارب ولي الأمر عن أن يتوسلوا بقرابتهم للإخلال بما يجب عليه نعم.
القارئ : شيخ بارك الله فيكم.