تتمة فوائد الحديث : ( حدثني علي بن حجر أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن هشام صاحب الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله فقال إن مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها فقال رجل أو يأتي الخير بالشر يا رسول الله قال فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له ما شأنك تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكلمك قال ورأينا أنه ينزل عليه فأفاق يمسح عنه الرحضاء وقال إن هذا السائل وكأنه حمده فقال إنه لا يأتي الخير بالشر وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم إلا آكلة الخضر فإنها أكلت حتى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت وإن هذا المال خضر حلو ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه من يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيدا يوم القيامة حفظ
الشيخ : وأحسن مثال وأبرز مثال في هذا قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، وهو أبيض وزوجته بيضاء، فمن أين جاء هذا؟ يحتمل أنه يعرض بامرأته، ويحتمل أنه يريد زوال الإشكال الذي بنفسه، يعني ليس لنا أن نقول إن الرجل يعرض بامرأته، احتمال أن يكون أراد زوال الإشكال، طيب، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام بكل سهولة : ( قال هل لك من إبل ؟ قال : نعم، قال : ما ألوانها ؟ قال : حمر. قال : هل فيها من أورق؟ قال : نعم. قال: من أين جاءت؟ قال : لعله نزعه عرق )، يعني من أجدادها أو جداتها، قال : ابنك هذا لعله نزعه عرق. فذهب الرجل مقتنعا تماما، مع أن هذا المثل سوف يبقى في مخيلته، لا ينساه أبداً، فإذا أمكنك أن تضرب الأمثال المقربة للمعاني فهذا من أحسن التعليم كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله، بل كما جاء في القرآن كلام رب العالمين سبحانه وتعالى، ففي القرآن الكريم من الأمثال شيءٌ كثير. ومن فوائد هذا الحديث الذي يجب أن يحذره الإنسان، أن من أخذ المال بغير حقه، فإنه يبتلى بداء الشح والبخل، وأخذ المال بغير حقه له صور كثيرة منها : الغش، أن يأخذه بغش، مثل أن يخفي العيوب التي في السلعة، ويظهرها بمظهر جيد ومن ذلك أيضاً الوظائف، من لم يقم بوظيفته على الوجه الأكمل، فإن ما يأخذه من مرتب يأخذه بغير حق، وهذا له صور منها : أن يتأخر الإنسان عن الحضور في الوقت المحدد، وأقبح من ذلك أن يكتب في دفتر التحضير أنه أتى في الوقت المحدد للحضور فيجمع بين الكذب وبين أكل المال بالباطل ، ومنها أن يخرج قبل أن ينتهي الدوام، فإنه إذا خرج قبل أن ينتهي الدوام، وقد داوم في الدوام ست ساعات وخرج قبل تمام السادسة وبقي خمس ساعات فقط، معناه أن سُدس ما يحصله من الراتب، إذا كان هذا كل أيام الشهر، بخق وإلا بغير حق؟ بغير حق. ومن ذلك أيضاً أن بعض الناس يُكتب له انتداب ، أو خارج الدوام، وهو لم يأت إلى مكان العمل ولم يغادر البلد، فيأخذه هذا لا شك أنه حرام على الآخذ وهو بالنسبة إلى المسؤول الذي فوقه خيانة، خيانة للدولة، وسوف يُسأل هذا الرجل يوم القيامة، لأن الله يقول : (( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان )) سوف يُسأل هذا الرئيس أو المدير الذي كتب لموظفيه خارج الدوام ولم يعملوا، أو انتدابأ ولم يسافروا، يتساهل بعض الناس في هذا، بحجة أن المال ماله ؟ مال الدولة وسبحان الله من أحل مال الدولة؟ قد يقول قائل أن التبعة في مال الدولة أعظم من التبعة في مال الشخص المعين، لأن مال الشخص المعين يمكن في يوم من الأيام أن تستحله أو ترد عليه مظلمتة، لكن مال الدولة، ما يمكن، ثم مال الدولة ليس لواحد من الدولة، مال الدولة لمن؟ لكل الناس، حتى العجوز في ملتقها وفي خدرها لها حق، فكيف تتهاون بهذا الأمر. فعلى كل حال القاعدة : كل من أخذ المال بغير حقه فإنه يبتلى بإيش؟ بالشح، كالذي يأكل ولا يشبع، الذي يأكل ولا يشبع، الذي يأكل ولا يشبع لا ينفعه أكله، ولقد حدثنا أكابرنا سناً أنه أتى على أهلنا زمان يسمى سنة الجوع، يأكل الإنسان الأكل الكثير الذي لا يأكله الجمل، أكثر مما يأكل الجمل ولكن لا شبع، أبداً بالليل والنهار ولا يشبع سبحان الله، وحدثونا عن رجل كان عنده عمال، ونزل إلى البلد واشترى لهم تمرا، تمراً في زنبيل كبير يعني أكبر من ... هذا وحمله على رأسه وجعل يأخذ التمر ويأكل، حمله على رأسه من البلد إلى بستانه، ليعطي العمال، وبدأ يمشي ويأكل مع أنه كان قد أفطر في الصباح، يمشي يأكل، لما وصل إلى مكان عمله، إلى مكان بستانه، وإذا التمر خلص، التمر خلص، وهو ما شبع، فتحير ماذا يصنع في العمال، يقال أنه جعل الزنبيل عن الماشية، جعلة عند الماشية من أجل أن يقول إذا قالوا هات الغداء، أكلته الماشية نعم تأويلاً، فأقول لكم إن الجوع والعياذ بالله يأكل ولا يشبع هذا لا يرد عليه شيء، فالإنسان الذي يأخذ المال بغير حقه في أي وسيله يُبتلى بهذا، إلا أن يمن الله عليه فيتوب فهذا شيء آخر، ويكون شهيداً عليه يوم القيامة. ومن فوائد هذا الحديث أن المال الصالح نعم الصاحب لصاحبه، إذا كان ينفقه في سبيل الله، يعطي الفقير واليتيم وطالب العلم ويطبع الكتب وينشرها بين الناس، ويسلك طرق الخير ، هذا لا شك أنه يُغبط على ماله، وهذا المال نقول إنه نعم الصاحب لصاحبه، نعم.