تتمة الشرح حفظ
الشيخ : ذكرنا في الدرس الماضي مسألة الخمر وأنه حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين لأنه يسكر والسكر نوع من الجنون ، لكن ما هو السكر علشان نعرف السكر من التخدير مثلا ، البنج لا شك أنه جائز وهو يذهب الإحساس ، الفرق بينهما أن السكر يشعر السكران بلذة عظيمة وعلو واستكبار ، ولهذا قال حمزة للرسول صلى الله عليه وسلم : ( ما أنتم إلا عبيد أبي )، ويقول الشاعر الجاهلي :
" ونشربها فتتركنا ملوكا " ، فهو يطرب وينتفخ ويتعلّى فهذا هو الفرق أما ما يذهب العقل بدون سكر فإنه ليس بسكر ، وسبق لنا حكم تصرفات السكران القولية والفعلية ، ولكن ما حده ؟ أكثر العلماء على أن له حدا شرعيا فإما أربعون جلدة وإما ثمانون جلدة ، من قال إنها أربعون قال هكذا كان الشارب يجلد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وأول خلافة عمر حتى استشار الصحابة ، ومن قال ثمانون قال إن عمر رضي الله عنه استشار الصحابة فأشاروا أن يجعله ثمانين فجعله ومن الناس من فصّل وقال إن كثر الشرب في الناس فثمانون وإن قل فأربعون ، على أن ذلك حد ، وقال بعض أهل العلم وهم الأقل : إن عقوبة شارب الخمر تعزير وليست حدا لكنه لا ينقص عن أربعين ، وهذا القول أصح ، أولا : لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعاقب السكران في عهده يقوم الناس يضربون السكران اللي بيده واللي برداءه واللي بثوبه وما أشبه ذلك ومثل هذا لا يحصر ولا يعد لكنه قريب من أربعين ، فقالوا نحو أربعين ، ثانيا : أنه لو كان حدا لن يحل لعمر ولا لغير عمر أن يتجاوز ما حده الرسول عليه الصلاة والسلام ، وإلا لقلنا إذا كثر الزنا في الناس يجب أن يجعل بدل مئة مئتين ، ولا قائل بهذا لأنه محدد. ثالثا : أن عمر رضي الله عنه لما استشار الصحابة قال عبد الرحمن بن عوف : ( يا أمير المؤمنين اجعله كأخف الحدود ثمانين )، أخف الحدود حد القذف ثمانون جلدة فقال اجعله كأخف الحدود وأقره عمر على ذلك وأقره الصحابة الحاضرون على هذا على أن أخف الحدود ثمانون وهذا يعني أن عقوبة شارب الخمر ليست حدا ، رابعا : أن هذا أصلح للأمة إذا لم يكن حدا ، لأنه قد يرى القاضي أن يزيد على الثمانين إلى تسعين أو مئة أو أكثر وأن الناس لا يرتدعون إلا بذلك أو نضيف إليه شيء آخر كغرامة مالية أو حبس أو ما أشبه هذا ، فهذا القول أنه عقوبة غير مقدرة شرعا لكن لا تنقص عن أربعين هذا هو أصح الأقوال عندي وفيه مصلحة للناس ، أفهمتم ؟ فيه أدلة الآن أمامكم واضحة قاطعة ما فيها إشكال وهي أنه لو كان حدا ما جاز لعمر ولا غيره أن يتجاوزه وثانيا أن الصحابة قال فيهم عبد الرحمن بن عوف أخف الحدود ثمانون وأقروه على هذا أما أن الرسول كان الشارب يجلد في عهده بالجريد والنعال وما أشبه ذلك فهذا نعم هو دليل لكنه ليس قطعيا كالدليلين الأخيرين ، وأما كونه أنفع للمسلمين وأبعد عن تناول الخمر فهذه مصلحة عامة ولا شك أن الشريعة الإسلامية تراعي المصالح العامة فهذا هو الصحيح ، بقي إذا تكرر من الإنسان شربه وهو يجلد ويعاقب في كل مرة حتى بلغ الرابعة فهل نستمر معه في الجلد لا نزيد أم ماذا ؟ فالجواب على هذا أنه قد صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من شرب فاجلدوه ) ولم يحدد اجلدوه ( فإن شرب فاجلدوه فإن شرب فاجلدوه فإن شرب الرابعة فاقتلوه ) ، أكثر العلماء يقولون لا قتل في شرب الخمر ، وهذا الحديث منسوخ ، ويرى بعض العلماء أن هذا الحديث محكم وأنه يجب العمل به وأن الرجل إذا شرب ثلاث مرات وهو يعاقب بالجلد ولم ينته لم يبق لبقائه صلاح بل إذا بقي يزداد إثما وفسادا ولا طريق لسلامته من الإثم ولا لإصلاح الأمة إلا القتل ، وهذا مذهب أبي محمد علي بن حزم رحمه الله وشدد في هذا ، واختار شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله قولا وسطا ، قال : إذا لم ينته الناس عن الإيغال في شرب الخمر إلا بالقتل قتل ، فشيخ الإسلام جعله تبعا للمصالح ، وهذا لو عُمل به لانتهى كثير من الناس عن إدمان الخمر ، ولكن مع الأسف الشديد أن كثيرا من الأمة الإسلامية اليوم يُشرب الخمر جهارا نهارا في بلادها ويباع في الأسواق كما تباع العصيرات ، وهذه الأمة ترجو النصر مع هذه المحادة لله عز وجل ، وكيف يمكن النصر مع هذه المحادة لله ، النصر إنما يكون لمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، ولن ينصر أحد مدمن على المعاصي إلا انتقاما من خصمه ، قد ينصر الله عز وجل الظالم أو الكافر انتقاما من خصمه لا رضا بما صنع هذا ، نجزم بهذا ، لأن معصية واحدة أودت بانتصار أشرف جند لأشرف قائد ، من هم ؟ الصحابة ، في أي وقت ؟ في غزوة أحد (( حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون )) ، يعني حصل ما تكرهون ، أقول لو أن الناس أخذوا بالأحكام التي قررها فقهاء المسلمين في شارب الخمر لانتهى كثير من الناس ، شر من ذلك على ما نسمع هذه المخدرات ، المخدرات والعياذ بالله تسلب العقول نهائيا تمسح العقل مسحا ، السكر يزول إذا صحى ، لكن هذا لا ، يعني يكون أشياء والعياذ بالله شيء عجيب من إدمان هذه المخدرات ، ولذلك أحسنت الدولة وأحسنت هيئة كبار العلماء في التعزير الذي قررته في الجالب والمروج والمستخدم فإنها تعزيرات موافقة للصواب نسأل الله أن يعين الحكومة على تطبيقها ، وهذا أعني المخدرات يحاربها حتى الأمم الكافرة ولكنها لا تحارب الخمر ، الخمر لا تحاربه ، نعم ؟ وش فيها ، الآن ؟
السائل : ... .
الشيخ : بالأول ، أي لكن تميدنت الحين ، الآن تمدينت أو تمدنت ، على كل حال ما علينا من أمريكا ولا غيرها من الدول ، نحن بيننا كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، هذا ما يتعلق في عقوبة شارب الخمر ، طيب إذا كان هذا الشراب لو شرب الإنسان منه قليلا لم يسكر ولو شرب كثيرا سكر ، هل يحرم القليل أو لا يحرم ؟ يحرم لأن ما أسكر قليله فكثيره حرام وليس معنى هذا الحديث ما توهمه بعض الناس أن ما خلط بالخمر اليسير صار حراما ، لا ، ما خلط بالخمر اليسير الذي لا يظهر أثره فليس بحرام ، كما أن الماء لو سقطت فيه نقطة من البول ولكن لم تغيره لم يكن نجسا هذا مثله ، لكن الحديث واضح أن المعنى أن الشيء إذا شربته بقلة فلا سكر وإذا كثّرت سكرت هذا هو الذي أراده الرسول صلى الله عليه وسلم ما أسكر كثيره فقليله حرام وعلى هذا فما يقال من أن بعض الأدوية يكون فيها شيء من المسكرات ، نقول إذا لم يظهر الأثر فيها فليست حراما لأن هذا الحرام اضمحل وانغمس في جانب الحلال وأهل العلم ذكروا ذلك في كتاب حد المسكر ، نعم.