ذكر القسم الثالث من الناس في باب الأسماء والصفات وهم من أجرى النصوص على خلاف ظاهرها إلى معانٍ ابتكروها بعقولهم (والرد عليهم وحكمهم). حفظ
الشيخ : القسم الثالث من أجروا النصوص على خلاف ظاهرها، أجروها على خلاف ظاهرها إلى معان ابتكروها بعقولهم، وهؤلاء الذين يدّعون أنهم العلماء والحكماء، ويقولون: طريقة السلف طريقة الذين يقرؤون الكتاب أماني ولا يعرفون! أما نحن فنحن أهل العلم والحكمة، ولهذا قالوا: " طريقة الخلف أعلم وأحكم ". وقد ذكرنا في كتاب تلخيص الحموية بيان بطلان هذا القول.
طيب، هؤلاء الذين يجرون النصوص على أيش؟ على خلاف الظاهر إلى معان عيّنوها بعقولهم، فقالوا: استوى على العرش أي استولى على العرش، يد الله، أي: قوّته أو نعمته، وجه الله ثوابه، محبّة الله ثوابه، غضب الله انتقامه، وهكذا، لماذا؟ قال: لأن المعنى الظاهر ممتنع على الله عزّ وجلّ، المعنى الظاهر ممتنع على الله، وإذا كان ممتنعا فلنا عقول نتصرّف فيها.
إذا كان الأمر كما قلتم نقول بكل بساطة: لماذا يتحدّث الله عن نفسه بعبارات غير مقصودة، ويجعل الأمر موكولا إلى عقولنا؟ بل الصواب أنه ليس إلى العقل، بل إلى الهوى، إلى الهوى المختلف الذي يقول فيه فلان هذا واجب ويقول فلان الثاني هذا ممتنع على الله، والثالث يقول هذا جائز. لماذا يجعل الله عزّ وجلّ الحديث عن صفاته بكلمات لا يراد بها ظاهرها؟ وهل هذا إلا تعمية، خلاف البيان الذي قال الله تعالى (( يريد الله ليبين لكم )) (( يبين الله لكم أن تضلوا )) ولماذا يجعل الأمر موكولا إلى ما تقتضيه عقولنا التي ليست عقلا في الواقع بل هي وهم؟
قالوا: لأجل أن يزيد ثوابنا، أن يزيد ثوابنا بتحويل النص إلى معناه، لأنك إذا أخذت النص على ظاهره لم تتكلف، صح ولا لا؟ لكن إذا صرفته عن ظاهره يحتاج إلى دليل من اللغة وشواهد وجهد كبير حتى تصل إلى المعنى المراد، فهذه التعمية الواردة في أعظم الأخبار المقصود بها كثرة الثواب.
يا سبحان الله العظيم! يضيع الله أصلا عظيما في التحدّث عن نفسه من أجل أن يزيد ثوابنا بالتعب، ثم التعب الذي يأتي لغير سبب لا يثاب عليه الإنسان، التعب الذي يأتي بغير سبب لا يثاب عليه الإنسان.
لو قال قائل: الآن الناس يحجّون على الطائرة، وعلى السيارة، أنا سأحجّ على حمار أعرج أركبه تارة وأسوقه تارة وأقوده تارة وأدفّه تارة وتارة أقعد أنا وإياه حتى نصل إلى مكّة، لأن هذا فيه تعب عظيم وأجر كبير، هل يؤجر الإنسان على هذا؟ لا، لا يؤجر، لأن هذا تعب حصل باختيارك أنت، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام الرجل الذي نذر أن يقف في الشمس أمره أن يدخل في الظلّ ونهاه عن تعذيب نفسه، والله عزّ وجلّ يقول (( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما )).
فالحاصل أن هؤلاء لا شك أنهم مخطئون ضالّون مرتكبون لضلالين، يتضمّن كل ضلال منهما القول على الله بلا علم، فقولهم إن الله لم يرد كذا هذا قول على الله بلا علم، كيف لم يرد وهو ظاهر لفظه؟! وقولهم: أراد كذا هذا أيضا قول على الله بلا علم، لأنه إذا انتفت إرادة الظاهر بقي ما يخالف الظاهر قابلا للاحتمالات الكثيرة، بقي الذي يخالف الظاهر قابلا لاحتمالات كثيرة، فما الذي يجعل هذا الاحتمال المعيّن هو المراد دون غيره من الاحتمالات؟ فلهذا نقول هؤلاء ضالّون، الفرق الآن كم؟ ثلاثة.