معنى قوله:( أول واجب على العبيد معرفة الإله بالتسديد ) وبيان ما هو أول واجب على المكلف.؟ حفظ
الشيخ : قال المؤلف:
" أول واجب على العبيد *** معرفة الإله بالتسديد "
أول واجب أن تعرف الله، هذا أول واجب، وقالوا والمراد أول واجب لذاته، وأما أول واجب لغيره فهو النظر والتدبّر الموصل إلى معرفة الله، فالعلماء قالوا: أول ما يجب على الإنسان أن ينظر، ثم إذا نظر وصل إلى غاية وهي المعرفة، فيكون النظر أول واجب لغيره، والمعرفة أول واجب لذاته.
وقال بعض أهل العلم: إن النظر لا يجب لا لغيره ولا لذاته، لأن معرفة الله عزّ وجلّ معلومة بالفطرة، والإنسان مجبول عليها، ولا يجهل الله عزّ وجلّ إلا من اجتالته الشياطين، ولو رجع الإنسان إلى فطرته لعرف الله دون أن ينظر ويفكّر، قالوا: ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل مولود يولد على الفطرة )، وقول الله تعالى في الحديث القدسي: ( إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين ) فصار الصارف عن مقتضى الفطرة حادث وارد على فطرة سليمة، فأول ما يولد الإنسان يولد على الفطرة، ولو ترك ونفسه في أرض برّيّة ما عبد غير الله، ولو عاش في بيئة مسلمة ما عبد غير الله، وحينئذ تكون عبادته الله إذا عاش في بيئة مسلمة تكون مقوّماتها أو يكون المقوّم لها شيئين، وهما: الفطرة والبيئة، لكن إذا عاش في بيئة كافرة، فإنه حينئذ يحدث عليه هذا المانع لفطرته من الاستقامة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه ).
طيب، إذن معرفة الله عزّ وجلّ نقول لا تحتاج إلى نظر في الأصل، ولهذا عوام المسلمين الآن هل هم فكّروا ونظروا وقرؤوا في الآيات الكونية والآيات الشرعية حتى عرفوا الله، أم عرفوه بمقتضى الفطرة؟ عرفوه بمقتضى الفطرة، ولا شك أن للبيئة تأثيرا، لكنّهم ما نظروا، بل إن بعض الناس نسأل الله العافية إذا نظر وأمعن ودقّق وتعمّق وتنطّع ربّما يهلك، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( هلك المتنطّعون، هلك المتنطّعون، هلك المتنطّعون ) فالصحيح إذن ما قاله المؤلف، أن أول واجب معرفة الله، وأما النظر فلا نقول إنه واجب، نعم لو فرض أن الإنسان احتاج إلى النظر فحينئذ يجب عليه النظر، لو كان إيمانه فيه شيء من الضعف، يحتاج إلى تقوية، فحينئذ لا بد أن ننظر ولهذا قال الله تعالى: (( أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء ))، وقال: (( أفلم يدّبّروا القول ))، وقال: (( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبّروا آياته ))، فإذا وجد الإنسان في إيمانه ضعفا حينئذ يجب أن ينظر، ولكن لا ينظر من زاوية الجدل والمعارضات والإيرادات، لأنه إن نظر من هذه الزاوية يكون مآله، هاه؟
الطالب : ...
الشيخ : الضلال والضياع، يورد عليه الشيطان من الإشكالات والإيرادات ما يقف معها حيرانا، لكن ينظر من زاوية الوصول إلى الحقيقة، فمثلا نظر إلى الشمس، هذا المخلوق العظيم الكبير الوهاج، نعم، لا يقول طيب من الذي خلقه؟ خلقه الله، من خلق الله؟ لا، يقول خلقه الله ويقف، لأن الرسول أمرنا إذا قال لنا الشيطان من خلق الله أمرنا أن ننتهي ونقف، لنقطع التسلسل، لأنك إذا قلت من خلق الله، وقلت: خلقه مثلا شيء ما، سيقول لك الشيطان: من خلق هذا الشيء الما؟ أمّه، ثم؟
الطالب : تتسلسل.
الشيخ : تتسلسل إلى ما لا نهاية له، تضيع في البحر الذي لا ساحل له.
فالحاصل أن النظر لا يحتاج إليه الإنسان إلا عند الضرورة كالدواء، إذا ضعف إيمانه أو رأى منه ضعفا فلينظر، وإلا فمعرفة الله مركوزة في الفطر.