تفسير قوله تعالى: (( وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ )). حفظ
الشيخ : (( وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبَادِ.)) جنات : يعني أشجارا كبيرة كثيرة ملتفا بعضها إلى بعض ، تجن من كان بداخلها تستره ، وحب الحصيد : يعني الزرع الذي يحصد وينتفع الناس به ، فهذا المطر يخلق الله به الأشجار ويخرج به الزروع ثم قال : (( والنخل باسقات )) والنخل من الجنات ، لكنه نص عليها تشريفا لها وتنويها بها وإلا فإن النخل من الجنات ، يعني الجنة البستان الكثير الأشجار قال الله تعالى : (( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا ))
النخل باسقات : يعني مرتفعات عاليات ولهذا لا تجد شجرة تعلو كما تعلو النخلة ويكون فرعها عاليا ،وأصلها في الأرض ، أصلها ثابت وفرعها في السماء ، ولا تجد شجرة أكثر نفعا من النخلة كلها نفع ، كربها وسعفها وقود ، وليفها حبال وزنابيل وثمرها غذاء ، وقد جعل الله سبحانه وتعالى فيها خاصية عجيبة للنفساء المرأة إذا وضعت لو أكثرت من الرطب لانتفعت ، والدليل على هذا أن مريم يسر الله لها نخلة (( فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا )) أي نهرا جاريا (( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي)) لو تأملتم في الآية وجدتم فيها عجائب ، امرأة نفساء والنفساء في العادة يلحقها تعب وإعياء وإجهاد ، يقول الله لها : (( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ )) بالجذع والعادة أن الشيء إذا هز من جذعه لا يتحرك ، إذا هز من فوق يتحرك لكن الجذع لا يتحرك ، هنا هزت من الجذع لأنها لا تستطيع أن تصعد ، (( تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا )) تهزها ولا يسقط إلا الرطب البلح ما يسقط ، لا يسقط إلا الرطب لأنه هو المناسب ثم يقول : (( رطبا جنيا )) يعني لا يتمزق لسقوطه على الأرض والعادة أن الرطب إذا سقط من نخلة ولو كانت قصيرة ماذا يكون ؟؟ يتمزق ويتعجن ، لكن يسقط على الأرض وكأنه مجني باليد (( تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا )) فالنخل كله بركة ولهذا يفرده الله عز وجل في كثير من الآيات من بين سائر الأشجار
(( وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبَادِ )) النضيد : المنضود في شمراخه وهذا معنى قوله في آية أخرى طلع هضيم ، الهضيم يعني : النضيد وليس معناه كما يفهمه العامة أنه يهضم ، بعض الناس يقول هضيم يعني يهضم الأكل وليس كذلك ، صحيح أن الحلا من حيث هو يعين على الهضم ، لكن لا نفسر الآية بشيء لا تدل عليه ، فالهضيم في الآية يعني النضيد ، فالقرآن يفسر بعضه بعضا .