التعليق على تفسير الجلالين : (( وما تفرقوا )) أي أهل الأديان في الدين بأن وحد بعض وكفر بعض (( إلا من بعد ما جاءهم العلم )) بالتوحيد (( بغيا )) من الكافرين (( بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك )) بتأخير الجزاء (( إلى أجل مسمى )) يوم القيامة (( لقضي بينهم )) بتعذيب الكافرين في الدنيا (( وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم )) وهم اليهود والنصارى (( لفي شك منه )) من محمد صلى الله عليه وسلم (( مريب )) موقع في الريبة . حفظ
الشيخ : " (( وما تفرقوا )) أي أهل الأديان في الدين بأن وحد بعضهم وكفر بعض (( إلا من بعد ما جاءهم العلم )) بالتوحيد (( بغيا )) من الكافرين (( بينهم )) "
(( وما تفرقوا )) يقول المؤلف : " أي أهل الأديان " وهذا تفسير جيد، وقد ذكر الله تبارك وتعالى في سورة البينة قوله : (( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة )) فهل نقول : إن هذه الآية العامة (( وما تفرقوا )) تخصص بآية البينة ويكون المراد وما تفرق الذين أوتوا الكتاب أو نقول : هي عامة (( وما تفرقوا الذين أوتوا الكتاب )) بعض من الأفراد وإذا ذكر بعض الأفراد بحكم يطابق حكم العام فإنه لا يعد مخصصا ؟.
الجواب الثاني : وهذه قاعدة أصولية: أنه إذا ذكر بعض أفراد العام بحكم يطابق العام هذا ليس بتخصيص، مثاله قلت: أكرم الطلبة ثم قلت : أكرم محمدا وهو منهم، هل هذا يقتضي ألا تكرم سواه ؟ لا، إذن ذكره بحكم يوافق حكم العام لا يقتضي تخصيصه به، أما لو كان يخالف فهذا تخصيص إذا قلت : أكرم الطلبة ثم قلت : لا تكرم محمدا، فحينئذ يخرج حكمه عن حكم العام.
(( وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم )) وقول المؤلف : " بأن وحد بعضهم وكفر بعض " هذا مناسب لقوله : (( كبر على المشركين ما تدعوهم إليه )) وإلا فالاختلاف أوسع من أن يكون اختلاف في التوحيد والكفر، (( إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم )) فيكون تفرقهم عن علم، قد قامت عليهم الحجة وقوله : (( بغيا بينهم )) مفعول لأجله أي أن تفرقهم للبغي والعدوان.
" (( ولولا كلمة سبقت من ربك )) بتأخير الجزاء (( إلى أجل مسمى لقضي بينهم )) " إلى آخره (( إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم * ولولا كلمة سبقت من ربك )) والكلمة التي سبقت من الله هو تأخير الجزاء حتى يوافوا الله عز وجل " (( إلى أجل مسمى )) " أي معين " وهو يوم القيامة (( لقضي بينهم )) بتعذيب الكافرين في الدنيا " (( لقضي بينهم )) أي فصل وحكم بينهم، وأهلك الكفار وأبقي الموحدون. يقول الشارح: " (( وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم )) وهم اليهود والنصارى (( لفي شك منه )) من محمد صلى الله عليه وسلم (( مريب )) موقع في الريبة " قوله عز وجل : (( ولولا كلمة سبقت من ربك )) الكلمة هي أنه قضى عز وجل بتأخير العذاب عنهم فتنة واختبارا، وقد أشار الله تعالى إلى هذه الفتنة والاختبار بقوله تعالى : (( ولو شاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض )) لو انتصر الله منهم وأهلكهم ما بقي للجهاد محل، ولا بقي للمؤمنين محنة واختبار، ولهذا قال: (( ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم )).
وقوله : (( إلى أجل مسمى )) أي معين محدد وذلك يوم القيام، يوم القيام محدد في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر، كما أن موت الإنسان محدد من قبل الله لا يتقدم ولا يتأخر.
(( وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب )) وإن الذين أورثوا الكتاب أي: أعطوه، مجانا أو بعوض ؟ مجانا، يعني بدون تعب، كما أن الوارث يرث مال مورثه بدون تعب مجانا، (( أورثوا الكتاب من بعدهم )) هل المراد بالكتاب هنا التوراة والإنجيل أو المراد بالكتاب القرآن ويكون المعنى (( وإن الذين أورثوا الكتاب )) وهو القرآن (( من بعدهم )) أي من بعد الذين تفرقوا من أهل الكتاب وغيرهم (( لفي شك منه )) أي من هذا الكتاب (( مريب )) ؟ هذا الذي أقوله أحسن مما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى، المؤلف يفيد قوله : أن المراد بالكتاب التوراة والإنجيل لأنه قال: " هم اليهود والنصارى " فاليهود لهم التوراة والنصارى لهم الإنجيل، ولكن الظاهر أن المراد بالكتاب هو هذا القرآن (( لفي شك منه )) أي من هذا الكتاب (( مريب )) موقع في الريبة، والريبة أشد من الشك لأنها ارتياب وقلق، الشاك قد يكون بارد الضمير ليس عنده قلق، لكن المرتاب أشد، والغالب أن الارتياب يكون مع تعارض الأدلة التي كل واحد منها يقتضي أن يكون مصيره إليه فيرتاب الإنسان ويتردد ويقلق، لكن الشك المجرد هو شك لا شك في هذا لكن لا يؤدي إلى الريبة إلا إذا عظم وقوي وتعارضت الأدلة، حينئذ يبقى الإنسان في ارتياب شديد.