تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأما من زاغ وحاد عن سبيلهم من الكفار والمشركين والذين أوتوا الكتاب ومن دخل في هؤلاء من الصابئة والمتفلسفة والجهمية والقرامطة والباطنية ونحوهم ". حفظ
الشيخ : قال المؤلف : " وأما من زاغ وحاد عن سبيلهم من الكفار والمشركين والذين أوتوا الكتاب ومن دخل في هؤلاء من الصابئة والمتفلسفة والجهمية والقرامطة والباطنية ونحوهم : فإنهم على ضد ذلك يصفونه بالصفات السلبية على وجه التفصيل ولا يثبتون إلا وجود مطلقا لا حقيقة له عند التحصيل وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان يمتنع تحققه في الأعيان ... " إلى آخره .
لما ذكر المؤلف رحمه الله طريقة الرسل وأتباعهم عليهم الصلاة والسلام من التفصيل في الإثبات والإجمال في النفي ذكر من زاغ وحاد عن سبيلهم ، زاغ وحاد معناهما متقارب مترادف تقريبا ، " عن سبيلهم" عن طريقهم " من الكفار والمشركين " الكافر أعم من المشرك ، لأن المشرك كفره خاص باتخاذ الند لله عز وجل .
" والذين أوتوا الكتاب " من هم الذين أوتوا الكتاب .؟ اليهود والنصارى ، " ومن دخل في هؤلاء من الصابئة والمتفلسفة " الصائبة يعني بهم الصابئين ، والصائبون قيل إنهم المجوس الذين يعبدون النار ، وقيل إن الصابئين من لا دين له ، فكل من لا دين له فهو صابئ .
والمتفلسفة يقال فلاسفة ويقال متفلسفة ، وأصل الفلسفة في اللغة اليونانية محبة الحكمة ، فالفليسوف عندهم محب للحكمة أو الحكيم، والفلاسفة عندهم الحكماء ، يسمونهم الحكماء في اللغة العربية ، فالمتفلسف معناه المنتسب إلى الفلاسفة الذي ينحنى منحاهم وإن لم يكن منهم في كل ما يقولون ، لأن الفلاسفة غالبهم كفار ، لكن فيه ناس ممن ينتسبون إلى الإسلام تفلسفوا ، وش معنى تفلسفوا .؟ يعني أخذوا من طرق الفلفسة ، أخذوا منهم لكن ليسوا فلاسفة على الإطلاق ، وأصل الفيلسوف معناه .؟
الطالب : الحكيم .
الشيخ : محب الحكمة أو الحكيم ، هذا في اللغة اليونانية ثم عربت ودخلت في اللغة العربية .
وأما " الجهمية " فهم أتباع جهم بن صفوان والجهم بن صفوان تلميذ الجعد بن درهم والجعد بن درهم هو مؤسس طريقة الجهمية لأنه ـ الجعد بن درهم ـ والعياذ بالله أول من قال بالتعطيل ، وقال بالتعطيل كلمتين فقط قال : إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ، ولم يكلم موسى تكليما ، فنفى المحبة ونفى الكلام ، والمحبة والكلام في الحقيقة هما الشرع ، لأن شرع الله ثبت بوحيه ووحيه كلامه ، فإذا أبطل الكلام أبطل الشرع ، ومحبة الله تبارك وتعالى أيضا ناتجة أو ثمرة عبادته ، فكل من تعبد الله على طريقة رسله فهو محبوب إلى الله .
الجعد بن درهم تعرفون أنه قتل ، من الذي قتله .؟ خالد بن عبد الله القسري قتله في الحقيقة قتلة ممتازة ، يقولون إنه خرج به مقيدا في أغلاله إلى مصلى العيد و، كانت عادة الناس من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أن إمام المسجد يخرج بأضحيته إلى المصلى فيذبح أضحيته هناك ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى لأجل أن يكون تفريق اللحم على المساكين أمراً ميسوراً . فهذا الرجل خالد بن عبد الله القسري خرج بالجعد بن درهم مقيداً بأغلاله وخطب بالناس وقال : " أما بعد : أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم لأنه قال إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً " ثم نزل فذبحه ، فكانت أضحية مقبولة ومشكورة لكنها غير مأكولة أو لا .؟ غير مأكولة إنما هي مقبولة ومشكورة ، ولهذا يقول ابن القيم في النونية :
" ولأجل ذا ضحى بجعد خالد الـ *** ـقسري يوم ذبائح القربان
إذ قال إبراهيم ليس خليله *** كلا ولا موسى الكليم الداني
شكر الضحية كل صاحب سنة *** لله درك من أخي قربان "

وصحيح أن التضحية بمثل هذا هي عند الله وعند عباده أحب من أن يضحي بملئ الأرض من المواشي ، لأنها قطع للبدع ، لكن مع الأسف تتلمذ عليه هذا الرجل الخبيث الجهم بن صفوان ، وهو الذي نشر هذا المذهب ، لما نشره بين الناس صار ينسب إليه ، فيقال الجهمية ، وكان أصلا يقال الجعدية ، لكن نظرا إلى أن ذاك لم يستقم له الأمر ما نسب إليه ، انتشر على يد هذا .نسأل الله السلامة والعافية .