قراءة الطالب للعقيدة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. حفظ
الطالب : " وذلك أنه قد علم بضرورة العقل أنه لا بد من موجود قديم غني عما سواه إذ نحن نشاهد حدوث المحدثات كالحيوان والمعدن والنبات ، والحادث ممكن ليس بواجب ولا ممتنع ، وقد علم بالاضطرار أن المحدث لا بد له من محدث ، والممكن لا بد له من موجد كما قال تعالى : (( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون )) فإذا لم يكونوا خلقوا من غير خالق ولا هم الخالقون لأنفسهم تعين أن لهم خالقا خلقهم . وإذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه وما هو محدث ممكن يقبل الوجود والعدم ، فمعلوم أن هذا موجود وهذا موجود ، ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا ، بل وجود هذا يخصه ووجود هذا يخصه ، واتفاقهما في اسم عام لا يقتضي تماثلهما في مسمى ذلك الاسم عند الإضافة والتخصيص والتقييد ولا في غيره. فلا يقول عاقل إذا قيل إن العرش شيء موجود وأن البعوض شيء موجود إن هذا مثل هذا ; لاتفاقهما في مسمى الشيء والوجود لأنه ليس في الخارج شيء موجود غيرهما يشتركان فيه ، بل الذهن يأخذ معنى مشتركا كليا هو مسمى الاسم المطلق ، وإذا قيل هذا موجود وهذا موجود فوجود كل منهما يخصه لا يشركه فيه غيره ; مع أن الاسم حقيقة في كل منهما ، ولهذا سمى الله نفسه بأسماء وسمى صفاته بأسماء ; وكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه لا يشركه فيها غيره ، وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص ; ولم يلزم من اتفاق الاسمين وتماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص اتفاقهما ، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص . فقد سمى الله نفسه حيا فقال : (( الله لا إله إلا هو الحي القيوم )) وسمى بعض عباده حيا ; فقال : (( يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي )) وليس هذا الحي مثل هذا الحي لأن قوله الحي اسم لله مختص به وقوله : (( يخرج الحي من الميت )) اسم للحي المخلوق مختص به ، وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص ; ولكن ليس للمطلق مسمى موجود في الخارج ، ولكن العقل يفهم من المطلق قدرا مشتركا بين المسميين ، وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق والمخلوق عن الخالق ".