تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " مثال ذلك أن النصوص كلها دلت على وصف الإله بالعلو والفوقية على المخلوقات واستوائه على العرش , فأما علوه ومباينته للمخلوقات فيعلم بالعقل الموافق للسمع ; وأما الاستواء على العرش فطريق العلم به هو السمع . وليس في الكتاب والسنة وصف له بأنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا مباينه ولا مداخله . فيظن المتوهم أنه إذا وصف بالاستواء على العرش : كان استواؤه كاستواء الإنسان على ظهور الفلك والأنعام ; كقوله : (( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره )), فيتخيل له أنه إذا كان مستويا على العرش كان محتاجا إليه كحاجة المستوي على الفلك والأنعام فلو غرقت السفينة لسقط المستوي عليها ولو عثرت الدابة لخر المستوي عليها . فقياس هذا أنه لو عدم العرش لسقط الرب سبحانه وتعالى ثم يريد بزعمه أن ينفي هذا فيقول : ليس استواؤه بقعود ولا استقرار ولا يعلم أن مسمى القعود والاستقرار يقال فيه ما يقال في مسمى الاستواء . ". حفظ
الشيخ : " مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ النُّصُوصَ كُلَّهَا دَلَّتْ عَلَى وَصْفِ الْإِلَهِ بِالْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ ، فَأَمَّا عُلُوُّهُ وَمُبَايَنَتُهُ لِلْمَخْلُوقَاتِ فَيُعْلَمُ بِالْعَقْلِ الْمُوَافِقِ لِلسَّمْعِ " العلو دلالته عقلية وسمعية ، يعني دل عليه العقل والسمع ، ما دلالة العقل على العلو ؟. وجه دلالة العقل على العلو أن نقول سؤال هل العلو صفة كمال أو صفة نقص ؟!
الطالب : صفة كمال .
الشيخ : صفة كمال ، طيب هل الرب يجب له صفات الكمال أو يجوز عليه صفات نقص ؟! يجب له صفات الكمال ويمتنع عنه صفات النقص ، إذن يلزم ثبوت العلو لله تعالى بذاته ، أليس كذلك .؟ طيب فبهذا تبين دلالة العقل على علو الله . ووجه الدلالة ما أشرت إليه الآن بأن أقول : هل العلو صفة كمال أو صفة نقص ، الجواب بلا شك عند جميع الناس أن يقول إنه صفة كمال ، إذا كان صفة كمال فهل الرب المستحق للعبادة متصف بالكمال أو يجوز عليه النقص .؟ متصف بالكمال ، النتيجة .؟ فيلزم إيش .؟ يلزم ثبوت العلو له .
أعد علينا الدليل .؟
الطالب : ... متصف بالكمال .
الشيخ : واش وجه دلالة العقل على العلو... نعم متصف بالكمال لا شك ، فقط هذا الذي يدل على أنه متصف بالعلو .؟ شفت ما أنت بعندنا ، الله يهدنا وإياك ، نعم .؟
الطالب : نقول هل هو صفة كمال أو نقص .؟ إذا كان صفة كمال فالله مستحق له لأنه مستحق للعبادة ، فيثبت له العو .
الشيخ : تمام أحسنت ، نقول : ما دام أن عندنا قاعدة مقررة ، أن الله متصف بصفات الكمال ، هل العلو صفة كمال أو صفة نقص .؟ كل سيجيب بأنه صفة كمال ، إذا يجب ثبوت العلو لله عز وجل ما دام صفة كمال ، واضح .؟ زين استرح .
دلالة السمع على علو الله كثيرة جدا و وبصفة متنوعة : (( أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء )) (( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ )) (( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى )) (( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ )).
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم للجارية : ( أين الله ؟! ) فقالت : في السماء .
وأشار النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة عرفة ، أشار إلى السماء يشهد الله تعالى على الخلق لما قال : ( هل بلغت ) قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد ، اللهم اشهد .
إذا فالعلو قد ثبت بالسنة القولية والفعلية والإقرارية ، وثبت بالقرآن من وجوه متنوعة ، هل هناك أدلة زائدة على العقل والسمع .؟ نقول نعم لدينا أدلة وهي :
الفطرة ، فإن كل إنسان مفطور على علو الله ، ولذلك لو سأل إنسان الله من غير أن يدرس أو يتعلم ، لو سأل الله حاجة أين ينصرف قلبه .؟ إلى العلو . ما تجد أي أحد يقول : يا رب ويحط يديه على الأرض ، أبدا كل إنسان يقول يا رب ويحط يديه إلى السماء ، ولهذا قال أبو المعالي الجويني رحمه الله ، وكان من الأشاعرة الذين ينكرون علو الله ، كان يقرر هذا المذهب ويقول : " إن الله كان ولم يكن شيء قبله " صح أو لا .؟ ثم قال : " وهو الآن على ما كان عليه " أو قال: " كان الله ولم يكن شيء معه وهو الآن على ما كان عليه ". صحيح كان الله ولم يكن شيء معه .؟ هذا صحيح ، ثم قال : " وهو الآن على ما كان عليه " إذا كان هو الآن على ما كان عليه ، معناه أنه الآن ليس عالياً على الخلق ، لأنه ليس معه شيء .
فقال له الهمذاني : " يا أيها الشيخ دعنا من ذكر العرش ـ لأنه تكلم بعدها على العرش ـ وأخبرنا عن هذه الضرورة التي يجدها كل إنسان ، ما قال عارف قط يا الله إلا وجد من قلبه ضرورة في طلب العلو " صحيح هذا أو لا .؟ أي إنسان يقول : يا الله يجد من قلبه ضرورة بطلب العلو .
فجعل أبو المعالي الجويني يلطم على رأسه ويقول : حيرني الهمذاني ، حيرني الهمذاني ، يكرر ، لأنه عجز أن يجيب عن هذه الفطرة والضرورة القلبية التي تكون للإنسان بدون أن يتعلم .
إذا دلالة الفطرة نضيفها إلى دلالة السمع .
الطالب : ورجع الإمام الجويني .؟
الشيخ : هذا رجوع ، هذا رجوع أمام الناس لأنه تحير ، يمكن عاد والعياذ بالله يبدو له فيما بعد يصمم على رأيه أو لا .؟ ما ندري .
الآن نقول هذه ثلاثة أدلة ، ما فيها أيضا دليل رابع .؟ بلى ، وهو إجماع السلف على أن الله تعالى في العلو ، فتكون إذا أدلة العلو أربعة ، السمع ويشمل الكتاب والسنة ، والعقل والفطرة والإجماع ، واضح .؟
قال المؤلف : " وَأَمَّا الِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ فَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِهِ هُوَ السَّمْعُ " صحيح الِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ طَرِيقُ الْعِلْمِ بِهِ هُوَ السَّمْعُ ، العقل يهتدي إليه أو ما يهتدي .؟
الطالب : لا يهتدي .
الشيخ : العقل ما يهتدي أن الله استواء على العرش ؟! لولا أن الله أخبرنا استواء على العرش ما علمنا بذلك ، لم نعلم به . فعلى هذا يكون ، تحذف دلالة العقل من على الاستواء على العرش ، العقل ما يدل على أن الله استوى على العرش ، لولا أن الله أخبرنا بذلك هل نعلم .؟
الطالب : لا .
الشيخ : لكن العلو يدل عليه العقل أو ما يدل .؟ يدل عليه كما قررنا من قبل .
الطالب : ... السمع والعقل وإجماع السلف .؟
الشيخ : والفطرة .
قال المؤلف رحمه الله تعالى : " وَأَمَّا الِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ فَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِهِ هُوَ السَّمْعُ ، وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَصْفٌ لَهُ بِأَنَّهُ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ وَلَا مُبَايِنَهُ وَلَا مُدَاخِلَهُ ، فَيَظُنُّ الْمُتَوَهِّمُ أَنَّهُ إذَا وُصِفَ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ : كَانَ اسْتِوَاؤُهُ كَاسْتِوَاءِ الْإِنْسَانِ عَلَى ظُهُورِ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ ، كَقَوْلِهِ تعالى : (( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ )) فَيَتَخَيَّلُ لَهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ كَحَاجَةِ الْمُسْتَوِي عَلَى الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ ، فَلَوْ غَرِقَتْ السَّفِينَةُ لَسَقَطَ الْمُسْتَوِي عَلَيْهَا ، وَلَوْ عَثَرَتْ الدَّابَّةُ لَخَرَّ الْمُسْتَوِي عَلَيْهَا . فَقِيَاسُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ عَدِمَ الْعَرْشُ لَسَقَطَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى . ثُمَّ يُرِيدُ بِزَعْمِهِ أَنْ يَنْفِيَ هَذَا فَيَقُولَ : لَيْسَ اسْتِوَاؤُهُ بِقُعُودِ وَلَا اسْتِقْرَارٍ ، وَلَا يُعْلَمُ أَنَّ مُسَمَّى الْقُعُودِ وَالِاسْتِقْرَارِ يُقَالُ فِيهِ مَا يُقَالُ فِي مُسَمَّى الِاسْتِوَاءِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ دَاخِلَةً فِي ذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الِاسْتِوَاءِ وَالْقُعُودِ وَالِاسْتِقْرَارِ ، وَلَيْسَ هُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُسْتَوِيًا وَلَا مُسْتَقِرًّا وَلَا قَاعِدًا ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مُسَمَّى ذَلِكَ إلَّا مَا يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الِاسْتِوَاءِ ، فَإِثْبَاتُ أَحَدِهِمَا وَنَفْيُ الْآخَرِ تَحَكُّمٌ " . هذا واضح أو يحتاج إلى شرح .؟
الطالب : يحتاج .
الشيخ : آه طيب هذا المؤلف أولا أتى بالاستواء على العرش ، الاستواء على العرش دليله سمعي وليس له دليل عقلي ، فهو سمعي محض .
ينكر هذا المتوهم استواء الله على العرش بناء على ظنه أن استواء الله على العرش كاستواء الإنسان على ظهور الفلك والأنعام ، مثل قوله : (( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ )) فَيَتَخَيَّلُ لَهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ كَحَاجَةِ الْمُسْتَوِي عَلَى الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ ، يتخيل هذا ، لأنه يعتقد أن الاستواء على العرش مثل استواء الإنسان على الفلك والأنعام ، ومعلوم أن السفينة لو غرقت لغرق الذي عليها ، لأنه محتاج إليها ، ولو عثرت الدابة لسقط الذي عليها ، فهل إذا عدم العرش يسقط الرب .؟ على زعمه يكون كذلك ، لما رأى أن هذا ممتنع على الله ماذا صنع .؟ أنكر الاستواء ، لما علم أن هذا مستحيل على الله عز وجل ، قال : إذا أنكر الاستواء وأقول إن الله تعالى لم يستو على العرش ، فهمتم يا جماعة الآن .؟ ليش .؟ لأنه فهم من استواء الله على عرشه أنه كاستواء الإنسان على ظهور الفلك والأنعام ، ومن المعلوم أن استواء الإنسان على ظهور الفلك والأنعام أن المستوي محتاج إلى ذلك بلا شك ، فيلزم أن يكون الله محتاج إلى العرش ، بحيث لو ذهب العرش لسقط الرب و وهذا شيء مستحيل ، وهو الذي أوجب له أن ينكر استواء الله على العرش .
طيب يقول المؤلف " ثُمَّ يُرِيدُ بِزَعْمِهِ أَنْ يَنْفِيَ هَذَا فَيَقُولَ : لَيْسَ اسْتِوَاؤُهُ بِقُعُودِ وَلَا اسْتِقْرَارٍ " إذا ما هو استواءه على رأيه .؟ معروف عندهم أن استوى بمعنى استولى ، ليس بمعنى استقر على عرشه ، أو قعد عليه ، وكلمة قعد وإن كانت وردت في أثر ضعيف بلفظ جلس على العرش ، لكن هي أيضا تنفر منها النفس ، لأنها ليست مشهورا ، والمشهور أن الاستواء بمعنى العلو والاستقرار ، لكن مع ذلك المؤلف رحمه الله تعالى أراد أن يحكي كلام غيره ، فيقول : " لَيْسَ اسْتِوَاؤُهُ بِقُعُودِ وَلَا اسْتِقْرَارٍ ، وَلَا يُعْلَمُ أَنَّ مُسَمَّى الْقُعُودِ وَالِاسْتِقْرَارِ يُقَالُ فِيهِ مَا يُقَالُ فِي مُسَمَّى الِاسْتِوَاءِ " المعنى أنك إذا قلت : ليس بقعود ولا استقرار ، فإن الْقُعُودِ وَالِاسْتِقْرَارِ يلزم في مسماه ما يلزم في مسمى الاستواء ، بمعنى أن من قعد على شيء كان مضطرا إليه كما استوى عليه ... .