تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فإن قال : العمدة في الفرق هو السمع فما جاء به السمع أثبته دون ما لم يجئ به السمع قيل له أولا : السمع هو خبر الصادق عما هو الأمر عليه في نفسه فما أخبر به الصادق فهو حق من نفي أو إثبات ; والخبر دليل على المخبر عنه والدليل لا ينعكس ; فلا يلزم من عدمه عدم المدلول عليه فما لم يرد به السمع يجوز أن يكون ثابتا في نفس الأمر وإن لم يرد به السمع ; إذا لم يكن نفاه ومعلوم أن السمع لم ينف هذه الأمور بأسمائها الخاصة فلا بد من ذكر ما ينفيها من السمع وإلا فلا يجوز حينئذ نفيها كما لا يجوز إثباتها .". وأيضا : فلا بد في نفس الأمر من فرق بين ما يثبت له وينفى فإن الأمور المتماثلة في الجواز والوجوب والامتناع يمتنع اختصاص بعضها دون بعض في الجواز والوجوب والامتناع فلا بد من اختصاص المنفي عن المثبت بما يخصه بالنفي ولا بد من اختصاص الثابت عن المنفي بما يخصه بالثبوت .". حفظ
الشيخ : " فَإِنْ قَالَ : الْعُمْدَةُ فِي الْفَرْقِ هُوَ السَّمْعُ فَمَا جَاءَ بِهِ السَّمْعُ أَثْبَتَهُ دُونَ مَا لَمْ يَجِئْ بِهِ السَّمْعُ . قيل له أولاً : السمع هو خبر الصادق عما هو الأمر عليه في نفسه ، فما أخبر به الصادق فهو حق من نفي أو إثبات والخبر دليل على المخبر عنه . والدليل لا ينعكس . فلا يلزم من عدمه عَدَمُ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ فَمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ السَّمْعُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِهِ السَّمْعُ ، إذَا لَمْ يَكُنْ نَفَاهُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ السَّمْعَ لَمْ يَنْفِ هَذِهِ الْأُمُورَ بِأَسْمَائِهَا الْخَاصَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَا يَنْفِيهَا مِنْ السَّمْعِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ حِينَئِذٍ نَفْيُهَا كَمَا لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا "
إذا قال القائل : أنا أعتمد في ذلك على السمع . قيل له :
أولاً : السمع هو خبر الصادق عما هو الأمر عليه في نفسه ، السمع الذي يجب قبوله هو خبر الصادق عما هو عليه الأمر في نفس الأمر . في نفسه أي في نفس الأمر . مثل الذي أخبر الله عن نفسه أن له وجهاً فهذا خبر صادق عما هو الأمر عليه في نفس الأمر .
الأمر الواقع أن الله له وجهاً أخبر الله به عن نفسه فهو خبر ، ولكن الاعتماد على الخبر في هذا الأمر في الحقيقة مصادرة لأنه ما يكفي أن تقول هذا الكلام ، لأنك لو اعتمدت على مجرد السمع ما استطعت أن تنفي عن الله الأكل ، اللهم إلا إذا قلنا : (( وهو لا يُطعم ولا يطعم )) لكن ما تستطيع أن تنفي أن الله له أمعاء . فليس في القرآن ولا في السنة نفي الأمعاء عن الله ، ما في القرآن ولا في السنة نفي الأذن عن الله ، ما في القرآن ولا في السنة نفي السرة عن الله ولا إثباتها .
إذن انظر المؤلف ما يقول : " والخبر دليل على المخبر عنه " إذا أخبر الله عن شيء فإن هذا الخبر دليل على المخبر عنه " والدليل لا ينعكس " وش معنى لا ينعكس .؟ " فلا يلزم من عدمه عدم المدلول عليه " المعنى أننا إذا عدمنا الدليل على شيء ، والمراد الدليل المعين كما مر علينا في أول الكتاب ، هل يلزم من نفي الدليل المعين انتفاء المدلول .؟ لا ، لماذا لا يلزم .؟ لأنه قد يكون له دليل آخر سوى هذا الدليل ، وهذا كثير من مسائل العلم تجدون أن المسألة الواحدة لها عدة أدلة ، فإذا انتفى عنها دليل واحد من هذه الأدلة ثبتت بالدليل الآخر .
فنحن نقول الآن : إذا قدرنا أن السمع لم يرد بنفي هذه الصفات عن الله ، هو المؤلف يريد أن يركز في الرد على من يقول : أنا اعتمد على السمع فما أثبته أثبته وما نفاه نفيه ، فالسمع الآن ما ورد أنه نفى عن الله هذه الصفات التي أنكرناها عليهم مثل : الحزن والبكاء والرمد ، وكذلك أيضا التعب ، لكن التعب موجود في القرآن نفيه، الأمعاء الأذن هذه لم يرد نفيها ، لكن هل نقول لما لم يرد نفيها يجب ألا تكون منتفية عن الله ؟ ! لا ، لماذا .؟ يقول :
" لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول عليه فَمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ السَّمْعُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِهِ السَّمْعُ ، إذَا لَمْ يَكُنْ نَفَاهُ " ولكن إذا وجد في العقل ما يمنعه وجب أن نمنعه ، هذا الذي ذكرنا : الرمد والحزن والخوف ، أن الله يخاف ، هذا ما ورد به السمع، وما ورد نفيه بالسمع ، لكن هل نقول لما لم يرد به السمع بنفيه يجوز إثباته .؟ لا ، لأنه هناك دليل آخر عقلي يمنع وجوده .
" فمعلوم أن السمع لم ينفي هذه الأمور بأسمائها الخاصة فلابد من ذكر ما ينفيها من السمع وإلا فلا يجوز حينئذ نفيهما كما لا يجوز إثباتهما " ولكننا نقول كما تقرر من قبل إنه ما ورد أن السمع نفاها بأسمائها الخاصة لكن نفاها بالمعنى العام ، ما هو المعنى العام هو.؟
أن الله موصوف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص ، فكلما اقتضى نقصاً أو حدوثاً فإن الله تعالى منزه عنه .
قال : " وَأَيْضًا : فَلَا بُدَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَ مَا يُثْبَتُ لَهُ " يعني لله " وَيُنْفَى فَإِنَّ الْأُمُورَ الْمُتَمَاثِلَةَ فِي الْجَوَازِ وَالْوُجُوبِ وَالِامْتِنَاعِ يَمْتَنِعُ اخْتِصَاصُ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ فِي الْجَوَازِ وَالْوُجُوبِ وَالِامْتِنَاعِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِصَاصِ الْمَنْفِيِّ عَنْ الْمُثْبِتِ بِمَا يَخُصُّهُ بِالنَّفْيِ وَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِصَاصِ الثَّابِتِ عَنْ الْمَنْفِيِّ بِمَا يَخُصُّهُ بِالثُّبُوتِ " .
كما قال المؤلف لابد من فرق بين ما يثبت له وما ينفى عنه ، لابد أن نفرق وإلا وقعنا في حيرة ، والتفريق مداره كما أراد المؤلف ، مداره على الكمال والنقص ، فما اقتضى نقصاً فإنه ممنوع عن الله ، وما لم يقتض نقصاً فإنه ثابت لله .
لو قال قائل : أنا أثبت أن الله يحزن كما يفرح ، فماذا نقول له ؟ !
نقول لا ، والفرق بينهما ظاهر ، الفرح صفة كمال والحزن صفة نقص ، لماذا صفة نقص ؟!
لأن الحزين معناه أنه عاجز عن دفع ما نزل به ، لكن الفرح ليس فيه نقص أبداً ، بل هو دليل على كمال الفارح ، فإن الله إذا كان يفرح بتوبة عبده دليل على محبته للكرم والتوبة على عباده .