تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ومن مدح هذا فهو مخالف لضرورة الدين والعقل . والفناء يراد به ثلاثة أمور : أحدها : هو الفناء الديني الشرعي الذي جاءت به الرسل وأنزلت به الكتب وهو أن يفنى عما لم يأمر الله به بفعل ما أمر الله به : فيفنى عن عبادة غيره بعبادته وعن طاعة غيره بطاعته وطاعة رسوله وعن التوكل على غيره بالتوكل عليه وعن محبة ما سواه بمحبته ومحبة رسوله ; وعن خوف غيره بخوفه بحيث لا يتبع العبد هواه بغير هدى من الله , وبحيث يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما كما قال تعالى : (( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره )) فهذا كله هو مما أمر الله به ورسوله . وأما الفناء الثاني : وهو الذي يذكره بعض الصوفية وهو أن يفنى عن شهود ما سوى الله تعالى فيفنى بمعبوده عن عبادته وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن معرفته بحيث قد يغيب عن شهود نفسه لما سوى الله تعالى فهذا حال ناقص قد يعرض لبعض السالكين وليس هو من لوازم طريق الله ولهذا لم يعرف مثل هذا للنبي صلى الله عليه وسلم وللسابقين الأولين ومن جعل هذا نهاية السالكين فهو ضال ضلالا مبينا وكذلك من جعله من لوازم طريق الله فهو مخطئ بل هو من عوارض طريق الله التي تعرض لبعض الناس دون بعض ليس هو من اللوازم التي تحصل لكل سالك .". حفظ
الطالب : " وَمَنْ مَدَحَ هَذَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِضَرُورَةِ الدِّينِ وَالْعَقْلِ . وَالْفَنَاءُ يُرَادُ بِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ : أَحَدُهَا : هُوَ الْفَنَاءُ الدِّينِيُّ الشَّرْعِيُّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَأُنْزِلَتْ بِهِ الْكُتُبُ ، وَهُوَ أَنْ يَفْنَى عَمَّا لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ بِفِعْلِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ، فَيَفْنَى عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِهِ بِعِبَادَتِهِ وَعَنْ طَاعَةِ غَيْرِهِ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ ، وَعَنْ التَّوَكُّلِ عَلَى غَيْرِهِ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَعَنْ مَحَبَّةِ مَا سِوَاهُ بِمَحَبَّتِهِ وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ ، وَعَنْ خَوْفِ غَيْرِهِ بِخَوْفِهِ بِحَيْثُ لَا يَتبِعُ الْعَبْدُ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ ، وَبِحَيْثُ يَكُونُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا "
الشيخ : أحب منصوبة على أنها خبر يكون .
الطالب : " أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ )) فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ .".
الشيخ : ... طيب الآن فهمنا هذا الفناء الديني الشرعي وهو الفناء بالطاعة عن المعصية ، وبعبارة أعم بكل ما أمر الله به عما نهى الله عنه . ومعنى الفناء كما قلت لكم هو الانشغال الذوبان
وكلمة : الفناء الديني ، فيما أعتقد أن الشيخ رحمه الله تعالى قالها من باب تتميم الأقسام ، وإلا فلا يصح أن نقول أن هذا فناء . نقول اشتغال لا بأس ، اشتغل بطاعة الله عن معصية . اشتغل بالتوكل على الله عن التوكل على غيره ، اشتغل بخوف الله عن خوف غيره . أما كلمة فناء فإنها كلمة محدثة بلا شك . ولهذا ما نجد في القرآن ولا في السنة أن الله تعالى سمى أو رسوله سمى الاشتغال بالعبادة فناء . لكن المؤلف جاء به من باب تتميم الأقسام فقط ، وإلا في الحقيقة أن الاشتغال بالدين تسميته فناء أمر محدث لا وجود له لا في الكتاب ولا في السنة . ما عمرنا سمعنا أن الإنسان يقول : يفنى بالصلاة عن ترك الصلاة ، ولا يفنى بالصيام عن الإفطار ، ما سمعنا هذا . لكن من باب تتميم الأقسام حتى تنضبط المسألة أتى به المؤلف .
الطالب : " وأما الْفَنَاءُ الثَّانِي : وَهُوَ الَّذِي يَذْكُرُهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ وَهُوَ أَنْ يَفْنَى عَنْ شُهُودِ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَفْنَى بِمَعْبُودِهِ عَنْ عِبَادَتِهِ وَبِمَذْكُورِهِ عَنْ ذِكْرِهِ ، وَبِمَعْرُوفِهِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ بِحَيْثُ يَغِيبُ عَنْ شُهُودِ نَفْسِهِ لِمَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى " .
الشيخ : عندنا : بِحَيْثُ قَدْ يَغِيبُ ، قد ما لها معنى " بحيث يغيب ".
الطالب : " فَهَذَا حَالٌ نَاقِصٌ قَدْ يَعْرِضُ لِبَعْضِ السَّالِكِينَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ لَوَازِمَ طَرِيقِ اللَّهِ ، وَلِهَذَا لَمْ يُعْرَفْ مِثْلُ هَذَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ ، وَمَنْ جَعَلَ هَذَا نِهَايَةَ السَّالِكِينَ فَهُوَ ضَالٌّ ضَلَالًا مُبِينًا ، وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ لَوَازِمِ طَرِيقِ اللَّهِ فَهُوَ مُخْطِئٌ خطأ فاحشا بَلْ هُوَ مِنْ عَوَارِضِ طَرِيقِ اللَّهِ " .
الشيخ : فَهُوَ مُخْطِئٌ خطأ فاحشا .
الطالب : " بَلْ هُوَ مِنْ عَوَارِضِ طَرِيقِ اللَّهِ الَّتِي تَعْرِضُ لِبَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ لَيْسَ هُوَ مِنْ اللَّوَازِمِ الَّتِي تَحْصُلُ لِكُلِّ سَالِكٍ ".
الشيخ : طيب إذا هذا الفناء ليس بمحمود ، لماذا .؟ لأنه مادام لم يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن السابقين الأولين فهو مبتدع ، وقد مر علينا هذا من قبل ، وأن بعضهم جعل هذا من تمام التوحيد ، وقلنا إن الرسول عليه الصلاة والسلام ليس يغيب بمعبوده عن عبادته ، بل إنه كان أعبد الناس لربه ومع ذلك لا يغيب عن عبادته ، بل إنه يخفف الصلاة إذا سمع بكاء الصبي مخافة أن تفتتن أمه ، وكان يحمل أمامة بنت زينب وهو في صلاته .
وكان عمر رضي الله عنه يقول : إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة ، فهل هؤلاء غابوا بمعبودهم عن عبادتهم .؟ لا ، بل شهدوا عبادتهم وشهدوا معبودهم ، فهم يعبدون الله كأنهم يرونه ، لم يكونوا ينسون عبادتهم ولا يدرون هم يعبدون أو ما يعبدون ، اشتغالاً بمعبودهم .
فالحاصل أن هذا الفناء ليس بطريق سليم .
الطالب : ... .
الشيخ : هذه عروة بن الزبير رحمه الله تعالى من كبار الفقهاء ، ولكنه ما غاب عن عبادته بمعبوده ، غاب بعبادته عما سيفعل به ، فرق بين هذا وهذا ، يعني هو قال : تقطعونها إذا دخلت في صلاتي ، ففعلوا . لكن ليس معناه أنه غاب بمعبوده عن عبادته ، بل هو غاب بعبادته عما سوى العبادة ، هذا ليس كما قال هؤلاء .
الطالب : ... الفرق بين القسم الأول والقسم الثاني .؟
الشيخ : القسم الأول قلت لكم أن التعبير بالفناء هذا مبتدع ، لكن معناه أن الإنسان يشتغل بالطاعة عن المعصية ، يعني بدل ما يروح يعصي الله يعبد الله ، أما هذا فإنه يغيب ويذهل عن العبادة بالمعبود ، يعني إذا قام يصلي ما يشعر كأنه في صلاة ، لا يشعر بأن الله أمامه مثلا ، وينسى كل شيء كأنه لا يصلي ، ولا يدري هل ركع أو ما ركع ، أو سجد أو ما سجد ، غائب ، ذاهل بما شاهد ، مثل ما لو أن أحدا منا شاهدا أمرا مفزعا له ، أليس ينسى عما سواه ، تجد أن الإنسان إذا فزع الإنسان من شيء وهرب ، تكسر رجله الحصى وتضربه الشوك وكل شيء ، وهو ما يشعر .