تتمة شرح حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال : ( ... ومن تحلى بما لم يعط فكأنما لبس ثوبي زور ). حفظ
الشيخ : ثم ذكر عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أدب آخر وهي مما نحن بحاجة إليه أن نعرفه أيضاً وأن نبتعد عنه لأنه ليس من أخلاق المسلمين حيث قال عليه الصلاة والسلام : ( ومن تحلى بما لم يعط فكأنما لبس ثوبي زور ) ( ومن تحلى بما لم يعط ) أي من ادعى أن عنده كذا وكذا وليس عنده شيء من ذلك فهذا تحلى بما لم يعطه، وهذا لا فرق بين أن يقول مثلاً أنا الله منعم علي مثلاً ببستان وهو كاذب في ذلك ، إنما يتظاهر به أمام الناس أن هو غني فهو يتحلى بما لم يعطى أو قال : فلان أعطاني وهو في الحقيقة لم يعطه ولكل محله، مثلاً امرأة يخطبها خاطب فيدعي أنه عنده كذا وكذا لماذا ؟ يتظاهر بأنه غني فيصفه الرسول عليه السلام بأنه كلابس ثوبي زور ، هذا طبعاً يقول : أعطيت من أعطاه؟ رب العالمين الله أنعم عليه ، لكن في صورة أخرى يدعي أن فلان أعطاه مثلاً : امرأة متزوجة ولاسيما إذا كانت ضرة أو لها جارة فهي تقول لجارتها أو لضرتها : أنا زوجي أعطاني كذا وكذا وهي كاذبة وإنما تفعل ذلك لكي تستعلي على ضرتها أو على جارتها فسواء كان المثال من النوع الأول أو من النوع الثاني والأمثلة تتنوع وتتكثر جداً فالرسول عليه السلام ينسبه إلى أنه كلابس ثوبي زور، ليس كلابس ثوب واحد من الزور أي الكذب وإنما هو كلابس ثوبي زور، وهذا كناية عن أنه متلبس بالزور والكذب من رأسه إلى أخمص قدمه، ذلك لأن عادة العرب يلبسون عادة الغني منهم أو الموسع عليه في المال والرزق يلبس ثوبين إزار ورداء الإزار الفوطة يعني اللي بيستر به الرجل القسم الأدنى من البدن وهذا أقل ما يجب عليه لباسه ، والرداء هو الثوب الآخر الذي يستر به القسم الأعلى من البدن يعني تماماً كما يفعل الحجاج حينما يحجون.
فالرسول عليه السلام يقول : ( من تحل بما لم يعط فكأنما لبس ثوبي زور ) وفي حديث آخر في *صحيح البخاري ومسلم* : ( المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ) فالمتشبع بما لم يعط هو بمعنى من تحلى بما لم يعط ، رجل مثلا يدعي أن هو دائماً ليلاً نهاراً في بيته مآكل من أطيب المآكل من اللحم والأرز والفاكهة وكذا وكذا ، والحقيقة ليس عنده شيء من ذلك إطلاقاً فهو يدعي ويتحلى بما لم يعط فهذا لا يجوز هو كذب في حد نفسه، ولكنه كذب يريد أن يستعلي به علي به على غيره سواء كان هذا المتشبع أو هذا المتحلي رجلاً أو امرأة فهذا لا يجوز لأنه كذب ومن أفحش الكذب لقوله عليه الصلاة والسلام : ( فهو كلابس ثوبي زور ) أو ( فكأنما لبس ثوبي زور ).
السائل : كلمة تحل ، ... تجمل.
الشيخ : هو.
السائل : ومن تجمل بما لم يعط ...
الشيخ : لا، هو المقصود هنا تعمد إظهار ما ليس له إذا تحلى بثياب مستعيرة أو مستعارة وادعى أنها ثيابه أو ادعت أنها ثيابها فهو مقصود هاهنا، أما مجرد لبس ثياب الغير وهذا معروف بين النساء خاصة في العرس حتى في عهد الرسول عليه السلام أن العروس تستعير من زينة جارتها فهذا لا بأس فيه لكن البأس يدعي من ادعائها أنها لها أن تقول : زوجي اشترى لي أخي أهدى لي والحال كذب، أما مجرد هذا اللباس دون هذه الدعوى فلا يدخل في هذا الحديث ، يعني التحلي والتشبع التحلي في هذا الحديث والتشبع المذكور في الحديث الآخر : ( من تشبع بما لم يعط فهو كلابس ثوبي زور ) ليس مقتصراً على الفعل فقط بل فعل مقرون بالقول الذي يوهم الآخرين أن هذا الذي لبسه وتظاهر به هو ملكه هو مما أهدي إليه أو أعطي إليه هذا هو الذي ينصب عليه هذا الوعيد، أما مجرد أن أستعير أنا لباساً أو أستعير سيارة مثلاً وأقضي بها نزهة وأنا لا أتظاهر أمام الناس ولا أدعي أن هذه سيارتي هذه أهداها لي الأمير الفلاني أو الصديق الفلاني أو الغني الفلاني إذا فقط ركبتها بدون أن أخلو بذلك بهذه الدعوة الباطلة فلا بأس من ذلك إطلاقاً ، المستنكر في التحلي وفي التشبع هو التحلي المقرون بنسبة هذا الذي تحلى به إلى نفسه مهدياً إليه من غيره فهذا هو المقصود بهذا الحديث في الصحيح.