شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما : ( علموا ويسروا ولا تعسروا وإذا غضب أحدكم فليسكت ). حفظ
الشيخ : ثم روى المصنف رحمه الله في الباب حديثاً آخر صحيحاً .
عن ابن عباس قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( علموا ويسروا ولا تعسروا وإذا غضب أحدكم فليسكت ) .
هذا حديث فيه أيضاً توجيه كريم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمؤمنين المسلمين المتبعين له عليه الصلاة والسلام حقاً، فقد أمر في هذا الحديث المسلم بأن يقوم بواجب التعليم فقال عليه الصلاة والسلام : ( علموا ) ذلك لأن نشر العلم هو من الواجبات الدينية التي يجب على كل عالم أن يقوم بنشر العلم بين الناس احتساباً لوجه الله تبارك وتعالى لا يبتغي من وراء ذلك جزاءً ولا شكوراً فلذلك قال عليه السلام : ( علموا ) ولكن كثيراً من الناس حينما يستلمون أو يتولون طريق تعليم الناس لا يحسنون تعليمهم، فقد يشددون عليهم وقد يحجرون عليهم وقد ينفرونهم ولذلك أمر الرسول عليه الصلاة والسلام من تولى تعليم الناس بأن يكون سمحاً ميسراً غير متشدد عليهم كما وقع في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام قصة فيها عبرة لمن يعتبر، ذلك أن أعرابياً والأعراب في الغالب يغلب عليهم الجهل لبعدهم عن المدن التي فيها الثقافة والعلم فوقف ذلك الأعرابي في مسجد الرسول عليه السلام وكشف عن ثوبه وأخذ يتبول في المسجد، فلما رآه الصحابة هموا أي بضربه ذلك لأنه يأتي في المسجد في مسجد الرسول عليه السلام أمراً مكرهاً لأن المساجد بنيت لعبادة الله عز وجل وبالتالي أمر المسلمون بتطهيرها بل وبتطييبها فكيف يفعل هذا الأعرابي خلاف ذلك فيهم بأن يبول في المسجد فينجس المسجد الطاهر، فكان طبيعياً جداً أن يهم الصحابة بضربه فقال لهم عليه الصلاة والسلام : ( دعوه لا تزرموه ) اتركوه خليه يقضي حاجته ولا تقطعوا عليه بوله ( دعوه لا تزرموه ) أي لا تقطعوا عليه بطوله حتى قضى الرجل حاجته، وقال الرسول عليه السلام في تمام هذه النصيحة التي وجهها إلى المعلمين لا إلى الجاهل وسيأتي دور الجاهل في التعليم، ولكن الرسول عليه السلام بادر المعلمين الناهرين الذين هموا بضرب ذلك الجاهل فقال لهم عليه الصلاة والسلام : ( دعوه لا تزرموه إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) ثم التفت عليه الصلاة والسلام إلى ذلك الأعرابي فقال له : ( إن هذه المساجد لم تبن لشيء من هذا البول أو الغائط إنما بنيت للصلاة وذكر الله تبارك وتعالى ) وبس ونحن نجد هاهنا بأن أسلوب الرسول عليه السلام كان مع كل من الطائفتين أسلوباً لطيفاً ولكن لعله كان أشد على المعلمين منه على ذلك الجاهل حيث قال : للذين هموا به : ( دعوه لا تزرموه ) أما بالذي أتى بالأمر المنكر ما أمره بشيء ولكنه أدبه فأحسن تأديبه وعلمه فأحسن تعليمه وقال له : ( إن هذه المساجد لم تبن لشيء من هذا البول والغائط إنما بنيت للصلاة وذكر الله ) فقط ، هناك أمرهم وهاهنا عرض له ما ينبغي أن يتأدب به مرة أخرى، ومن الطرائف أن هذا الأعرابي الذي فعل ما فعل في مسجده عليه الصلاة والسلام ما كاد يصلي خلفه عليه السلام حتى بادر إلى الدعاء ، فقال: ( اللهم ارحمني ومحمداً ولا تشرك معنا أحدا )ً ، اللهم ارحمني ومحمداً ولا تشرك معنا أحداً فقال عليه الصلاة والسلام لمن حوله من الأصحاب الكرام أترون هذا أضل أم بعيره ؟ ثم قال للأعرابي انظرن أسلوبه عليه السلام مع الجاهلين مع الناس قال له أيضاً عليه الصلاة والسلام : ( لقد حجرت واسعاً من رحمة الله ) ما فعل معه أيضاً شيئاً وإنما قال : ( لقد حجرت ) أي ضيقت واسعاً من رحمة الله يعني ما في داعي أنك تحصر نفسك ونبيك فقط في أن تطلب لهما رحمة الله دون الناس أجمعين، كأنه يقول له : إذا دعوت بالخير فعمم ولا تخصص لأن رحمة الله وسعت كل شيء ، فإذن هذا فيه تحقيق عملي من الرسول عليه السلام لهذا الأمر النبوي الذي جاء في هذا الحديث حديث ابن عباس : ( علموا ويسروا ولا تعسروا ).