شرح حديث أسمامة بن شريك رضي الله عنه : ( ... فقالوا يا رسول الله أعلينا حرج في كذا وكذا في أشياء من أمور الناس لا بأس بها فقال يا عباد الله وضع الله الحرج ... ). حفظ
الشيخ : لننتقل إلى الحديث الذي بعده وهو صحيح الإسناد يريوه المصنّف رحمه الله .
عن أسامة بن شريك قال : ( كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب، ناس كثير من هاهنا وهاهنا، فسكت الناس لا يتكلمون غيرهم، فقالوا: يا رسول الله، أعلينا حرج في كذا وكذا ؟ في أشياء من أمور الناس لا بأس بها، فقال: يا عباد الله، وضع الله الحرج، إلا امرءا اقترض امرءا ظلما فذاك الذي حرج وهلك، قالوا: يا رسول الله، أنتداوى ؟ قال: نعم يا عباد الله تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء، غير داء واحد ، قالوا: وما هي يا رسول الله ؟ قال: الهرم قالوا: يا رسول الله، ما خير ما أعطي الإنسان ؟ قال: خلق حسن ) .
في هذا الحديث أيضًا فوائد عديدة جمعها الرسول صلوات الله وسلامه عليه وهو ينصح الأعراب، ونحن نعلم جميعاً أن الأعراب فيهم سلامة ولكن فيهم أيضًا جهل وغفلة عن كثير من الأمور الشرعية، ومن عادتهم أنهم يصيحون في كلامهم ويتصارحون ، فيقول أسامة بن شريك وهو من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت الأعراب، ناس كثير من هاهنا وهاهنا: أي أن الأعراب كانوا جمعا كثيرا يأتون إلى الرسول عليه السلام يأتون من كل جانب ، فلما جاؤوا سكت الناس الذين كانوا عند النبي فلا يتكلم غير الأعراب وأخذوا يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام أسئلة شتّى فيقولون: يا رسول الله أعلينا حرج في كذا وكذا في أشياء من أمور الناس يعني كانت أسئلتهم تتعلق ببعض الوقائع التي تقع للناس ، ومثل هذا الحديث يذكّرني بمثل ما جاء في * صحيح البخاري * : ... صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عند رمي الجمرات يوم النحر جاءه ناس يسألونه أسئلة شتّى تشبه أسئلة أولئك الأعراب فمن قائل يقول : ( يا رسول الله إني طفت حول الكعبة قبل أن أرمي فقال : لا حرج ، وأخر يقول : يا رسول الله إني ذبحت قبل أن أرمي، فيقول الرسول عليه السلام: لا حرج ) وهكذا كان جواب الرسول عليه السلام في تقديم المناسك وتأخيرها وعدم تنظيمها وترتيبها حسب ما جاء في السنّة كان يقول لهم عليه السلام: ( لا حرج لا حرج ) أي لا باس في أن يقدّم الحاج بعض المناسك على بعض وإن كان الأفضل له أن يأتي بها حسب ما جاء بها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
والظاهر أن جواب الرسول عليه السلام هذا في جوابه للأعراب ( يا عباد الله وضع الحرج ) كأنه يلمح في مثل هذا الجواب أن يقول للأعراب : سلوا عما هو أهم من هذه الأمور التي تقع من الإنسان دون قصد لمخالفة الشرع هلا سألتم عما حرّم الله عليكم ؟ فيقول عليه السلام : ( يا عباد الله وضع الله الحرج ) الحرج هو كل شيء إذا فعله الإنسان أصيب بالضيق والضيق مرفوعٌ بنص القرآن الكريم حين قال عز وجل : (( وما جعل عليكم في الدين من حرج )) ولكن أن يجلس المسلم ينال من عرض أخيه المسلم سواء كان ذكراً أو أنثى وباستطاعته أن يتبعد عن هذه المعصية فهذا الذي فيه حرج وفيه هلاك ، لذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام للأعراب : ( يا عباد الله وضع الله الحرج إلا ) يستثني الرسول عليه الصلاة والسلام فالحرج غير مرفوع بالنسبة لامرئ اقترض امرءًا ظلماً ، اقترض : بمعنى اقتطع القرض هو القطع ، اقتطع امرأ ظلماً كيف يقال هذا ؟ إلا مرأ اقترض امرأ ظلماً يعني قرض أي قطع أي من لحمه وهذا كناية عن استغابته ، فقوله عليه الصلاة والسلام : ( وضع الله الحرج إلا امرأ اقترض امرأ ظلماً فذاك الذي حرج وهلك ) كأن الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله : ( اقترض ) يشير إلى قول الله عز وجل : (( يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظّن إن بعض الظّن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه )) (( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا )) يعني الذ يريد أن يأكل لحم أخيه يقتطع منه فكما ربنا عز وجل في الآية أمر خطير جداً ألا وهو أن المسلم إذا اغتاب أخاه المسلم فمثله كمثل ما لو اقتطع من لحمه وهو ميّت فمضغه وأكله، هذا القطع الذي ذكره ربّنا عز وجل في الآية هو الذي أشار إليه الرسول عليه السلام في هذا الحديث الصحيح: ( إلا امرأ اقترض امرأ ظلماً ) اقترض أي اقتطع، كيف اقتطع ؟ يعني استغابه فالغيبة ، غيبة المسلم لأخيه المسلم سواء كان المغتاب ذكراً والمستغيب ذكرا أو أنثى كما ذكرنا مرارا وتكرارا: ( النساء شقائق الرجال ) فما حرم على الرجال حرم على النساء وما حرم على الرجال حرم على النساء فقوله عليه السلام هنا : ( إلا امرأ ) إلا شخصاً سواء كان ذكرا أو أنثى اقترض امرأ سلماً أي قطع قطعة من لحم أخيه المسلم، فهذا المسلم الذي يقترض امرأ ظلماً يقول عليه الصلاة والسلام : ( فذاك الذي حرُج وهلك ).