تتمة شرح حديث أسمامة بن شريك رضي الله عنه : ( ... إلا أمرءا افترض أمرءا ظلما فذاك الذي حرج وهلك ... ) حفظ
الشيخ : هنا كلمة ( ظلماً ) في طيّها فقه بديع ألا وهو بعدما فهمنا أن المقصود من الاقتراض المذكور في الحديث هو الغيبة كما عبّر عنها الرسول عليه السلام بالقرض وهو القطع وهو قول : ( ظلماً ) ففيه إشارة إلى أن نوعاً من الغيبة لا تكون ظلماً لهذه النكتة قال : ( إلا امرأ اقترض امرأ ظلماً ) فكيف إذن تكون الغيبة في بعض الأحيان وليست ظلماً ؟ هذا ما نظمه ذكره الفقهاء في بيتين من الشعر كنت ذكرتهما في بعض المناسبات فإن لم نحفظها فلنحفظ معانيها حتى لا نقع في الورع البارد الذي يقع فيه بعض الناس الذي يقع فيه بعض الناس ويلزمون بسببه صلاحا وتقوى وليس ذلك من الصلاح والتقوى في شيء، يقول أهل العلم :
" القدح -أي الطعن- ليس بغيبة في ستّة *** متظلّم ومعرّف ومحذّرِ
ومجاهر فسقاً ومستفتٍ ومن *** طلب الإعانة في إزالة منكرٍ "

الغيبة في الأصل كما جاء في الحديث الصحيح: ( ذكرك أخاك بما يكره ) كلما تكلم إنسان على أخيه المسلم بشيء يكرهه وهو غائب عنه فهو غيبة، إذا قلت فلان مثلاً يمشي بهذه الصورة وأخذت أنت مثلاً تقلّد مشيته هذه غيبة، ولذلك جاء في الحديث أن السيدة عائشة لما مرّت امرأة قصيرة مرّت بها امرأة قصيرة وهي جالسة مع النبي صلى الله عليه وسلم فأشارت بيدها هكذا ، تشير يعني بأنها قصيرة ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( لقد قلت كلمة لو مُزجت بماء البحر لأفسدته ) هي شو سوت ؟ فقط أشارت إلى أن الله خلقها قصيرة ، وهنا الآن مجال الغيبة للناس واسع جدّاً فالناس كما خلق ربنا عز وجل في صورهم وفي تقويمهم فمنهم الطويل ومنهم القصير ، ومنهم النّحيل ومنهم البدين ، فقد يمر مار غليظ مثلاً هكذا فيستغيبه أحدنا فيقول ... أو ما أشبه ذلك ، على كل داخل في عموم هذا الحديث ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ( الغيبة ذكرك أخاك بما يكره، قالوا: يا رسول الله أرأيت إن كان ما قلت هو فيه ، فقال: إن كنت قلت ما فيه فقد اغتبته وإن قلت ما ليس فيه فقد بهتّته ) يعني الغيبة هو أن تصف الإنسان بما فيه أما إذا وصفته بما ليس فيه فقد افتريت عليه فهذا بهت وهذا جرمه وذنبه أعظم عند الله تبارك وتعالى من الغيبة إذا كانت الغيبة سمعتم وصفها في القرآن الكريم: (( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه )) لو حي يكره الإنسان يأكله لحم أخيه فكيف وهو ميت ؟ فلذلك فاستغابة المسلم لأخيه المسلم حرام وكثيراً ما يقع فيه جماهير الناس وخاصة النساء اللاتي لا يجدن في مجالسهن إلا أن يتكلمن وأن يقطعن وقتهن للتحدث عن فلانة وفلان، فاتقوا الله عز وجل وابتعدن عن مثل هذه الغيبة، ولكن ليس قصدي الآن هو الإفاضة في بيان الغيبة المحرّمة، فبعد أن أوضح الرسول صلوات الله وسلامه عليه أن ذكرك أخاك بما يكره هو الغيبة خلص كل إنسان يستطيع أن يعرف أنه يغتاب أخاه المسلم أو لا، لكن الذي نحن بحاجة لبيانه هو أن الغيبة أحياناً تجوز بل تجب، الغيبة المحرّمة والتي عرفتم وصفها في القرآن وفي هذا الحديث الذي بين أيجينا الآن أن الغيبة المحرمة تجوز بل تجب تصبح فرضاً بينما أصله أنها حرام ، كيف ذلك ؟ جمعها العلماء في البيتين السابقين.