شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل صلى الله عليه وسلم ... ) حفظ
الشيخ : حديث آخر هنا وهو صحيح الإسناد يرويه المصّنف عن ابن عباس قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل صلى الله عليه وسلم، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ).
هذا الحديث يبيّن لنا أيضًا كمال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه وجودة نفسه ، حيث يصفه عبد الله بن عباس رضي الله عنه فيقول : ( كان رسول الله عليه السلام أجود الناس ) لا يفوقه أحد في الكرم والجود صلى الله عليه وسلم بالخير طبعا وليس بالشر ، ولكن مع ذلك كانت حالته هذه تسمو وتعلو به في رمضان ، لأن النفوس الخيّرة تزداد خيراً بمناسبة الأجواء أو بمناسبة الزمن الذي تحلّ فيه أو بمناسبة الصلات الجديدة التي تعترض له ، فههنا الرسول عليه الصلاة والسلام الذي كان أجود الناس بالخير كان أجود ما يكون في رمضان لأن شهر رمضان شهر الخير والبركة ، فهو يوحي على من صامه ومن حل فيه بخير جديد كان لا يعرفه سابقاً وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان بصورة عامة أجود الناس بالخير لكن أجود ما يكون في رمضان، ثمّ له حاله ثالثة فكان أجود ما يكون في رمضان إذا لقيه جبريل عليه الصلاة والسلام.
فأصبح للرسول عليه السلام ثلاث حالات ثلاث مقامات في الفضائل ، المقام الأول: هو أنه أجود الناس بالخير دائما وأبداً في كل أشهر السنة.
المقام الثاني: وهو أعلى كان أجود ما يكون في رمضان.
والمقام الثالث والأخير: كان أجود ما يكون إذا لقيه جبريل عليه الصلاة والسلام، طبعاً جبريل ما كان يلقاء في رمضان ليلا نهاراً ، وإنما كان يلقاه في ساعات من الليل أو النهار، فإذن في لقاء الرسول بجبريل عليه السلام كان يفيض على الرسول عليه السلام بسبب هذا اللقاء من الخير أكثررمما كان عليه الرسول عليه السلام قبل رمضان وفي رمضان قبل لقائه لجبريل عليه الصلاة والسلام، ولذلك فهو يقول : ( كان أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل صلى الله عليه وآله وسلم، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان ) لماذا كان جبريل يلقى الرسول عليه السلام في كل ليلة ؟ يقول ابن عباس : يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه والسلام القرآن يعني يدرس القرآن عليه هذا القرآن الذي نزل به جبريل عليه الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم من ربه تبارك وتعالى كان جبريل ينزل عليه كل ليلة من رمضان حتى يدرس عليه الرسول عليه السلام القرآن دراسة من حيث الضبط والإتقان للتلاوة، وربما لتلقي بعض المعاني التي قد تخفى على الرسول عليه السلام فهو بحاجة دائمة إلى مدد السماء ووحي السماء، فكان جبريل يلقاه عليه الصلاة والسلام في كل ليلة من رمضان يعرض عليه الرسول القرآن يعني يدرس عليه القرآن ويتلوه بين يديه، فكيف يكون حال الرسول عليه الصلاة والسلام حينما يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان قال: ( فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ) هكذا كان صلى الله عليه وآله وسلم يرتقي ويعلو ويسمو في أخلاقه عليه الصلاة والسلام بسبب اختلاف ظرف عن ظرف ، فبسبب حلول رمضان كان الرسول عليه السلام أجود مما كان قبل رمضان، وحين يلقاه جبريل عليه الصلاة والسلام لمدارسة القرآن معه كان يكون أجود بالخير من الريح المرسلة ، فالريح المرسلة التي ترسل من رب العالمين تحمل المطر والسحاب فهي تغيث الأرض كلها بدون استثناء فتعم الأرض الخير كله كذلك كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه إذا لقيه جبريل عليه السلام أجود بالخير من الريح المرسلة، ولعلّه عليه الصلاة والسلام في هذه الحالة من سمو الروحي والنفسي كان كما وصفه أحد السحابة وهو جابر بن عبد الله رضي الله عنه حيث قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سئل شيئًا أعطاه ) وفي رواية : ( إذا سئل شيئاً لا يقول لا ) ، لا يعرف الرسول عليه السلام أن يقول إذا سأله شائلٌ شيئًا لا، ولذلك قال بعض مادحيه عليه الصلاة والسلام :
" لم يقل لا إلا في تشهده "
يعني: لا إله إلا الله وإنما هو دائما إذا سئل أعطى حتى جاء حديث آخر صحيح يبيّن هذه الحقيقة ويؤكدها فقد كان يأتيه الرجل يسأله فيُصوّب الرسول عليه السلام النظر ويوجه إليه بصره من فوق إلى تحت يعني يستكشف حاله ، فيتبيّن له أن هذا السائل لا يستحق أن يُعطى ومع ذلك يعطيه ، لماذا لا يستحق أن يُعطى ؟ قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : ( لا صدقة لغني ولا لذي مرّة سوي ) المِرّة : القوة ، السوي : السالم البدن مش مقطوع ، المرة القوة يعني السوي الكامل البنية ما هو أقطع ولا هو أبتر ولا هو بأي شيء من النواقص التي تعتري البشر، فيقول عليه السلام : ( لا صدقة لغني ) بدل أن يعطي يطلب ليس له صدقة.
( لا صدقة لغني ولا لذي مرّة سوي ) : أي لشخص سوي قوي البنية، ولذلك كان إذا جاءه السائل يفحصه عليه السلام لماذا هو يشحد ؟ السؤال شحادة، يعني لماذا هو يشحد؟ أنا أراه قوي البنية سليم الأعضاء إلخ ، فقير ؟ لا يظهر انه فقير ، ومع ذلك كان يعطيه ، فإذا أخذ الصدقة التي أعطاه الرسول إيها وانطلق يقول الرسول عليه السلام لمن حوله: ( لقد نطلق يتأبّطها ناراً ) يعني هذه الصدقة انقلبت عليه نار، لأنه سأل ما لا يحل له فيقولون له عليه الصلاة والسلام : فلماذا تعطيهم ما دمت تعتقد أو ترى أنهم لا يستجقون الصدقة فلماذا تعطيهم ؟ وهنا الشاهد : قال عليه الصلاة والسلام : ( يسألونني ويأبى الله لي البخل ) يسألوني والله يأبى لي أن أبخل ولذلك أنا مضطر أن أعطيهم ، يعني مقام النبوة والرسالة توجب على الرسول عليه السلام أن يحافظ على هذا المقام السامي من أن يدنّس ويوسّخ بأن يشاع بين الصحابة الذين يسألونه وهم غير محقّين للسؤال : أننا سألنا الرسول وما أعطانا أي أن الرسول بخيل ، فهو يريد أن يقطع دابر الإشاعة هذه بأن يعطيهم ، لكن هم عليهم أن يعلموا أن الذي يسأل وليس له حق السؤال وأعطيته فإنما يتأبطها ناراً، هكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم بضورة عامة أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان ثم أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه الصلاة والسلام.