شرح حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : ( كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق ... ) حفظ
الشيخ : وقد روى المصنف رحمه الله في كتابه * الأدب المفرد * بإسناد حسن لغيره .
عن جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك ) ، ( كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك ) .
في هذا الحديث بيان لكون كل خير يقدمه المسلم لأخيه المسلم فذلك معتبر ومحسوب عند الله عز وجل صدقة ، فهذه كلية عامة لا يخصصها شيء كل معرزف صدقة ، وقد جاء تفصيل هذه الجملة في بعض الأحديث الأخرى ، وبعض التفصيل : ( كل معروف صدقة ) فقد ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث أن ( إماطة الأذى عن الطريق صدقة ) وذكر الرسول صلوات الله وسلامه عليه تلك الخصلة في الحديث المعروف فيه أن الفقراء شكوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم لا يجدون ما يُنفقون من الأموال ما يتقربون به إلى الله عز جل كما يجد الأغنياء ، وكان هذا من الفقراء غبطة وليس حداً على الأغنياء ، حيث قالوا : على لسان أحدهم أرسلوه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا : ( يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور -أهل الدثور أهل الأموال الكثيرة يعني الأغنياء ذهبوا بالأجور- يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدّق ) فهم يبيّنون أن هناك عادات يشارك الأغنياء فيها الفقراء كالصلاة والصيام ونحو ذلك من العبادات والطاعات ولكن يقابل هذا عبادات أخرى يتمكن الأغنياء من القيام بها دون الفقراء فأشاروا إلى ذلك بقولهم : ( ويتصدّقون ولا نتصدّق ) فقال لهم عليه الصلاة والسلام : ( ألا أدلكم على إذا ما فعلتموه سبقتم من قبلكم ولم يدركم من بعدكم إلا من فعل مثلكم ؟ تسبحون دبر كل صلاة ثلاث وثلاثين ، وتحمدون الله ثلاثا وثلاثين، وتكبرون الله ثلاثا وثلاثين ، ثم تقولون تمام المئة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ) إلى آخر الحديث .
ففرح الفقراء بذلك فرحاً كثيراً، وذهب هذا الرسول مبشّرا لهم بذلك ، ولكن ما لبث الأغنياء إلا أن بلغهم ما وصّى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للفقراء من تلك التسبيحات والتحميدات والتكبيرات دبر الصلوات حتى بادروا إلى الفعل وإلى القيام بهذه الأذكار ، فبلغ ذلك الفقراء عاد رسولهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقول له : يا رسول الله إن الأغنياء قد بلغهم ما وصيتنا به ففعلوا ما نفعله ، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام : ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) .
وفي حديث آخر أن الفقراء لما جاؤوا إل النبي عليه الصلاة والسلام قال لهم وهنا محل الشاهد: ( إن لكم بكل تسبيحة صدقة ، وبكل تكبيرة صدقة وأمر بمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وإصلاح بين اثنين صدقة ) وفي بعض الأحاديث : ( ويجمع ذلك كله ركعتا الضحى ).
إذن فقوله عليه السلام في هذا الحديث : ( كل معروف صدقة ) جاء بمثالين فقط ... على سائر الأديان حيث وسّع على المسلمين طرق العبادة وجعل من هذه الطرق كل خير يقوم به المسلم مع أخيه المسلم، فهنا جاء بمثالين اثنين على قوله عليه السلام : ( كل معروف صدقة ) : المثال الأول قوله : ( وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق ) وهذا تفسيره في حديث آخر وهو قوله عليه السلام : ( وتبسمك في وجه أخيك صدقة ) هذا معنى قوله في هذا الحديث : ( وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق ) لا تلقاه بوجه عبوس قمطرير وإنما بوجه طلق سمح باسم .